Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2021 العدد ٢٣: الحجاب الموضوع علينا ورافعه عنّا
العدد ٢٣: الحجاب الموضوع علينا ورافعه عنّا Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 06 June 2021 00:00
Share

Raiati




الأحد ٦ حزيران ٢٠٢١ العدد ٢٣ 

أحد الأعمى

القدّيس إيلاريون الجديد رئيس دير الدلماتن

الشهيد غلاسيوس

 

كلمة الراعي

الحجاب الموضوع علينا ورافعه عنّا

الحجاب الموضوع علينا ورافعه عنّا العمى حجاب أوّل حرم الأعمى من الرؤية. دامت هذه المعاناة منذ مولده إلى أن التقاه المسيح. ساعتها بان القصد منها، ألا وهو «أن تظهر أعمال الله فيه» (يوحنّا ٩: ٣). سترتفع الحجب عنه رويدًا رويدًا في حياته، ولربّما في حياتنا، إن استعدنا البصر والفهم والإيمان.

سؤال التلاميذ حول السبب الكامن وراء عماه حجاب ثانٍ أسدله هؤلاء على الأعمى. هذا وفّر الفرصة ليسوع لينطلق إلى أبعد من السؤال فيكشف لنا عن طبيعة عمله في العالم، وعن كونه النور الذي يضيء لنا فيه (يوحنّا ٩: ٤ و٥)، عسانا نتعلّم أن نرى قصده في حياتنا فنمجّده.

الطين حجاب ثالث زاد به يسوع عمى الأعمى عندما طلاه به. هذا دام حتّى ذهب إلى بركة سلوام فاغتسل وأبصر (يوحنّا ٩: ٦). لم يحجب عنّا هذا الأمر كيف كان الأعمى طيّعًا بين يدَي شافيه، وذا ثقة وطاعة وهمّة تفصح عن مكنوناته الداخليّة الفريدة، وتفضح قصورنا وعجزنا في حالات أقلّ صعوبة منه.

تساؤل الجيران والمعارف حجاب رابع وضعه هؤلاء على شخص الأعمى منذ شفائه، حتّى شكّ البعض في هويّته (يوحنّا ٩: ٩). فكانت السانحة ليقدّم الأعمى شهادة شخصيّة عمّا حصل ويستعيد مجرى الأحداث فينطلق إلى ما هو كامن خلفها وفي حقيقتها.

تواري يسوع في الهيكل حجاب خامس وضعه يسوع في علاقته مع الأعمى. دامت هذه المعاناة طيلة فترة تحقيق الفرّيسيّين مع الأعمى وحتّى صدور الحكم بحقّه. ساعدنا الأعمى على أن نتعلّم منه أن نقرأ معنى الأحداث في سياق عمل الله فأكّد أنّ الشافي «نبيّ» (يوحنّا ٩: ١٧).

صمتُ والدَي الأعمى حجاب سادس أضافاه إلى معاناة ابنهما. آثرا حجب الحقيقة عن سائليها خوفًا من العقاب الذي كان يفترضه البوح بها (يوحنّا ٩: ٢٢). بالفعل، ظهر لنا ابنهما «كامل السنّ» كما قالا (يوحنّا ٩: ٢٣)، ليس فقط بحسب الجسد، بل وبحسب روح الله.

العزلة الشاملة حجاب سابع فرضه على الأعمى واقع وجوده وحيدًا في مواجهة محيطه من جرّاء استعادته الرؤية يوم سبت (يوحنّا ٩: ١٦). هذا الأمر الواقع أظهر لنا قوّةَ شكيمة الأعمى الذي لم يرضخ لغير الحقّ، وتفاعلَه السويّ مع التحدّيات التي تزداد صعوبة أمامه وتُحكم عليه القبضة لتحرمه رؤية الحقيقة.

الاحتكام إلى حقيقة الله حجاب ثامن استخدمه الفرّيسيّون في استنطاقهم الأعمى. ساعتها خلع الأعمى الحجاب عن منطق هؤلاء ومنطلقاتهم بأن أعطانا المفتاح لفهم الحقيقة: «نعلم أنّ الله لا يسمع للخطأة. ولكن إن كان أحد يتّقي الله ويفعل مشيئته، فلهذا يسمع»، وإعلانها جهارًا: «لو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا» (يوحنّا ٩: ٣١ و٣٣). حاولوا أن يُخرجوا الله من المعادلة، فأعادهم الأعمى إلى حقيقة الصلة الحيّة القائمة بين الله والإنسان.

الطرد من المجمع حجاب تاسع وضعه الفرّيسيّون على هذه القضيّة بإصدارهم الحكم النهائيّ بحقّ الأعمى (يوحنّا ٩: ٣٤). خروج الأعمى إلى خارج لم يضعه في مهبّ الريح، ولا سبّب له انتكاسة روحيّة. فعوضًا من الفراغ الذي قادوه إليه، وجد هو الملء في المعنى الذي أعطاه يسوع منذ البدء حول قصد الله منه. بقي هو في المعنى، أمّا هؤلاء فصاروا خارجه!

ساعتها رفع يسوع الحجاب عن معرفته، فدنا من الأعمى مرّة أخرى وعرّفه بنفسه. غرابة يسوع في طريقة شفاء الأعمى بطليه بالطين ثمَّ تواريه عنه، عوضًا من أن تُبعد الأعمى عنه، قرّبته منه، وزادته تحفّزًا روحيًّا واستقامة إيمانيّة ووعيًا صادقًا. هكذا نزع عنّا الأعمى الحُجُبَ التي تسدل علينا رؤية حقيقة عمل الله في واقعنا، فيفضح تارّةً رغبتنا في السير في ظلام عدم فهم إرادة الله في هذا الواقع، وتارّةً أخرى غياب إعطائنا المجد لله من قلوبنا لأجلها، أو استسلامنا، الواعي وغير الواعي، للحُجُب التي توضع في طريق إيماننا بالمسيح واعترافنا الحيّ بعمله وسجودنا القلبيّ له، على غرار ما فعل الأعمى (يوحنّا ٩: ٣٨). هلّا أعطينا مجدًا لله، مثل الأعمى، وعملنا أعمال الله ما دام نهار، مثل يسوع؟ هلّا شهدنا إذًا بأنّ يسوع هو نور العالم ونورنا بآن كلّ يوم؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ١٦: ١٦-٣٤

في تلك الأيّام، فيما نحن الرسل منطلقون إلى الصلاة، استقبلتْنا جاريةٌ بها روح عرافة، وكانت تُكسِب مواليها كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يُبشّرونكم بطريق الخلاص. وصنعتْ ذلك أيّامًا كثيرة، فتضجّر بولس والتفت إلى الروح وقال: إنّي آمرُكَ باسم يسوع المسيح بأن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاء مكسبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما إلى السوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الولاة قائلين: إنّ هذين الرجُلين يُبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويُناديان بعادات لا يجوز لنا قبولها ولا العمل بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمع معًا ومزّق الولاةُ ثيابهما وأمروا بأن يُضربا بالعصيّ. ولمّا أَثخنوهما بالجراح أَلقوهما في السجن وأَوصَوا السجّان بأن يحرسهما بضبط. وهو إذ أُوصي بمثل تلك الوصيّة ألقاهما في السجن الداخليّ وضبط أرجلهما في المقطرة. وعند نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدثت بغتة زلزلة عظيمة حتّى تزعزعت أُسس السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلّها وانفكَّت قيود الجميع. فلمّا استيقظ السجّان ورأى أبواب السجن أنّها مفتوحة استلّ السيف وهمَّ بأن يقتل نفسه لظنّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلًا: لا تعمل بنفسك سوءًا فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحًا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثمّ خرج بهما وقال: يا سيّديّ، ماذا ينبغي لي أن أَصنع لكي أَخْلُص؟ فقالا: آمنْ بالربّ يسوع المسيح فتخلُص أنت وأهل بيتك. وكلّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الربّ. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثمّ أَصعدهما إلى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

 

الإنجيل: يوحنّا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، من أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الذي أَرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينًا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرًا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنّه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يوم سبتٍ. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفرّيسيّين: هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ على أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأَبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أَبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا ولدنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدًا لله، فإنّا نَعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنّما أَعلم شيئًا واحدًا أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجًا. وسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيّد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا ربّ، وسجد له.

 

حَدَقتا الذِهن

يقدّم لنا الشاعر والأديب اللبنانيّ إيليّا أبو ماضي، في رائعتِه الأدبيّة، «أيّهذا الشاكي»، فلسفةً عميقة في رؤية الحياة وما فيها، تنطلق من داخل الإنسان، لتخرج بعدها وتلامس عالمه الخارجيّ ومحيطه.

هي فلسفة، نرى فيها عالمنا الكبير في الخارج، على ضوء عالمنا الصغير في الداخل؛ فلا يفرض الخارج صورته على الداخل، بل ما يُختبَر ويُعاش في العالم الداخليّ للإنسان، ينعكس على رؤيته للأمور الخارجيّة، وموقفه منها، وتعاطيه معها، لكوننا لا نرى العالم كما هو، بل كما نحن. لذا، نسمع الشاعر يقول: «الذي نفسه بغير جمالٍ، لا يرى في الوجود شيئًا جميلا». وفي موضع آخر يقول: «كنْ جميلًا، ترَ الوجود جميلا».

إن أردنا أن نعمّد هذه الرؤية وهذه النظرة الى الحياة، نقول، إنّ المسيحيّ إنسان يرى كلّ أحدٍ وكلّ شيءٍ بحدقتين، خُتمتا يوم اعتمد ومُسِحَ بروح الله الساكن في مسحة الميرون المقدّس، فاستحالتا حدقتَين عقليَّتَين، لا جسديّتَين. أي أنّه يرى كلّ شيءٍ بنور يسوع الساكن فيه، «وبنورك نعاين النور».

ينطلق المسيحيّ، من المسيح، وبالمسيح، نحو العالم؛ ليجلب العالم، الى المسيح، بالمسيح، «نور العالم» (يوحنّا ٨: ١٢).

تصحيح رؤيتنا وقراءتنا للأمور والأحداث في العالم حولنا، هو بالدرجة الأولى إصلاح لرؤيتنا ليسوع وعلاقتنا به؛ أي تجديد للبصيرة لا البصر.

يُحكى أنّ القدّيس أنطونيوس الكبير زار مرّة ديديموس الضرير. وبينما كانا يتحادثان، سأله القدّيس أنطونيوس ثلاثًا: «ألعلّك حزين لأنّك لا تبصر؟»؛ فأجابه ذاك أخيرًا بأنّ هذا يحزنه جدًّا. فقال القدّيس أنطونيوس له: «إنّي أتعجّب من حزنك على فَقْدِكَ ما تشترك فيه مع أبسط الحيوانات... ولا تفرح متعزّيًا بأنّ الله وهبَك بصيرةً أخرى، لا يهبها إلّا لمحبّيه! أعطاك عينَين، كأعين الملائكة، تبصر بهما الروحيّات، بل وبهما تدرك الله نفسه، ويسطع نوره أمامك، فيُزيل كلّ ظلامٍ من قلبك».

الرؤية إذًا، استنارة للقلوب؛ توبة.

الرؤية اختبار لمسة يسوع؛ كالمرأة النازفة الدم (لوقا ٨: ٤٣-٤٨)، التي، في الشكل، لمستْ يسوع؛ ولكن، في العمق، هو الذي لمسها.

الرؤية سماع لصوته العذب؛ كأعمى بركة سلوام (يوحنّا ٩)، ومخلّع بركة بيت حسدا (يوحنّا ٥: ١-١٦)؛ اللذين، في الشكل، كانت المياه مصدر شفائهما، ولكن، في العمق، كلمات يسوع كانت الشفاء؛ «يا ربّ، إنّ المخلّع لم تشفه البركة، لكنّ كلمتك جدّدتْه» (من صلاة سحر أحد المخلّع).

هي مكوث دائم في حضرته؛ مثل التلميذين الأوّلَين، اللذين، في الشكل، مكثا حيث كان يسوع (يوحنّا ١: ٣٩)، ولكن في العمق، هو الذي مكث فيهما.

نستجيب لدعوة يسوع لنا، كما استجاب التلميذان الأوّلان، «تعاليا وانظرا» (يوحنّا ١: ٣٩)؛ نتذوّق حلاوته، «ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ» (مزمور ٣٤: ٨)؛ ندعو آخرين إلى هذه الخبرة، كما دعا فيليبسُ نثنائيلَ، «تعال وانظرْ» (يوحنّا ١: ٤٦)؛ وندعو يسوعَ كلّما تهدّدت هذه الخبرة من قساوة الحياة وتجاربها، كما دعا اليهودُ يسوعَ عند قبر لعازر، «يا ربّ، تعالَ وانظرْ» (يوحنّا ١١: ٣٤).

الرؤيا تقودُنا إلى الرؤية. نقتني عيون يسوع، ننظر كما ينظر، نفكّر كما يفكّر، «فليكن فيكم الفكر الذي في المسيح يسوع» (فيليبّي ٢: ٥). بذلك، لا تصطلح نظرتنا الى العالم وحسب، بل يصطلح العالم كلّه أيضًا.

 

خميس الصعود

للمطران جورج خضر

إن أردت أن اقتبس آية فصحيّة من الكتاب المقدّس عن هذا العيد تكون هذه: «لم يصعد أحد إلى السماء إلّا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء».

أوّلًا: السماء الزرقاء التي نشاهدها ليست هي السماء التي تكلّم عليها الإنجيل. والله ليس فوق. إذا أخذتم صاروخًا وتوغّلتم مليار كيلومتر في الجوّ لن تجدوا شيئًا، وكلمة «سما» في العربيّة تعني «يسمو» الذي هو فوق. كلمة تعبير فقط. سما كلمة تعني فقط أنّ الله عالٍ، أعلى من الإنسان. والإنسان يتوق إلى الله.

ابن الله كان موجودًا قبل أن يولد من مريم. هو خرج من الآب منذ الأزل، قبل الأزمنة. لم يكن من زمن قبلنا إلّا والمسيح كان موجودًا فيه بدون جسد. مريم أعطته الجسد. لم تعطه كيانه الإلهيّ. عنده هذا الكيان الإلهيّ لأنّه صادر -باللغة اللاهوتيّة، مولودًا من الآب- مشّعًا من الآب. ثمّ جاء إلى العالم، وتجسّد، أي أخذ وضعنا البشريّ (...)

هذا معنى الصعود. انضمام بشريّة المسيح إلى الألوهة عندما كان على الأرض، هذان العنصران: الإلهيّ والبشريّ كانا منضمّين الواحد إلى الآخر والصعود أبرز هذا الانضمام. هو كشف لنا عودة البشريّة كلّها التي أنشأها المسيح بمجيئه، بموته وقيامته وأنقذها وخلّصها. عودة هذه البشريّة كلّها إلى الله الآب.

ولذلك عندما نقول: «جلس عن يمين الآب»، ما معنى إذًا هذا الكلام؟ إنّه جالس عن يمين الآب؟ هذا يعني أنّ جسد يسوع، بشريّة يسوع صارت لأنّها اكتملت بطاعته، لأنّ بشريّة يسوع اكتملت صارت مساوية للألوهة.

هذا كلام صعب قبوله وأصعب فهمه. ولكن الإنسان ليس دون الله إذا كان في المسيح، الإنسان لكونه يخطئ هو دون الله. الإنسان إذا تحرّر من الخطيئة مثل الله ليس أدنى منه. هذا شيء خاصّ في العقيدة المسيحيّة. نحن مثل الله لأنّ حياة الله أعطانا إيّاها بيسوع المسيح ولأنّنا مدعوّون إلى أن نتألّه، هذه الكلمة الموجودة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. مدعوّون إلى أن نتألّه أي أن نشترك في القوة الإلهيّة الأزليّة الظاهرة من الله.

يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس شيئًا صعب الاستيعاب: «المسيحيّ ليس عنده فقط نهاية ولكن عنده بداءة» بكلام آخر، عندما ضمّه الله إليه بيسوع المسيح جعله كأنّه منذ الأزل موجود، بسبب هذه النعمة الإلهيّة التي نتغذّى منها في كلّ حين (...).

التوبة هي صعود كلّ إنسان مسيحيّ إلى الله الآب. معنى هذا عودته إلى هذه المجالسة على العرش (...). بالفيزياء قامات، وأجساد من لحم ودم. هذه رؤية الفيزياء. أمّا الذي عنده عينا المسيح، ورأى كلّ واحد منكم على التوبة، يقول: «ما عاد هذا من تراب هذا من نور».

Last Updated on Friday, 04 June 2021 10:41
 
Banner