ocaml1.gif
العدد 51: البطريرك إغناطيوس الرابع Print
Sunday, 16 December 2012 00:00
Share

تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس

الأحد 16 كانون الأول 2012 العدد 51    

الأحد التاسع والعشرون بعد العنصرة / أحد الأجداد

رَعيّـتي

البطريرك إغناطيوس الرابع

صباح الأربعاء في الخامس من كانون الاول، يوم عيد القديس سابا، رقد بالرب المثلث الرحمة البطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم). بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الــ170 بعد الرسولين بطرس وبولس مؤسسي الكنيسة في أنطاكية. سُجّي جثمانه في كاتدرائية القديس نيقولاوس في بيروت حيث توافد المؤمنون مدة أربعة أيام للتبرّك. وكان القداس يُقام يوميا والصلوات مستمرة. يوم الأحد في 9 كانون الأول بعد القداس أُقيم الجناز ظهرًا بمشاركة مميزة من الكنائس والرسميين وحشود شعبية.

 اشترك في الجناز قداسة البطريرك المسكوني برثلمارس الأول، ورئيس أساقفة قبرص خريسوستموس، ورئيس أساقفة ألبانيا أنستاسيوس، وممثل بطريرك اورشليم مطران عمان بنديكتوس، وممثل بطريرك موسكو المطران هيلاريون، وممثل بطريرك صربيا المطران أنطونيوس، وممثل بطريرك رومانيا الأسقف كاسيانوس، وممثل بطريرك بلغاريا المطران دوميتيان، وممثل رئيس أساقفة اليونان المطران يوحنا، ووفد من جبل آثوس، ومطارنة الكرسي الأنطاكي.

حضر الجناز فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ودولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وممثل رئيس مجلس النواب، والوزراء والنواب والدبلوماسيون والرسميون وحشود من المؤمنين. وضع فخامة رئيس الجمهورية على نعش المثلث الرحمة البطريرك إغناطيوس وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر.

كما حضر ممثل البابا بنديكتوس السادس عشر الكاردينال بول بوبار، والكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك الموارنة، وبطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، والكاثوليكوس آرام بطريرك الأرمن الأرثوذكس، وممثل الكنيسة القبطية المطران بنيامين، وممثل الكنيسة السريانية الارثوذكسية المطران جورج صليبا، ووفد من الكنيسة الإنجيلية، وأمين عام مجلس الكنائس العالمي، وممثلون عن الأديان الاخرى.

ألقى عظة التأبين راعي هذه الابرشية المطران جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).، ثم تكلّم قداسة البطريرك برثلماوس عن البطريرك الراحل وخدمته “ومحبته الأصيلة لأبناء رعيته التي تُلهم كل واحد منا لأننا كلنا رأينا فيه تجسيدا للفضيلة وللجرأة الأرثوذكسية وشجاعتها... رعى كنيسة أنطاكية في حقبة متطلبة جدا بروح إنجيلية وتمايز أخلاقيّ رفيع... كل من عرف البطريرك الراحل إغناطيوس شخصيا انذهل بتواضعه وشجاعته وبساطته الكبيرة وحبه للصوم وبلاغته في الصمت وفي الصلاة...”؛ ثم رئيس أساقفة قبرص؛ ثم رئيس أساقفة ألبانيا أنستاسيوس الذي تكلّم عن معرفته الشخصية بالبطريرك الراحل “أحد عظماء رؤساء الكهنة الأرثوذكسيين”؛ والمطران إيلاريون (فولوكولامسك) ممثل بطريرك موسكو كيريل، الذي تلا رسالة منه. بعد ذلك قرأ الكاردينال بول بوبار رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر.

ثم نُقل الجثمان الى الكاتدرائية المريمية في دمشق في موكب مهيب حيث سُجّي للتبرّك. يوم الاثنين في 10 كانون الاول أُقيم جناز رؤساء الكهنة، وبعد الظهر الجناز في الكاتدرائية المريمية نفسها. ألقى التأبين راعي هذه الأبرشية المطران جاورجيوس. بعد ذلك ووري الثرى في مدافن البطاركة.

عظة المطران جاورجيوس في بيروت

فيما كانت كنيسة الأرض تأخذ منك جهدًا كثيرا استدعاك ربّك الى عرس الحمل والى كنيسة الأبرار لتذوق بهاءهم وفرحًا عندهم يدوم الى أبد الآباد. تُخاطبنا من فوق لتقول لنا إننا إن لم ننشدّ الى الصالحات الباقيات نكون رمينا أنفسنا في العدم. كان انتقالك تربية لنا لنعاشر السماويين علّ شيئا من غبطتهم ينزل علينا.

تريدنا أن نسهر على الكلمة التي استودعناها لئلا يغرينا التفه. واذا نظرنا اليك نعرف أنك ترفع عيوننا الى ربّك.

قد يكون صعبا التمرّن على الفراق ولكنك روّضتنا على أن الذين هم للمسيح ليس بينهم هوّة. انت سبقتنا الى الملكوت الآتي لتتربّع مع القديسين ونتوق اليك وإليهم فنخلد بسكنى الروح القدس فينا.

بعد أن تسلّحت به تدعونا الى أن نشتهي وجه الآب وحده، ولكونك ماثلا أمامه تتقوّى مرافقتنا اياك ونصبح بصوتك في موئل الطاهرين.

كنت تعود في معاشرتهم دائما الى بساطة المسيح التي تلغي كل فارق بين الأذكياء. ما الذكاء الحقيقي إلا التماع العقل الإلهي فينا. لم تُغْرك المنظورات ومعقولاتها لأن الذِكر الإلهي اقترب من سكناك، غير أنك من تراب مثلنا وكنت تعرف ذلك. لكنك كنت تؤمن ايضا أننا مدعوّون الى تجاوز التراب لنتسربل النور حسب قول الكتاب العزيز: “يا جميع الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم”. ليس سهلا على أحد أن يسكن كيانه كله في النور الإلهي. مع ذلك كنت تعرف أن عقول البشر -وانت اليها في ثقافتك- ليست بشيء عند نزول الكلمة الإلهيّة.

هذا على صعيد الفكر. غير أنك فهمت أنه كُتب لك أن تتخطى العقل كلّه بانسكاب كلمة الله عليك لتكون فوق كل الكلمات. وهذا لا يحصل الا لمن تسربل فكر المسيح.

أقول كلّ هذا مستفيضًا لأنك تفلسفت كثيرا قبل ان تنطق بالإلهيات. ففي التربية التي تلقّيت والمعقولات التي نشأت عليها بدأت من البشرة بحيث انها كانت هي معراجك الى الإلهيّات، والكنيسة الأنطاكية بنوع فريد كانت في عصور جمالها تُركّز نفسها دائما على الجهد البشري في نسكها وسعيها في الكلام عن الله الذي لا يسوغ النطق به الا بعد رياضات الحب.

الكلام عن الحب الإلهي الذي هو وحده موضوع اللاهوت لا يأتيك الا اذا اقتحمك الحب كيانيا فتفهم عندئذ العلاقة بين الطاعة لله والكلام عن الله. غير أن اللافت فيك أنك لم تفصل بين الذوق الإلهي في داخلك وبين التكلّم بالشأن الإلهي في معاناة العقل البشري التي نشأت عليها.

ولكن العقل اذا استقلّ يعني انه لم يتغذَّ بالوحي وانه بقي لصيق الجسد والدنيا، وكلّنا يعلم ان لباسك الثقافي الأول كان الفلسفة، ومتابعوك يعلمون ان هذا العالم والفلسفة منه لا يكفي وأننا لا نستطيع ان نحيا ما لم يكن اللاهوت لباسا لنا.

هذا ما كُتب عليك او ما كُتب فيك حتى بدا للجميع انك رجل القلب ايضًا والقلب كان مصدر الصداقة فيك وأحببت بعضًا من بشر بقوّة المشاعر العظيمة التي جلّلتك.

وهذا لم يكن فقط من بشرتك ولكن من كيانك المتمسحِن عمقه فاستدخلت أصدقاءك قلبك وكنت تحبّهم ببساطة. لعلّ هذه هي الفضيلة التي سيطرت عليك وبها أطللت على الأطفال وخفت على الشيوخ وحسبنا ببركات هذه الإطلالات أنك ستبقى بين شيوخنا طويلا. غير أن الرب يستأثر بمن أحبهم كثيرا.

قل للمخلّص اننا بتنا لا نتّكل الا على إشفاقه على كنيسته. متى تصبح برأفاته العروسَ المشتهاة؟ سلّم على الذين يحبّون ان نلتحق بهم. ان الإله المبارك ينصت الى نجواك الضامّةِ ايانا الى رحمته.

الرسالة: كولوسي 4:3-11

يا إخـوة، متى ظهر المسيح الذي هو حياتنـا فأنتم ايضا تُظهَرون حينئذ معه في المجد. فأَميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنى والنجاسة والهوى والشهوة الرديئة والطمع الذي هو عبادة وثن، لأنه لأجل هذه يأتي غضب الله على أبناء العصيان، وفي هذه انتم ايضا سلكتم حينا إذ كنتم عائشين فيها. اما الآن فأنتـم أيضا اطرحوا الكل: الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح من أفواهكم. ولا يكذب بعضُكم بعضا بل اخلعوا الانسان العتيق مع أعماله والبسوا الانسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه حيث ليس يونانيّ ولا يهوديّ، لا ختان ولا قلف، لا بربريّ ولا إسكيثيّ، لا عبد ولا حُرّ، بل المسيح هو كل شيء وفي الجميع.

الإنجيل: لوقا 16:14-24

قال الرب هذا المثل: إنسان صنع عشاء عظيـما ودعا كثيرين فأرسـل عبده في ساعة العشاء يقول للمدعوّين: تعالوا فان كل شيء قد أُعدّ. فطفق كلهم، واحد فواحد، يستعفُون. فقال له الأول: قد اشتريتُ حقلا ولا بد لي أن أَخرج وأَنظره، فأسألُك أن تُعـفيني. وقال الآخر: قد اشتريتُ خمسة فدادين بقر وأنا ماضٍ لأجرّبها، فأسألك أن تعفيني. وقال الآخر: قد تزوجتُ امرأة فلذلك لا أَستطيع أن أجيء. فأتى العبد وأَخبر سيّده بذلك. فحينئذ غضب رب البيت وقال لعبده: اخرجْ سريعا الى شوارع المدينة وأَزقّتها، وأَدخِل المـساكين والجُدع والعميان والعرج الى ههنا. فقال العبد: يا سيد قد قُضي ما أَمرتَ به، ويبقى ايضا محلّ. فقال السيد للعبد: اخرجْ الى الطرق والأسيجة واضطررهم الى الدخول حتى يمتلئ بـيتي. فإني أقول لكم انـه لا يـذوق عشائي أحـد من اولئك الرجال المدعوّين، لأن المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون.

نبذة من سيرة البطريرك إغناطيوس الرابع

  • وُلد "حبيب" هزيم في محردة (حماه ـ سوريا) في الرابع من نيسان سنة 1920. هو البكر في عائلة مؤلفة من الأب "أسعد" والأم "مريم" وثمانية أولاد (ثلاثة أبناء وخمس بنات). تتلمذ في مدرسة والده المعلّم أسعد.
  • سنة 1936 انتقل إلى بيروت كمبتدئ تابع لأبرشية بيروت. سنة 1937 التحق بالمعهد الدولي I.C القسم الفرنسي حيث أنهى دراسته الثانوية عام 1943. دَرَس العلوم الفلسفية والتربوية في الجامعة الأميركية ونال الإجازة .B.A سنة 1945.
  • سيم شماسًا عام 1941 على اسم القديس إغناطيوس الأنطاكي، ومنذ ذلك الحين بدأ يعمل بقوة في الحقل الرعائي وبرز كمرشد للشبيبة.
  • 1945-1949 درَّس الرياضيات في مدرسة الثلاثة أقمار بالإضافة إلى كونه المشرف العام عليها.
  • سافر العام 1949 إلى باريس ملتحقًا بمعهد القديس سرجيوس الأرثوذكسي حيث نال الإجازة في اللاهوت والفلسفة.
  • بعد عودته إلى بيروت العام 1953 سيم كاهنًا، وأسس كلية البشارة وتسلّم إدارتها من 1953 حتى 1962.
  • رُسم أُسقفًا عام 1961 وعُين وكيلاً بطريركيًا على عهد البطريرك ثيوذوسيوس السادس (أبو رجيلي) الذي انتدبه في السنة ذاتها لتولّي رئاسة دير سيدة البلمند ومدرسته الإكليريكية.
  • انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس عام 1965 مطرانًا على أبرشية اللاذقية، ودخلها عام 1970.
  • في 2 تموز 1979 انتُخب بطريركًا على أنطاكية وسائر المشرق، ونُصِّب في الكاتدرائية المريمية بإسم “إغناطيوس الرابع”، وهو البطريرك الـ 170 على أنطاكية.
  • في كانون الثاني 1981 رئس الوفد المسيحيّ إلى المؤتمر الإسلامي في الطائف وقد أُطلق عليه لقب “بطريرك العرب”.
  • العام 1988 أسس جامعة البلمند، وترأس منذ ذلك الحين مجلس أُمنائها.
  • هو أحد الرؤساء السابقين لمجلس الكنائس العالمي، ونائب رئيس سابق للرابطة العالمية للطلبة المسيحيين، وأحد مؤسسي مجلس كنائس الشرق الأوسط وأحد رؤسائه، وأحد مؤسسي الرابطة العالمية للشبيبة الأرثوذكسية سيندسموس.
  • يجيد، بالإضافة إلى العربية، الفرنسية والإنكليزية، ويُلمّ باليونانية والروسية.
  • شهاداته: إجازة في الفلسفة والتربية، إجازة في اللاهوت، دكتوراه فخرية من جامعة بطرسبرج ومن معهد القديس سرجيوس في باريس ومن معهد القديس فلاديمير في نيويورك ومن جامعة أثينا.
  1. مؤلفاته: التعليم القويم (3 أجزاء)؛ القيامة والإنسان المعاصر (بالفرنسية والإيطالية والإنكليزية)؛ أؤمن؛ فتحُ كلامكَ ينير؛ سلسلة الله معنا (4 أجزاء)؛ في المسألة اللبنانية والمصير المسيحي؛ Sauver la Création Le silence.
  2. ترجماته: كوربون، جان: كنيسة المشرق العربي؛ دي ديتريخ، سوزان: القصد الإلهي.
  3. مقالات عديدة منشورة في الدوريات.

وله العديد من المقالات المنشورة بالعربية والفرنسية والإنكليزية في التاريخ واللاهوت، نشرت في الدوريات المحلية والعربية والعالمية. بالإضافة الي كتب عديدة عنه ومقالات منشورة في كثير من الدوريات.

القائمّقام البطريركيّ

صباح الجمعة في 7 كانون الأول اجتمع مطارنة الكرسي الأنطاكي في دير سيدة البلمند البطريركي برئاسة الأقدم رسامة بينهم اي المتروبوليت اسبيريدون (خوري) راعي أبرشية زحلة، وانتخبوا المتروبوليت سابا (اسبر) راعي أبرشية بصرى حوران وجبل العرب والجولان قائمّقاما بطريركيا لحين انتخاب بطريرك جديد. ويقوم القائمقام البطريركي بإجراء عمليات انتخاب البطريرك الخلف.

عظة المطران جاورجيوس في دمشق

تعلو من أنطاكية إلى السماء التي اختارها الأبرار وطنا لهم. وذلك أنك سموت من مجد إلى مجد بما آتاك الرب الروح.

قلت الروح الذي نزل على ذكاء بشرتك والذكاء الذي كان يلتمع فيك كان ارتقاء بشريا. أما الروح فهبط عليك من الآب وفيه كنت تستريح وبفضل منه كنت تستكين بالمقامات العلى من المعرفة وكانت على كثافة واتزان ومنها أو إليها الكلمة السواء وبها كنت تكشف الإنجيل للمتهيئين له وهو الطامح إلى كل النفوس التي كُلِّفتَ رعايتها خدمة لراعي نفوسنا العظيم.

بنعمته غدوت أسقف سوريا إذا استعرنا عبارة شفيعك الذي أحس أنه دُعي إلى الإطلالة على البلد كله. والبلد الذي أنت منه كان قلب العالم المسيحي خلال عدة قرون بعد بزوغ نور الإنجيل في البدايات. أرادك ربك حاملا ثروة إغناطيوس الأنطاكي ورومانس المرنم وإليان الحمصي والذهبي الفم والدمشقي وهذا الأخاذ الكبير الذي هو مكسيموس المعترف البارز من حوران.

عندما نودعك الآن نحس أنك بطريقة أو بأخرى تجيء منهم وأننا نريد أن نجيء منهم أبدا ومنك بقدر ما ورثتهم. على مدى أجيال كثيرة كانت أنطاكيا يا سيدي المسرح الأول للإنجيل ولستُ أغالي إذا قلت إن الكلمة المسيحية ما عدا بعض أضواء في الإسكندرية قيلت هنا وذاق الناس فُتاتها في أصقاع أخرى.

والتوهج المسيحي العظيم في هذه الأرض نقله الإنجيل إلينا وذلك بواسطة الأكابر الذين قدسوا هذه البلاد. وجاء الرب إلينا بك بعد أن عرفناك خادما للكلمة.

ما أسكرتك الفلسفة التي تعلّمتها كثيرا وكنت دائما تعيش بالإنجيل كل فكر بحيث أمكنني أن أقول إنك لم تقف عند مقولة بشرية إذ كنت تعرف أن البشرة مؤقتة أو فانية كما كنت تعرف أننا، أهل أنطاكية، ما كنا قائمين بأجسادنا ولكن بكل كلمة تخرج من فم الله.

أجل نحن لا ندّعي أن مَنحَانا البشريّ شيء عظيم، ولكنا نزعم أن الباقيات فينا انحدرت إلينا من هذا الإنجيل القائم فوق الدهور وأنك أردت نفسك فقط خادما له.

لذلك كنتَ منذ تعليمك الأطفال والأحداث تبغي تركيز كل مسعاك الفكري على ما نطق به الله في كتابه الطيّب من حيث إنك ما كنت بطريرك الروم ولكن بطريرك الله على الروم وما سمّاهم ربك بهذه التسمية ولكنه نفخ في سفر الأعمال بهذه القولة: “ودُعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً”. فالكلام العزيز يعني بوضوح أن ثمة ارتباطا لا ينفكّ بين المسيحية وأنطاكية تراثَ عقل وتروّضَ نُسك وسهرا في رياضات النهار والليل ليتمجّد ربك من بادية الشام حتى سواحلنا. وأنت كنت على كل هذا المدى رقيبا. والرب كانت عيناه عليك وعلينا لنبقى على الإخلاص حاملين صليب المجد إلى كل قيامة في القلب والعقل ليبدو وجهُ يسوع ونعيش به إلى أبد الآباد.

وُلدت من الماء الطاهر والروح ونشأتك استقامة الرأي والعبادات من حيث إنك روّضت ذوقك على إنشادنا وعندما جئت بيروت يافعًا كنت من الراشدين بسبب من هذا المنحى العباديّ الذي طبع كيانك كله حتى ساغ القول إنك مع تروّضك على ما تيسّر لك من المعارف كان للناس أن يتبيّنوا في ذهنك وكلماتك الطابع الكنسي.

ولفت هذا أَترابَك إذ كنت مرتديا الثوب الإكليريكي في الجامعة الأميركية متفردا به وأصررت عليه لما بُعث بك إلى فرنسا للتحصيل اللاهوتي، وعند عودتك تسلّمت كلية البشارة في بيروت فالتمعَت بك وعُرفْت مربّيًا وإداريًا، وبدا هذا للرئاسة الروحية فأُسند إليك مسؤوليات عُليا في دير سيدة البلمند حتى تولّيت أبرشية اللاذقية ثم جلست على السدّة البطريركية ترعى المدى الأنطاكي.

ترفعُنا معك حيث أنت جالس الآن لنتابع المسيرة بالجدّ الذي لم يفارقك في أية مرحلة من مراحل حياتك، والكثير من الجد يأتي من هذا العقل، وراعيك مسيح الرب هو عقل الآب.

نحفظ كل ما أعطيت راجين أن يبقينا الرب على الإخلاص. لقاؤنا عندك إذا شاء السيد أن يكمّلنا بالرحمة.

Last Updated on Monday, 10 December 2012 16:47