ocaml1.gif
العدد ٢٣: الأعمى والنُّور Print
Sunday, 05 June 2016 00:00
Share

تصدرها أبرشية جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ٥ حزيران ٢٠١٦ العدد ٢٣ 

أحد الأعمى

logo raiat web



كلمة الراعي

الأعمى والنُّور

أصرّ اليهود الا يُعتَرف بيسوع الناصريّ مسيحًا في شعبه. فقد صمّموا على إخراج أي يهوديّ من المجمع، من الأمّة، اذا اعترف بيسوع المسيح. أي انهم منذ البدء أَدركوا انهم لو اعترفوا بالمسيح فإنما عليهم ان يغيّروا شيئًا في أنفسهم، شيئًا في تفاسيرهم، شيئًا في مواقفهم. وهذا يكلّفهم، يعرّض أُمّتهم ألاّ تبقى متماسكة.

لو اعترفوا بيسوع مسيحًا لكانت الرسالة قد خرجت من إسرائيل إلى العالم، ولكانت الأمم قد دخلت في الميراث، وتنهار زعامة الفريسيين، ويصبح المسيح سيّدًا على الشعب، ولا يبقى الكهنة ورؤساء الكهنة والفريسيون قادة للشعب، وتصبح هناك كنيسة واحدة مؤلّفة من مسيحيين من أصل يهوديّ ومسيحيين من أصل وثني.

ولكي يُبعدوا هذا الخطر عنهم، أرادوا ان يزجّوا المسيح بالتهمة لكي يُبعدوا الناس عنه، فاتّخذوها ذريعة أنه شفى الأعمى في يوم سبت، وكان هذا في نظرهم كُفرًا لأن السبت مخصّص للرب ولا يُعمَل فيه. اعتبروا الشفاء عملاً، اعتبروا كلّ عمل محرّم في الناموس مع أن الأعمال لم تكن كلّها محرّمة. فضّلوا التمسّك الحرفيّ بالشريعة على عمل الخير. وجدوا ذريعة، لا في شريعة موسى، بل في تفاسيرهم لشريعة موسى لكي ينقضّوا على يسوع ويُميتوه. ولذلك أخذوا يجادلون في أمر المريض الذي شُفي:

أأنت أعمى؟ من قال انك أعمى؟ أين الشهود على أنك أعمى؟ كانوا يرونه دائمًا ويعرفون انه وُلد أعمى، ومع ذلك أرادوا أن ينفوا الأعجوبة، ليس لأنها لم تحصل، لكنهم قرروا مسبقًا ألا يعترفوا بيسوع صانع معجزات. الرجل الأعمى اعترف بذلك طبعًا لأنه شُفي. وأبواه اللذان كان مغضوبًا عليهما من اليهود اعترفا أيضًا بذلك.

يبيّن لنا الإنجيل أن من كان يُظَنّ انه «مستنير» (أي اليهود) كان أعمى. كان اليهود هم العميان في حين ان الأعمى صار بصيرًا. انقلبت الآية: الذين ظنّوا أنفسهم في النور كانوا في الظلام لأنهم جعلوا أنفسهم ضد المسيح، والذي كان في الظلام صار في النُّور لأنه آمن بالمسيح. المسيح هو النُّور وكل من اتّبع المسيح يصبح في النُّور.

قد يكون الإنسان مسيحيًا، ومع ذلك يبقى أعمى، ليس لأن ديانته مظلمة، لكن لكونه لم يبقَ على ديانته. أظلم من جديد من بعد نور. السلوك السيء ظلام يدخل الينا من بعد النُّور ويجعلنا عميانًا. لذلك لا نفتخر بأننا مسيحيون، هذا لا يكفي. لنفتخر بأننا نطيع وصايا الله. القضية أن يستمرّ النُّور علينا، لا أن نأخذ النُّور منذ طفولتنا ونتوقف. الأمر كله ان نبقى على معموديتنا ونسلك سلوك المعمّدين كأن النور يُعطى لنا كل يوم بالعمل الصالح. المعمودية تُجدّد لا بالماء ولكن بالعهد الذي نقطعه على أنفسنا كل يوم في حضرة المسيح فنبقى على النُّور الذي تدفق على كل منّا في جرن المعمودية.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

الرسالة: أعمال الرسل ١٦: ١٦-٣٤

  في تلك الأيام، فيما نحن الرسل منطلقون إلى الصلاة، استقبلتْنا جاريةٌ بها روح عرافة، وكانت تُكسِب مواليها كسبا جزيلا بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يُبشّرونكم بطريق الخلاص. وصنعتْ ذلك أياما كثيرة، فتضجّر بولس والتفت إلى الروح وقال: إني آمرُكَ باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلما رأى مواليها أنه قد خرج رجاء مكسبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما إلى السوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الولاة قائلين: إن هذين الرجُلين يُبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويُناديان بعادات لا يجوز لنا قبولها ولا العمل بها إذ نحن رومانيون. فقام عليهما الجمع معا ومزّق الولاةُ ثيابهما وأمروا أن يُضربا بالعصيّ. ولما أَثخنوهما بالجراح أَلقوهما في السجن وأَوصَوا السجّان بأن يحرسهما بضبط. وهو إذ أُوصي بمثل تلك الوصية ألقاهما في السجن الداخلي وضبط أرجلهما في المقطرة. وعند نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أُسس السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلّها وانفكَّت قيود الجميع. فلما استيقظ السجّان ورأى أبواب السجن انها مفتوحة استلّ السيف وهمَّ أن يقتل نفسه لظنّه أن المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلا: لا تعمل بنفسك سوءا فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثم خرج بهما وقال: يا سيديّ، ماذا ينبغي لي أن أَصنع لكي أَخْلُص؟ فقالا: آمنْ بالرب يسوع المسيح فتخلُص أنت وأهل بيتك. وكلّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الرب. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثم أَصعدهما إلى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

 

الإنجيل: يوحنا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا رب، من أخطأ أهذا أم أبواه حتى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الذي أَرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنه يشبهه. واما هو فكان يقول: إني أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلا أعمى، إلى الفريسيين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يومُ سبتٍ. فسأله الفريسيون أيضا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينا ثم اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفريسيين: هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنه فتح عينيك؟ فقال: إنه نبي. ولم يصدّق اليهود عنه أنه كان أعمى فأَبصر حتى دعَوا أبوَي الذي أَبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان انه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أن هذا ولدنا وانه وُلد أعمى، وأما كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السن فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافان من اليهود لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدا لله، فإنا نَعلم أن هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنما أَعلم شيئا واحدا أني كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضا؟ ألعلّكم أنتم أيضا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. واما نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أن الله قد كلّم موسى. فأما هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إن في هذا عَجَبا أنكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعلم أن الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أن أحدا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا. أجابوه وقالوا له: إنك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجا. وسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا رب، وسجد له.

 

وصعد إلى السماء…

«إني أَصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم»

(يوحنا ٢٠: ١٧)

بهذه الكلمات العجيبة، وصف الربّ القائم من بين الأموات سرّ قيامته لمريم المجدليّة، التي كان عليها نقلها إلى تلاميذه الذين كانوا «ينوحون ويبكون» (مرقس ١٦: ١٠). خاف التلاميذ وتعجّبوا لدى سماعهم هذه البشرى التي تلقّوها بشكّ وعدم ثقة. لم يكن توما الوحيد الذي شكّ، بل كلهم شكوا، حتّى بطرس، الذي خرج من القبر مندهشًا فقد «مضى متعجبًا في نفسه مما كان» (لوقا ٢٤: ١٢). لكن، يبدو أن واحدًا فقط من الأحد عشر لم يشكّ: يوحنّا، التلميذ الذي «كان يسوع يحبّه».  وحده يوحنّا تلقّف سرّ القبر الفارغ للحال: «وَرَأَى فَآمَنَ» (يوحنا ٢٠: ٨).

لم يتوقّع التلاميذ قيامة الربّ. ولا حتّى النسوة توقعن ذلك، بل ظنّوا بالغالب أن يكون جسده يرتاح ميتًا في القبر؛ فقد أتين القبر إلى «حيث وضعوه»، حاملات الحَنوط الذي أَعددنه «ليأتين ويَدهنّه». جلّ ما كان يشغل بالهنّ السؤال: «مَن يُدحرج لنا الحجر عن باب القبر»؟ (مرقس ١٦: ١-٣؛ لوقا ٢٤: ١).

تذمّرت مريم المجدليّة بألم عندما لم تجد جسد السيّد في القبر: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ» (يوحنا ٢٠: ١٣). كذلك هربت النسوة من القبر بخوف ورعدة عند بشارة الملاك «فخرجن سريعًا وهربن من القبر، لأن الرعدة والحيرة أَخذَتاهن. ولم يقُلن لأحد شيئًا لأنهنّ كُنّ خائفات» (مرقس ١٦: ٨). وحتّى عندما تكلّمن، لم يُصدّقهن أحد، كما حصل مع مريم المجدليّة التي رأت الربّ، وكما حصل مع التلميذين اللذين كانا يمشيان منطلقين إلى البريّة «وذهب هذان وأخبرا الباقين، فلم يُصدّقوا ولا هذين» (مرقس ١٦: ١٣)، واللذين تعرفا عليه «عند كسر الخبز». و «أخيرًا ظهر للأحد عشر وهم متّكئون، ووبّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدّقوا الذين نظروه قد قام» (مرقس ١٦: ١٤).

«ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل». بهذا الكلام تذمّر تلميذا عمَّاوس لمرافقهما العجيب (لوقا ٢٤: ٢١)، ما يكشف لنا جزئيًا سرّ «عدم إيمان» التلاميذ. أخبار القيامة التي أتت بها النسوة لم تجلب لهما سوى «الحيرة والدهش». هما انتظرا نصرًا أرضيًا «واضحًا» وغلبة مُبينة. التجربة التي استحوذت عليهما ومنعتهما من قبول «بشارة الصليب» جعلتْهما يجادلان المخلّص في كل مرّة كان يحاول فيها كشف سرّه لهما. «أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟». هذا كان لا يزال صعبًا عليهما قبوله (لوقا ٢٤: ٢٦). حتّى في وقت سابق تحيّر التلاميذ فقالوا: «ماذا حدث حتى إنك مزمع أن تُظهر ذاتك لنا وليس للعالم؟» (يوحنا ١٤: ٢٢). استمرّت حيرتهم حتى في يوم صعود الربّ حين سألوا: «يا رب، هل في هذا الوقت ترُدّ الملْك إلى إسرائيل؟» (أعمال ١: ٦). لم يعرفوا بعد معنى قيامته، ولم يفهموا ما معنى أنه «يصعد» إلى الآب. لم تنفتح أعينهم إلا لاحقًا عندما تمّ «موعد الآب» (أعمال ١: ٤).

كمال معنى القيامة يكمن في صعود المسيح المجيد.

لم يقم الرب لكي يعود إلى نظام الحياة الجسديّة السابق، لا ليحيا من جديد لكي يشارك تلاميذه والجموع في البشارة والعجائب. الآن، بعد قيامته هو لا يبقى معهم، ولكنّه صار «يظهر» لهم بطريقة عجيبة وسرّية، من وقت إلى آخر، طوال مدّة أربعين يومًا. هكذا يوضح القديس يوحنا الذهبي الفم: «هو لم يعُد معهم دائمًا كما في سابق عهده قبل القيامة»، ويضيف «كان يأتي ومن ثمّ يختفي، ليقودهم بذلك إلى إدراك أسمى. هو لم يعُد يسمح لهم بالاستمرار في علاقتهم السابقة به، ولكنّه حرص على جعلهم يُدركون موضوعين أساسيّين: الإيمان بحقيقة قيامته من بين الأموات؛ والإدراك بأنه، من الآن فصاعدًا، هو نفسه صار أعظم من البشر». صار ثمّة أمرٌ جديدٌ وغير اعتياديّ في شخصه الآن (يوحنا ٢١: ١-١٤). أو كما يوضح الذهبي الفم: «لم يعدُ حضوره مكشوفًا، ولكن نوعًا من الشهادة على حقيقة أنّه موجود». لم يقم المسيح بنفس الطريقة التي أُعيد بها إلى الحياة بعضُ الأشخاص الذي أُقيموا قبله. بالنسبة إلى هؤلاء كانت قيامتهم وقتيّة، لأنهم عادوا إلى الحياة بنفس الجسد، عادوا عرضة للموت والفساد، أي عادوا إلى نظام الحياة السابق... قام المسيح إلى الأبد، ولن يعود إلى الموت من بعد. قام بجسد ممجّد لا يعرف الفساد. «يُزرع في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان، ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف، ويُقام في قوّة. يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا» (١كورنثوس ١٥: ٤٢-٤٤). قام المسيح إلى حالة من الوجود جديدة أسمى من الأُولى. لذلك بصعوده الآن إلى أبيه، هو «لا يذهب»، لا يغادرنا. هو يُصعِد معه الأرض إلى السماء، يرتفع أعلى من أيّة سماء. «لم تظهر قوّة الله بالقيامة فقط، ولكن بأمر أعظم» يضيف الذهبي الفم، «لأن المسيح ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله» (مرقس ١٦: ١٩).

ومع المسيح تصعد طبيعة البشر أيضًـا.

«نحن الذين بدونا لسنا مستحقّين للأرض، رَفعَنا المسيحُ الآن إلى السماء» يؤكّد الذهبي الفم. «نحن الذين لم نكن مستحقّين سيادة الأرض، صعدنا إلى الملكوت العلوي، ارتقينا أعلى من السماوات، أُعطي لنا عرش الملك؛ طبيعتُنا التي طُردت قديمًا من الفردوس ووُضعت الملائكة الحرّاس لمنعها من العودة، لم تُمنع الآن من الصعود إلى عرش الرب». رفعنا الله، كما يؤكد بولس الرسول: «وأقامنا معه، وأَجلسَنا معه في السماويات في المسيح يسوع» (أفسس ٢: ٦). «باكورة الراقدين» يجلس الآن في الأعالي. به تجتمع البشرية وتتّحد. «تفرح الأرض بالسر، وتمتلئ السماوات بالسرور».

الصعود هو علامة العنصرة ورمز حلولها.

«صعد الرب إلى السماء وسيرسل الروح المعزي للعالم». سبق الرب وأخبر تلاميذه: «لأنه إن لم أَنطلق لا يأتيكم المعزّي» (يوحنا ١٦: ٧). لذلك، مواهب الروح هي «مواهب المصالحة»، وختم تمام الخلاص والاتحاد المطلق بالله. يكمن فرح الصعود في موعد الروح: «وفرّحتَ تلاميذَك بموعد الروح القدس». يعمل انتصار المسيح فينا بقوة الروح القدس. من خلال التجدّد والتمجيد بالمسيح الصاعد إلى السماوات، صارت الطبيعة البشرية قابلة للروح القدس.

وجود الكنيسة بذاتها هو ثمرة الصعود الإلهي. ففي الكنيسة حقًا تصعد الطبيعة البشرية إلى الأعالي الإلهيّة (أفسس ١: ٢٢).

الصعود هو علامة المجيء الثاني ورمزه.

«إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء» (أعمال ١: ١١). سرّ العناية الإلهية يكمل في عودة الرب القائم من بين الأموات. ففي كمال الأزمنة تعلن قوة ملكوت المسيح وتبسط على كل البشر المؤمنين، يجعلهم المسيح ورثة لملكوته: «وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتًا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على كراس تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر» (لوقا ٢٢: ٢٩-٣٠)، و «مَنْ يغلب فسأُعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبتُ أنا أيضًا وجلستُ مع أبي في عرشه» (رؤيا ٣: ٢١).

في مواجهة هذا السموّ، يقف كلّ جسد صامتًا، يرتعد بالدَهَش. «هو نزل بنفسه إلى أسفل دركات الذلّ، وأصعد الإنسان إلى أرقى عُلو المجد». 

ما معنى الصعود في حياتنا المسيحية وكيف علينا التصرف إذن؟ 

«أنت أيها المسيحي، إذا كنت جسد المسيح، احمل الصليب، لأنه حمله أيضًـا» (الذهبي الفم). 

«بقوّة صليبك أيها المسيح، ثبّتْ قلبي، أيها المسيح، لكي أُنشد وأُمجّد صعودك المخلّص».

Last Updated on Wednesday, 01 June 2016 16:06