ocaml1.gif
العدد ٤٨: الدافع إلى الانطلاق من جديد Print
Written by Administrator   
Monday, 25 November 2019 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ١ كانون الأوّل  ٢٠١٩ العدد ٤٨ 

الأحد الرابع والعشرون بعد العنصرة

النبيّ ناحوم

logo raiat web

كلمة الراعي

الدافع إلى الانطلاق من جديد

4819 أن تنطلق من جديد هو حدث يوميّ يحتاج منك إلى قوّة الالتزام والمثابرة من دون فقدان الرجاء. فما هو الدافع الذي يساعدك كلّ يوم لتقدّم هذا الجهد برجاء وبساطة؟ شهادة أعمى أريحا تعطيك الجواب. بالفعل، كان هذا الأعمى محتاجًا إلى الاستعطاء ليقي نفسه العوز، محتاجًا إلى النور لكي يرى، إلى مَن يرأف به لأنّه متروك لمصيره، إلى المعنى لكي يستمرّ. هذا، وإن بدت حاله مزرية إلى هذا الحدّ، لم يترك نفسه يومًا تغرق في اليأس. خبرة أمثاله تعلّمنا كيف ينهضون من جديد كلّ يوم ويجدون في أنفسهم القوّة والدافع الكافيَين ليتعهّدوا بهما أنفسهم، فلا يستسلمون، بل يشعّون لمن حولهم بشهادة مميّزة.

أخذ أعمى أريحا موقعه «جالسًا على الطريق يستعطي» (لوقا ١٨: ٣٥)، وظهر شديد الحساسيّة لما يجري حوله، على عكس المحيطين به. فلـمّا سمع جلبة، استفسر «ما عسى أن يكون هذا؟»، فاستوقفه مرور يسوع من هناك، لذا عمد إلى أن يستوقفه بدوره صارخًا: «يا يسوع ابن داود ارحمني» (لوقا ١٨: ٣٦ و٣٨). لم يصرخ لأنّ المسيح لا يأبه له، بل ليتغلّب على محيطه غير المبالي به والمتضجّر منه والعديم الشفقة، إذ «انتهره المتقدّمون ليسكت!» (لوقا ١٨: ٣٩). ثابر حتّى أفلح في تغيير مسار حياته وموقف المحيطين به!

أن تجاهر بالمسيح وبحاجتك إليه هو لا غيره، أمر مفروغ منه عندما تتأمّل في الأحداث بعد إسدال الستارة عليها، لكنّ الأمر ليس كذلك قبل ذلك. ففي خضمّ المخاض، أنت تشعر أحيانًا أنّك تجاهد على غير هوى، فلا ترى بازغة نور، ويخبو رجاؤك برؤيته يومًا. فهل تصغي إلى الذين يرون الواقع بتذمّر وشكوى وسوداويّة، وليس عندهم رجاء؟ أَتخالفهم وتختلف معهم، أم تماشيهم وتتموضع على غرارهم؟ بالفعل، أن تعرف ما تريد، وأن تريده من كلّ قلبك، يبدو بسيطًا في بدء الأمر؛ ولكن أن تثابر عليه فلا تضيّع الهدف ولا تتوانى في الوصول إليه، فهذا، لعمري، أمر ليس متوافرًا لدى كثيرين اليوم. أعمى أريحا مثال يُحتذى.

فلننتقلْ إلى المقلب الثاني من الواقعة، حيث يبرز حوار من نوع آخر، جديد وبسيط بالكلّيّة، حوار جمع الأعمى ويسوع. به يداوي المسيح الجمع المتدافع حوله والمعميّ عن رؤية الأشياء والأحداث والأشخاص على حقيقتها، أي بنور المسيح، ويكافئ مثابرة الأعمى المتروك لمصيره. «فوقف (يسوع) وأمر بأن يقدَّم إليه» (لوقا ١٨: ٤٠). هكذا يستوقف يسوعُ هذا الجمعَ ويدفعه، من حيث لا يدري، إلى تحسّس واقع الأعمى والمشاركة في مجرى الأحداث اللاحقة، ولو أنّ، عمليًّا، كان الأعمى يحتاج إلى مَن يقوده بيده حتّى المسيح. سياق الأحداث أظهر أنّه هو من قاد الآخرين إلى المسيح، وعلّمهم كيف يدنون من هذا الأخير وكيف يتعلّمون أن يروا بمنظاره! كان الحوار مقتضبًا: «ماذا تريد أن أفعل بك؟... أن أُبصر... أَبصرْ، إيمانك قد شفاك» (لوقا ١٨: ٤١-٤٢). على ضوء هذه الاستعدادات والشكيمة، لقاء المؤمن بالمسيح انفتحت معه أبواب النعمة فعينا الأعمى، ولربّما أبواب الخلاص لمن أراد من المحيطين به حينها، ومنّا نحن اليوم! أَلعلّ الضوضاء حولنا تفعل فعلها فينا اليوم كما كانت الجموع المحيطة بالأعمى حينها، فتمنعنا من طلب المسيح بإلحاح؟ أم التصاقنا بيسوع صوريّ وسطحيّ بحيث لا نستوقفه البتّة ليرانا ويحاورنا ويشفينا؟ أم فقداننا المثابرة وغياب اليقين بالمخلّص حجبا عنّا أنّنا عميان عن إدارك حقيقة الأشياء، فنتدافع على غير هدى في أوقات نحن بأمسّ الحاجة فيها إلى أقصى درجات الرؤية والتمييز والإدراك؟

انتهت القصّة بشفاء الأعمى وتمجيده الله وتسبيح الجمع أيضًا. فهل أُسدلت بذلك الستارة حقًّا؟ يبدو لنا أنّ ثغرة بقيت مفتوحة لنطلّ عبرها على فعل صغير سيكون له مفعول كبير: «أبصر وتبعه» (لوقا ١٨: ٤٣). تلازُم هذَين الفعلَين يضعنا على محكّ أن نرى ما رآه هذا الأعمى، وأن نلتزم بما قام به، فننطلق مثله وليس على منوال الجمع المرافق للمسيح! أَليست في هذا تكمن كلّ قصّة النهوض من جديد؟ أَليس هذا هو سرّ الدافع الذي نودّ لو يحرّكنا، وبه، وبفضل ثباتنا ومثابرتنا، نعين أترابنا في محنهم حتّى يروا هذا الدافع فيهم فيقوموا من العمى الذي يأسر قراءتهم للواقع، أيًّا كان هذا الواقع معقّدًا، وينطلقوا بدورهم، فتكرّ السبحة، وهكذا دواليك، حتّى لا يبقى أحد خارجًا من رؤية خدر المسيح؟

سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

 الرسالة: أفسس ٢: ١٤-٢٢

يا إخوة، إنّ المسيح هو سلامُنا، هو جعل الاثنين واحدًا ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة، وأبطل ناموس الوصايا في فرائضه ليَخلُقَ الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا بإجرائه السلام، ويُصالح كليهما في جسد واحد مع الله في الصليب بقتله العداوة في نفسه، فجاء وبشّركم بالسلام، البعيدِينَ منكم والقريبين، لأنَّ به لنا كِلينا التوصُّلَ إلى الآب في روح واحد. فلستم غرباءَ بعد ونُزلاءَ بل مواطني القدّيسين وأهل بيت الله، وقد بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء، وحجر الزاوية هو يسوع المسيح نفسه، الذي به يُنسّق البنيان كلُّه فينمو هيكلاً مقدّسًا في الربّ، وفيه أنتم أيضًا تُبنَوْن معًا مسكنًا لله في الروح.

 

الإنجيل: لوقا ١٨: ٣٥-٤٣

في ذلك الزمان فيما يسوع بالقرب من أريحا كان أعمى جالسًا على الطريق يستعطي. فلمّا سمع الجمع مجتازًا سأل: ما هذا؟ فأُخبرَ بأنّ يسوع الناصريّ عابرٌ. فصرخ قائلًا: يا يسوع ابن داود ارحمني. فزجره المتقدّمون ليسكت فازداد صراخًا: يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر بأن يُقدّم إليه. فلمّا قرُب سأله: ماذا تريد أن أصنع لك؟ فقال: يا ربّ أن أُبصر. فقال له يسوع: أبصر، إيمانك قد خلّصك. وفي الحال أبصر وتبعه وهو يمجّد الله. وجميع الشعب إذ رأوا سبّحوا الله.

 

فاض قلبي كلمة طيّبة

من بين المزامير «المسّيانيّة» يبرز المزمور ٤٤ ضمن صلاة الساعة الأولى (من الساعات الملوكيّة) في بارامون الميلاد. تركّز الكنيسة عبره على صورة «العرس الملكيّ» في إطار التهيئة لاستقبال المخلّص. بالإضافة إلى  كونه يحمل تعليمًا أخرويًّا، هو يبقى بالمقابل «تسبحة من أجل المحبوب»: «فاض قلبي كلمةً طيّبةً. أقول أنا أعمالي للملك».

«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السمَاوَاتِ» يقول لنا يسوع: «إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ» (متّى ٢٢: ٢). إنّ إتمام هذا «العرس» هو الهدف النهائيّ لمصيرنا، لذا يتشكّل كلّ التاريخ البشريّ من هذه «المغازلة» التي تستعدّ وتترقّب الساعة التي لم يُكشف عنها بعد لهذا العرس النهائيّ. وهكذا، يتمّ الإعلان عن نهاية الأزمنة عبر الإعلان الرسميّ: «هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ!» (متّى ٢٥: ٦).

هذا التفسير، عن كون التاريخ بمجمله هو تحضير لحفل «العرس الملكيّ»، هو نمط تفسيريّ واسع الانتشار وواضح في الكتاب المقدّس، حتّى إنّنا نحن المسيحيّين، كثيرًا ما نعتبره من المسلّمات، لدرجة أنّنا قد نغفله أو نهمل التفكير به قليلاً. في الواقع، يشكّل هذا العالم المادّيّ الحديث خطرًا واضحًا، يتمثّل في أنّنا قد ننسى حقيقة أنّ الحياة الحاليّة ليست سوى استعداد لأخرى، بينما الجهود الكثيرة، لا بل الجهادات فيها تنصبّ لتوفير مستقبل أعظم، بركاته المتنوّعة، هي مجرّد تحضيرات للفرح الأعظم.

بالمقابل، يبدو أنّ العالم المادّيّ الحديث لا يعرف شيئًا عن هذا كلّه، فهو لا يؤمن بوجود مستقبل خارج احتياجاته المتوَقّعة والفوريّة. أبعد من إشباع هذه الاحتياجات، لا يغذّي، المتحدّث باسم هذا العالم المادّيّ البحت، أي رجاء إضافيّ. لذا، يُصدم المؤمن الملتزم، في زمن التهيئة استعدادًا لميلاد المخلّص، بكثرة المظاهر الخارجيّة الغريبة عن معنى عيد التجسّد الإلهيّ.

لذلك، في مواجهة هذا «التناسي» الممنهج عن مستقبلنا، تذكّرنا الكلمة الإلهيّة المقدّسة مرارًا وتكرارًا بأنّ يوم عرس ابن الملك قادم: «لنفرح ونتهلّل ونعطه المجد! لأنّ عرس الخروف قد جاء، وامرأته هيّأت نفسها، …، طوبى للمدعوّين إلى عشاء عرس الخروف!» (رؤيا ١٩: ٧-٩).

تاليًا، يتمّ تحذيرنا نحن أيضًا من الخطر العظيم المحدق بالمدعوّين الذين يرفضون الدعوة إلى العرس، أو الذين يستعفون (متّى ٢٢: ٣-١٠؛ لوقا ١٤: ١٧-٢٤)، وأيضًا بالاستبعاد الذي ينتظر أولئك المستهترين الذين يحاولون الدخول من دون استعداد (متّى ٢٢: ١١-١٤؛ ٢٥: ٧-١٢).

يتنبّأ المزمور ويتوقّع أكثر من ذلك، خلال الوصف المستقبليّ للعرس الملكيّ. تصف أبياته «عروسًا مزينة لرجلها» (رؤيا ٢١: ٢): «ابنة الملك في الداخل، متردّيةً ومزيّنةً بأشرطةٍ ذهبيّةٍ. يأتي في إثرها عذارى إلى الملك، عذارى مقرّباتٌ منها يؤتى بهنّ إليكَ. يؤتى بهنّ بفرحٍ وسرورٍ، مزفوفاتٍ إلى هيكل الملك» (١٣-١٥).

ومع ذلك، لدينا وصف أعظم لابن الملك، العريس، وهو حمل الله الرافع خطايا العالم: «جمالُكَ أبهى من بني البشر، النعمة انسكبت على شفتيك. لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلّد سيفك على فخذك، أيّها القديرُ، بحُسنكَ وجمالكَ. تشدّد وانجح واملك من أجل الحقّ والدعة والبرّ». سوف نجد وصف هذا الابن، الذي يملك في النصر، في آخر كتب العهد الجديد: «ثمّ رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أمينًا وصادقًا، وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة... وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب: «ملك الملوك وربّ الأرباب»» (رؤيا ١٩: ١١-١٢؛ ١٦).

لا نحتاج إلى أن نخمّن هويّة العريس، ولا أن نُشكّك في كرامته الإلهيّة، لأنّ العهد الجديد يقتبس مزمورنا عندما يتحدّث عن «مسحة» الابن من قبل أبيه: «وأمّا عن الابن: «كرسيّك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البرّ وأبغضت الإثم. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك» (عبرانيّين ١: ٨-٩). هذا «الممسوح» (هذا هو معنى اسم المسيح) هو يسوع نفسه، الذي بشّر به الرسل: «يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوّة» (أعمال ١٠: ٣٨).

وبما أنَّ «هيئة هذا العالم تزول» (١كورنثوس ٧: ٣١)، هناك إذًا، قدر معيّن من الانفصال الضروريّ لإعداد أنفسنا لحفل عرس ابن الملك، عبر الاستخدام المحدود لهذا العالم كما لو أنّنا لا نستخدمه، ورفض الخضوع والمساومة، غير المبرّرة، على ولائنا النهائيّ له. لذلك يحذّرنا المزمور من جديد: «إسمعي يا بنتُ، وانظُري، وأميلي أذنك، وانسَي شعبكِ وبيت أبيكِ. فيشتهي الملك حُسنكِ، لأنّه هو ربّك، وله تسجدين» (١٠-١١).

 

راعي الأبرشيّة حول مجالس رعايانا (٣)

المنطلَق الكنسيّ

منطلق عمل مجالس الرعايا هو إيمان أعضائها بيسوع المسيح وتُجسّده في صلاتها وخدمتها وحياة أعضائها. هذا الإيمان هو مبدأ وجودنا كجماعة في المسيح، وإلّا تحوّلنا إلى جماعة «من العالم» إذ نكون قد فقدنا ميزة إيماننا أنّنا «في العالم» ولكنّنا بالحقيقة «لسنا من العالم» (يوحنّا ١٥: ١٩) لأنّنا نأتي من المسيح.

هذا المبدأ يجعلنا نتخشّع أمام مَن يأتي بنا، بنعمته وفعل الروح القدس، إلى الوجود والحياة والخدمة. فإن كنتَ وكيلًا على النعمة المعطاة لك، لا يسعُك التفريط بها، أو استغلالها، أو سوء استخدامها، بحيث تخدم أهدافًا غريبة عن أصالة الإنجيل ومناقبيّة مَن يحمل اسم المسيح ويريد أن يكون تلميذًا نجيبًا لوصيّته في أن نحبّ بعضنا بعضًا كما هو أحبّنا (يوحنّا ١٥: ١٢)، وفي أن نخدم بعضنا بعضًا بصدق ونزاهة ومن دون ترفّع، على حسب قوله لتلاميذه: «مَن أراد أن يصير فيكم عظيمًا يكون لكم خادمًا، ومَن أراد أن يصير فيكم أوّل يكون للجميع عبدًا» (مرقص ١٠: ٤٣-٤٤).

هكذا نجدنا أمام معطى آخر هو انتماؤنا إلى هذا الجسد الواحد الذي أكرمنا المسيح بأن نكون فيه. وحياة هذا الجسد تقتضي عيش الإيمان والحفاظ عليه. هذا الإيمان عبّرتْ عنه كنيستنا بطقوسها وعقائدها التي صاغتها المجامع المسكونيّة السبعة، وتمارسه في عبادتها وفي تنظيمها أوجه الحياة المشتركة في الجماعة. وقد خبرتْ فاعليّة تقليدها وإرثها الذي صاغته نفوس المؤمنين والقدّيسين جيلًا بعد جيل. وهي تسكب فيه اليوم من عرقها ودمها لتسقي بهما تربة الكنيسة عبر جهادها المستمرّ وتضحيتها الصادرة من قلب كلّ واحد من أبنائها وخدّامها. هذا المعطى يحتاج منّا إلى الأمانة والتلمذة والمثابرة.

هذا ينقلنا إلى وجه من وجوه كينونتنا، ألا وهو انتماؤنا إلى الكنيسة الجامعة المقدّسة الرسوليّة، والتي تشكّل كنيستنا الأنطاكيّة إحدى خلاياها التاريخيّة، لا بل المنطلق الذي منه انتشر الإيمان إلى المسكونة كافّة في الأيّام الرسوليّة الأولى. أَليس هذا ما شهد له سكّان مدينة أنطاكية كما دوّن الإنجيليّ لوقا: «ودعي التلاميذ «مسيحيّين» في أنطاكية أوّلًا» (أعمال ١١: ٢٦). هذا يضعنا في عناية رؤساء الكهنة الذين يخدمون في هذه الكنيسة وتحت إشراف مجمعها المقدّس، الذي يعود إليه أن ينظّم حياة الكنيسة بروحيّة اجتماع الكنيسة الأوّل في أورشليم ومقرّراته الـمُرسلة إلى جماعة المؤمنين: «لأنّه قد رأى الروح القدس ونحن أن (...)» (أعمال ١٥: ٢٨).

من هذا المستوى المجمعيّ، ننتقل إلى المستوى الأبرشيّ الذي يشكّل فيه راعي الأبرشيّة صلة الوصل الحيّة بين المجمع المقدّس وأبناء الأبرشيّة. فهو الصوت الحيّ الذي يصل المستويَين واحدهما بالآخر: هو صوت آباء المجمع في اتّفاقهم إلى أبناء الأبرشيّة، كما أنّه صوت أبناء الأبرشيّة إلى المجمع المقدّس في حاجاتهم وصيرورتهم. إنّه مستوى التبادل الحيّ والتفاعل والتعاون والتعاضد الذي يعمل على المستويَين، أي من دون انعزال الأبرشيّة عن الكنيسة الجامعة، ومن دون تغاضي الكنيسة الجامعة عن مكوّناتها الحيّة.

هذا المستوى يكتمل في الأبرشيّة على صعيد الرعايا، من جهة، وعلى صعيد الأديار، من جهة أخرى، فهما شكلا الحياة المشتركة في الكنيسة. هذان الشكلان يعتمدان على نواة العائلات الأرثوذكسيّة التي تكوّن كلّ الرعيّة، كما على نواة الأخويّة الرهبانيّة التي تعيش في الدير. بعودتنا إلى مقاربتنا عمل مجالس الرعايا، يتناول عملها العائلات القائمة ضمن الحدود الجغرافيّة للرعيّة، والتي ينتدب راعي الأبرشيّة الكاهن للقيام بأعباء رعايتها، كما يكلّف أعضاء من الرعيّة، باسم أبنائها كافّة، للخدمة لمدّة محدّدة في مجلس الرعيّة لمعاونة الكاهن في خدمته، بحيث تأتي كلّ الخدمة «بلياقة وبحسب ترتيب» (١كورنثوس ١٤: ٤٠)، ولصالح كلّ أبناء الرعيّة ونموّهم كجماعة في المسيح.

Last Updated on Monday, 25 November 2019 00:53