ocaml1.gif
العدد ٢٠: بشرى القبر الفارغ: الإنسان الخائف والعاجز واستعادته زمام المبادرة Print
Written by Administrator   
Sunday, 16 May 2021 00:00
Share

raiati
الأحد ١٦ أيّار ٢٠٢١ العدد ٢٠

أحد حاملات الطيب   

القدّيسان يوسف الراميّ ونيقوديموس

البارّ ثيوذورس المتقدّس

كلمة الراعي

بشرى القبر الفارغ:
الإنسان الخائف والعاجز
واستعادته زمام المبادرة

بشرى القبر الفارغ: الإنسان الخائف والعاجز واستعادته زمام المبادرة وقت انتظار حرِج مضى على يوسف الراميّ حتّى استلم جسد يسوع ليدفنه في القبر الجديد الذي أعدّه له. يوسف هذا كان منتظرًا ملكوت الله (مرقس ١٥: ٤٣)، وأظهر مروءة في مواجهة بيلاطس في الوقت الأشدّ حرجًا على تلاميذ المسيح، أي حين هربوا بعيدًا وتركوا يسوع وحده يواجه مصيره. لقد دخل جماعة التلاميذ في الساعة الحادية عشرة، وأخذ الدينار الذي وعد به يسوع كلّ مَن يعمل في كرمه (متّى ٢٠: ٩).

وقت انتظار حرِج مضى على بيلاطس حتّى تأكّد من موت يسوع، فتفاجأ «أنّه مات هكذا سريعًا» (مرقس ١٥: ٤٤). بيلاطس هذا كان منتظرًا أن يغسل يدَيه مرّة وإلى الأبد من هذه القضيّة، في الوقت الأشدّ حرجًا قبل لفظه الحكم بصلبه، لكنّ اسمه دخل التاريخ إلى الأبد إذ نتذكّره كلّ مرّة نتلو فيها دستور الإيمان.

وقت انتظار حرِج مضى على قائد المئة وهو يشاهد المصلوب يسلم روحه. قائد المئة هذا كان الشاهد الملك في قضيّة يسوع، الشاهد على الحكم الجائر بحقّ «ابن الله»، هذا «الرجل البارّ» (متّى ٢٧: ٥٤؛ لوقا ٢٣: ٤٧). هذا الوثنيّ شقّ طريقًا للأمم إلى المسيح في الوقت الأشدّ حرجًا على بشارة يسوع وسط أبناء شعبه المختار، الذي اختار أن يصلبه بحجّة أنّه من الأفضل أن يموت واحد عن الأمّة كلّها فداء لها (يوحنّا ١١: ٥٠).

وقت انتظار حرِج مضى على كلّ من مريم المجدليّة ومريم أمّ يوسي وهما تنظران أين دُفن جسد يسوع (مرقس ١٥: ٤٧). ومضى وقت مماثل حتّى غربت أنوار شمس السبت لكي تبتاع النسوة حاملات الطيب حنوطًا، وانتظرنَ انبلاج فجر يوم الأحد حتّى يأتين إلى القبر ليدهنَّ جسد يسوع. استحلنَ أولى الشاهدات للقبر الفارغ وأولى البشيرات بالقيامة.

وقت انتظار حرِج قضاه الملاك في انتظار القادمين إلى القبر صبيحة يوم الأحد، لأنّ الحجر الذي دُحرج عن باب القبر لا يكشف للناظر بالعين المجرّدة سوى قبر فارغ فحسب. هكذا القادمات ليطيّبنَ جسد يسوع سمعنَ من الملاك البشرى بالقيامة وتفسير معنى القبر الفارغ كعلامة لهذه القيامة، وأخذنَ منه الدعوة التي سبق يسوع أن أبلغها للتلاميذ عن لقاء مرتقَب يجمعهم به في الجليل، بعد قيامته (مرقس ١٦: ٧).

وقت انتظار حرِج مضى علينا حتّى نشاهد نهاية مسألة يسوع الناصريّ. فالأمر ليس حدثًا تاريخيًّا فحسب، ولا تأريخًا لواقعة جرت تفاصيلها في تلك الأيّام، بل يتعدّاه ليطرح علينا وجود خبرة شخصيّة لحدث القيامة، على غرار ما جرى مع التلاميذ الأوّلين. فالحديث عن الشهادة ليسوع المسيح ينبع، بالعمق، من اختبار شخصيّ لهذا الحدث في حياتنا. إنّه نوع من قيامة نعيشها وتكون انعكاسًا لتلك القيامة المجيدة، وانتقالًا من الموت إلى الحياة يكون المسيح هو مطلقها فينا وراعيها ومكمِّلها.

من هنا يصلح أن نستعيد تساؤل النسوة الحاملات الطيب حول «مَن يدحرج لنا الحجر عن باب القبر» (مرقس ١٦: ٣)، والمقصود بذلك كلّ حجر يُغلق علينا في شكل من أشكال الموت ويضبطنا فيه. فالحاجة من طرح هذا التساؤل هي أن تدفعنا بشرى الملاك للنسوة إلى أن ننتقل بكلّ واقع يضبطنا الموت فيه، ليصير فرصة لتخترقه أنوار القيامة ويستحيل موضوعًا لقيامة حقيقيّة يشاؤها الربّ لنا على الصعد كافّة.

كم غذّت هذه البشرى، بشرى القبر الفارغ، نفوسًا لتبدّل موقفًا كان تطييبًا لواقع الموت، واستدركت ذاتها لتقارب واقعها من جديد على ضوء طاقة القيامة التي يبثّها فيها الإيمان بيسوع المصلوب والقائم. كم ألهمت هذه البشرى مواقف فرديّة وجماعيّة، وشكّلت محورًا للتغلّب على أشكال الموت والخوف والخطيئة المعشّشة فينا، وفي هيكليّات حياتنا على اختلافها من أجل خير البشريّة وخير الكثير من المجتمعات، وخير أفراد وجماعات عبر نضال مستمرّ لتلهم قيامة المسيح تغييرات جذريّة تكون معالم حضور ملكوت الله بيننا. إلى هؤلاء جميعًا يذهب شكرنا العميق والامتنان راجين أن يلهمنا مثالهم في حمل مشعل هذه البشرى ونضيء بها ثنايا حياتنا العامّة والخاصّة، الكنسيّة والمجتمعيّة، بحيث يستضيء عالمنا، بشكل أو بآخر، بهذه البشرى الإنجيليّة كواقعة تعني البشريّة كلّها في حاضرها الراهن. هلّا تغلّبنا على أشكال الخوف التي تبقينا في عجز ظاهريّ عن التحرّك والمبادرة وملامسة ظلال حياتنا بأنوار قيامة المسيح؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ٦: ١-٧

في تلك الأيّام لمّا تكاثر التلاميذ حدث تذمّر من اليونانيّين على العبرانيّين بأنّ أراملهم كنّ يـُهمَلن في الخدمة اليوميّة، فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا: لا يحسُن أن نترك نحن كلمة الله ونخدم الموائد، فانتخبوا أيّها الإخوة منكم سبعة رجال مشهود لهم بالفضل ممتلئين من الروح القدس والحكمة، فنُقيمهم على هذه الحاجة ونواظب نحن على الصلاة وخدمة الكلمة. فحَسُنَ الكلامُ لدى جميع الجمهور، فاختاروا إستفانُس رجلًا ممتلئًا من الإيمان والروح القدس، وفيليبّس وبروخورُس ونيكانور وتيمُن وبَرمِناس ونيقولاوس دخيلًا أنطاكيًّا. وأقاموهم أمام الرسل فصلّوا ووضعوا عليهم الأيدي. وكانت كلمة الله تنمو وعـدد التلاميذ يتكاثر في أورشليم جدًّا. وكان جمع كثير من الكهنة يُطيعون الإيمان.

 

الإنجيل: مرقس ١٥: ٤٣-٤٧، ١٦: ١-٨

في ذلك الزمان جاء يوسف الذي من الرامة، مشيرٌ تقيّ، وكان هو أيضًا منتظرًا ملكوت الله. فاجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع. فاستغرب بيلاطس أنّه قد مات هكذا سريعًا، واستدعى قائد المئة وسأله: هل له زمان قد مات؟ ولمّا عرف من القائد، وهب الجسد ليوسف، فاشترى كتّانًا وأنزله ولفّه في الكتان ووضعه في قبر كان منحوتًا في صخرة ودحرج حجرًا على باب القبر. وكانت مريمُ المجدليّة ومريمُ أُمّ يوسي تنظران أين وُضع. ولـمّا انقضى السبتُ اشترت مريم المجدليّة ومريم أُمّ يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنّه. وبكّرن جدًّا في أوّل الأسبوع وأتين القبر وقد طلعت الشمس، وكُنَّ يقُلن في ما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عـن باب القبر؟ فتطلّعن فرأين الحجر قد دُحرج لأنّه كان عظيمًا جدًّا. فلمّا دخلن القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين لابسًا حُلّة بيضاء فانذهلن. فقال لهنّ: لا تنذهلن. أتطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ قد قام، ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وفرَرن من القبر وقد أخذتهنّ الرعدة والدهش، ولم يقُلن لأحد شيئًا لأنّهنّ كنّ خائفات.

 

طيب المحبّة الأخويّة: من تضميد جراح الواقع إلى التبشير بخبرة القيامة

في الأحد الثاني بعد الفصح تضع الكنيسة أمامنا عملَ حاملات الطيب، لتقول لنا إنّ المحبّة الأخويّة تضمّد جراحَ آلامِ هذا العالم وتبشّر بقيامة يسوع المسيح. فبعد تسليم يسوع وصلبه هرب التلاميذ وتخلّوا عن المسيح وانغلقوا في مخادعهم خوفًا من اليهود. من جهة أخرى بقيَتْ النساءُ اللواتي تَبعْنَه قرب الصليب في اللحظات الصعبة. وبعد موت يسوع، أتين ليدهنَّ جسده غير خائفاتٍ من أن يعرف اليهود أنّهنّ من أتباعه. هكذا ثَبَتَتِ النساء في محبّتهنّ الأخويّة، مواجهاتٍ واقع الألم، غير منغلقاتٍ في مخادعهنّ، فأوضحن لنا عبر عملهنّ هذا، الطريق الذي يجب أن نسلكه لمواجهة الأزمات التي تعصف بنا من كلّ حدبٍ وصوب.

كيف نواجه هذا الواقع المتأزّم؟

في ظلّ هذا الوضع الصعب وإزاء تراكم الأزمات التي تزيد من آلام هذا العالم المجروح، يسأل الإنسان المسيحيّ نفسه هذا السؤال: كيف أواجه هذا الواقع؟ قد نسمح لهذه الأزمات بالتغلّب علينا فنعيش في خوفٍ دائم حول مستقبلنا، فنجنح تاليًا إلى نكران واقعنا المتألّم فننطوي على ذاتنا ونغلق بابنا، في محاولة لحماية أنفسنا وعائلاتنا، تمامًا كما فعل الرسل. إن سلكنا بهذه الطريقة سيتملّكنا الخوف ويسيطر علينا فلا نهتمّ حينها إلّا في كيفيّة تخليص أنفسنا. فلا نعود نلتفت بعدئذٍ سوى إلى حاجاتنا ومعاناتنا متناسين أوجاع من هم في ألمٍ أعظم من أوجاعنا. هذا المسار، إن سلكنا بحسبه، لن يبدّل شيئًا من هذا الواقع بل سيزيده نزفًا وألمًا.

عمل حاملات الطيب كنموذج

من جهة أخرى يعطينا تذكارُ هؤلاء النسوة، حاملاتُ الطيب، نموذجًا كيف يمكن لنا أن نواجه هذا الواقع. فمحبّة تلك النسوة الجريئة للسيّد دَمَّرَتْ حاجزَ الخوف وأدخَلَتْ نورَ المسيح القائم إلى قلوب رسله المتألّمين. هذه الجرأة في الحبّ تبدّل أيّ واقعٍ أليم وتحيي خبرة القيامة في نفوس من يعاني.

كلّنا حاملو طيب المحبّة الأخويّة

إذًا رغم الظلال التي تخيّم على واقعنا إلّا أنّ رجاءنا بقدرة الله المحيية غير محدود، فكما غيّر الله واقع البشريّة المرير بمحبّته القصوى لنا، هكذا نحن سنضمّد جراح الواقع بطيب محبّتنا الأخويّة تجاه بعضنا البعض، وتجاه من يعاني ويتألّم. قد نعتقد أنّ واقعنا المجروح يستنفد قوّتنا في الحبّ فيعطينا سببًا للانطواء على أنفسنا في مخادع أنانيّتنا، إلّا أنّ النسوة حاملات الطيب يذكّرننا اليوم بأنّ واقعنا هذا لا يستنفد قوّتنا في الحبّ، بل على عكس ذلك، سيثبّت هذه القوّة ويعزّزها ويغذّيها في قلوبنا لتصير بلسمًا شافيًا يداوي آلام المعذَّبين. هكذا إذًا، بتبنّينا ضعفات الآخرين وحاجاتهم، نصيرُ، كما كانت حاملات الطيب، حاملي طيب المحبّة الأخويّة التي تطيّب جراح آلام هذا العالم.

إذًا، أهَّلت المحبّة الأخويّة النسوة ليضمّدن جراح واقعهنّ المجروح وليصبحن مبشّرات بقيامة الربّ يسوع. هكذا، نحن أيضًا، ستؤهّلنا محبّتنا الأخويّة، لنصبح مبشّرين بقيامة الربّ إذ نُدخل نور المسيح القائم إلى قلوب المتألّمين ونضمّد جراح واقعهم المرير.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: الأحد الثاني بعد القيامة

المرشد: بعد أحد الفصح، خمسة آحاد تتعاقب بمعانيها الأخّاذة: «أحد توما الرسول» (يوحنّا ٢٠: ١٩-٣١)، «أحد حاملات الطيب» (مرقس ١٥: ٤٣-١٦: ٨)، «أحد المخلّع» (يوحنّا ٥: ١-١٥)، «أحد السامريّة» (يوحنّا ٤: ٥-٤٢)، و«أحد الأعمى» (يوحنّا ٩: ١-٣٨).

التلميذ: دائمًا يستوقفني إنجيل اليوم، ماذا يعني قول الملاك للنسوة: «اذهبْنَ وقلْنَ لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه كما قال لكم»؟

المرشد: المعنى العامّ أنّ السيّد وعد تلاميذه بأنّه سيلاقيهم، بعد قيامته، في الجليل (مرقس ١٤: ٢٨). ومن هذا المعنى أنّ وعده بقيامته صادق، وقد تحقّق، وأنّ السيّد التقى بتلاميذه، أوّل مرّة، في جليل الأمم. من هناك اختارهم. وساروا معه. وهذا يعني أنّ كرازة المعمَّد برنامجها أن يأتي بالناس جميعًا، حتّى الذين أنكروا السيّد كما بطرس، إلى الموقع الذي جعل التلاميذ الأوّلين يربطون مصيرهم بمصير معلّمهم، أي أن «يتركوا كلّ شيء، ويتبعوه» (لوقا ٥: ١١). هنا، عبارة «كما قال لكم» يجب أن تعني، أيضًا، أنّ مَنْ ندعوهم إلى أن يلتقوا بالسيّد الحيّ والمحيي، سيتكفّل هو بأن يقول لهم كلّ شيء. ماذا يلفتك أيضًا في هذا الإنجيل؟

التلميذ: شجاعة النسوة حاملات الطيب، أي مريم المجدليّة ومريم أمّ يعقوب وسالومة، فإنّهنّ ذهبْنَ إلى القبر مع الطيوب قبل بزوغ الفجر، وأمامهنّ مشكلة من يدحرج لهنَّ الحجر الكبير عن باب القبر، فهذه صورة للمؤمن الذي يتّكل على الله ليعينه ويعزّيه كلّ حين. كانت حاملات الطيب أوّل من حمل خبر القيامة إلى الجميع بعدما بشّرهنَّ الملاك بذلك.

المرشد: اسمح لي بأن أتشارك هدف هذا الأحد معك انطلاقًا ممّا قلْتَه: حاملات الطيب يُمثّلْنَ الشعب المسيحيّ. هدف كلّ ذلك هو تقديس الشعب المسيحيّ كلّه. هذا العمل حتّى يقول كلُ واحدٍ منّا «لست أنا من أحيا، إنّما المسيح يحيا فيّ». هذا ما يعلّمنا إيّاه إنجيل حاملات الطيب، يعطينا درسًا مهمًّا لفَهم حياتنا المسيحيّة، حياتنا في الإنجيل، حياتنا في الكنيسة.

 

الفصح

للمطران جورج خضر

هذه هي قصّة الفصح: خُلِقَ الإنسان في نعيم واحتال الشيطان عليه فعصا، فأخرجه إثمه من جنّة كان فيها أليف ربّه فصار الشقاء حليفه. والشقاء ألم وخطيئة فموت. فأخذ الإنسان يحنّ إلى الفردوس المفقود. ولكنّ أشواقه لم تكن سوى مطلّات على سلام أضاعه. لم تكن هي ملكوت السلام.

لم تكن لدى الإنسان قدرة على اجتياز هذه الهوّة التي أقامها بينه وبين ضالّته. (...) فكانت لله محاولات شتّى لافتقاد الإنسان. أنار عقله فلم يصل العقل إليه ثمّ جاء بالشريعة فلم تهده ولكنّها فضحت ذنبه وكشفت له عجزه. ثمّ كانت النبوءة أبعد أثرًا من الناموس وكادت أن تكون صلة الوصل. ولكنّها، على قوّتها، لم تكن بالنهاية سوى كلمة مرسَلة، أمر يُقاوَم.

ظلّ القلب البشريّ متحيّرًا حتّى لم يترك الله له مجال الحيرة. فقال الله: إذا كان الإنسان لا يفهم بالشرائع والكتب فسأصير له أنا بنفسي كتابًا وسنّة. سأخطب ودّه. سأغريه بالحبّ. إذا نزلتُ إليه إنسانًا مثله. لن أظهر له بالرعد والقسوة. لن أكون هذه المرّة مؤذيًا ولا ديّانًا لئلّا يرهبني ويدّعي أنّني اغتصبت حرّيّته اغتصابًا، وفرضت عليه ألوهتي فرضًا. فأطرح نفسي بين يديه طفلًا يستطيع أيّ ملك أبله أن يخنقه. سأذوق ما ذاق في إنسانيّته، في تجاربها حتّى ثمالة الموت.

(...) سيكلّل الصليب أطهر حياة عيشت على الأرض. قُضيت ببساطة الله وكثافة الله. (...) ولكنّ الصليب ذاته ليس آخر المطاف... «لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات. إنّه ليس ههنا لكنّه قد قام». من هنا انطلق الفصح والمسيحيّة معه. (...) الفصح هو الاعتقاد الكامل بأنّ كلّ شرع وكلّ محاولة حضاريّة وكلّ مسعى بشريّ صائر بالنهاية إلى العدم ما لم يشمل تواضع المسيح ولطفه قلوب البشر.

والفصح يعني أنّ المسيح وهو القيامة والحياة قد طرق لكلّ ذي جسد القيامة من الموت. «قام المسيح وليس من ميت في القبور». مَن أطلّت عليه أنوار السيّد الظافر لن يبقى أسير شقاء ولا مرميًّا في وحشة الألم. فالمسيح في سرّ تواضعه رفيق أوجاعنا كلّها والمسيح في ظفره رجاؤنا الأبديّ.

 

دير سيّدة النوريّة

رقدت على رجاء القيامة والحياة الأبديّة الراهبة الفاضلة حنّة (أبو حيدر) عن ٨٣ عامًا. ترأس راعي الأبرشيّة المطران سلوان خدمة صلاة الجنّاز الفصحيّ، يوم السبت الواقع فيه ٨ أيّار في دير سيّدة النوريّة - حامات، ثمّ وري الجثمان مدفن الراهبات.

في العظة، شرح سيادته نصّ الإنجيل في الخدمة وتأمّل في سيرة الراهبة الراقدة بالربّ وخدمتها في الدير، على ضوء رتبة الفصح وعيد سيّدة الينبوع وجوهر الحياة الرهبانيّة.

Last Updated on Friday, 14 May 2021 14:02