ocaml1.gif
العدد ٣٦: حكمة الغفران والمصالحة في خدمة المديونين Print
Written by Administrator   
Sunday, 05 September 2021 00:00
Share

Raiati
الأحد ٥ أيلول ٢٠٢١ العدد ٣٦  

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة

القدّيس زخريّا النبيّ والد السابق

 

كلمة الراعي

حكمة الغفران والمصالحة
في خدمة المديونين

حكمة الغفران والمصالحة في خدمة المديونينيرسم مثل محاسبة المديونَين معالم طريقنا الصاعد إلى الله أو بالحريّ النازل منه إلينا، والطريق الذي يصلنا الواحد بالآخر وبحياة الجماعة بأشكالها المختلفة، سواء البيتيّة أو الرعويّة أو الديريّة أو الكنسيّة. رسمت خبرة العبد الشرّير سلسلة من الملاحظات التي تعيننا؟ في تحمّل أعباء حياة الشركة، وكيفيّة نموّها وسبل الحفاظ عليها. فما هي الحكمة التي غابت عن أفق العبد الشرّير والتي يجدر بنا أن نتعلّمها ونقتنيها ونشهد لها؟

أوّلًا، غاب شكر الله على إحساناته من أعماق قلبه. متى تأصّل هذا الشكر فينا، يصير منطلقًا لحياتنا الجديدة. لم يدرك العبدُ الشرّير عظمَ غفران الملك على خلفيّة إعفائه إيّاه من دين كبير جدًّا. لم تلامس نعمةُ الحياة الجديدة هذه كيانَ العبد، لربّما لأنّ عينه شرّيرة، أو روحه جشعة، أو قلبه قاسٍ. عمومًا لم يفعم قلبه بمحبّة الملك، - والمقصود هنا هو الله-، بل كان ممتلئًا بدَين زهيد لأحد أترابه عليه! لقد غاب الشكر عن قلبه!

ثانيًا، غاب اعتبار أنّ الغفران الممنوح له من الله أُعطي على سبيل النعمة ولا يشكّل حقًّا مكتسبًا. اكتفى العبد الشرّير بنجاحه في استمالة عطف الملك وبشطب الدَين، بيد أنّ الملك أعطاه أمرًا أعظم، وهي فرصة الانتقال من بليّة حالته القديمة إلى نعمة حالته جديدة عبر العمل على استثمار هذه النعمة للتحرّر من العلّة التي قادته إلى تكوين هذا الدَين، أي من الشهوات والشرّ المعشّش فيه. فما ظنّه حقًّا كان فضلًا من جهة، ونعمة مجّانيّة بغية استثمارها، من جهة أخرى. غابت هذه الحكمة عن وجدانه!

ثالثًا، غاب الإحساس بخطيئته. بدا العبد الشرّير منغمسًا في المادّيّات وتحصيل حقوقه. نسي حقيقة وضعه، فهو ما زال عبدًا لدى الملك الغفور، وحياته الجديدة هي هبة. فلو كانت خطيئة هذا العبد أمامه في كلّ حين، لكان ساعده هذا التدريب الروحيّ على ضبط ذهنه وشهوة قلبه عن طلب ما هو ثانويّ، ولكان الاتّضاع الذي هزّه إبّان محاسبة الملك له قد تأصّل أكثر في أعماقه، ولكان دخل في سياق روح الغفران الممنوح له. هكذا غابت عنه حقيقته أمام الله!

رابعًا، غابت محاسبة الذات ولومها. حاسب الملك عبده الشرّير، وهذا الأخير حاسب أحد رفاقه في العبوديّة. ما غاب هنا هو أن يحاسب العبد الشرّير ذاته على ماضيه، أي ما أدّى به إلى تكوين دَين عظيم، وعلى حاضره، أي أنّه قائم اليوم بفضل القادر على أن يجعله قائمًا، وليس بفعل قدرته الذاتيّة. فلوم الذات ومحاسبتها يهذّبان مَن يرغب في أن يعيش على إيقاع عطيّة الله الممنوحة لها. فمحاسبة الملك كانت المدخل ليتعلّم العبد أن يحاسب نفسه. هكذا غابت عنه حقيقة نفسه!

خامسًا، غاب الانفتاح على واقع الحال الجديد. بغياب الشكر، والإحساس بالفضل، والإحساس بالخطيئة، ومحاسبة الذات ولومها، نصل إلى حالة انغلاق العبد الشرّير على معطيات واقعه القديم، من دون أن ينفتح على الواقع الجديد الذي ظهر في حياته، وأن يلاقي هذه العطيّة بخطوات تعكس قبولها لها. آثر أن ينزوي على ما كان عليه، فلا هو انفتح على الملك ولا على رفاقه، ولا اجتهد في أن ينطلق إلى الأمام. صحّ فيه القول: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله» (لوقا ٩: ٦٢). غابت عنه حقيقة الجماعة بالروح التي زرعها الملك فيها!

سادسًا، غاب الفرح الشخصيّ وفرح الجماعة بالواقع الجديد. طمر العبد الشرّير النعمة مذ تلقّاها، فحرم منها نفسه ولم يفرح بها، ولا شارك أحدًا فيها، فحرم أترابه منها بمحاولته محاسبة أحدهم بطريقة عنيفة جدًّا. هكذا وضع نفسه تحت طائلة العقوبات: «فإنّ مَن له سيُعطى ويُزاد وأمّا مَن ليس له فالذي عنده سيؤخَذ منه» (متّى ١٣: ١٢)، وفَقَد «النصيب الصالح الذي لن يُنزَع منه» (لوقا ١٠: ٤٢).

وأخيرًا، غاب تقديم العبادة الحقيقيّة عن حياة العبد الشرّير. بالحقيقة هو سجد أمام الملك، لكنّ حركة السجود-العبادة كان يلزم أن ترافقها الخطوات الآنفة الذكر ليدخل في حركة تسبيح الله وشكره وتمجيده والتي تميّز القائمين في ملكوت الله. غياب الغفران في قلبه وأن يمارسه مع أترابه أقصاه عن هذه الجماعة، فأقصى تاليًا نفسه عن هذا الملكوت. فالعبادة هي تتويج لهذه الخبرة، خبرة الغفران والمصالحة. استهتر العبد بالزرع الإلهيّ المعطى له، فحصد ما زرعه استهتاره وانغلاقه والشرّ المستحوذ عليه!

ساعدنا سلوك هذا العبد المدين الشرّير على اكتشاف عناصر الحكمة، التي يجدر بها أن تزيّن معشرنا وعلاقاتنا وتربيتنا وحياة الجماعة والعبادة التي نقدّمها لله. إنّها الحكمة التي دلّ عليها الربّ والكامنة في انتهاره لهذا العبد: «أفما كان ينبغي أنّك أنت أيضًا ترحم العبد رفيقك كما رحمتُك أنا؟» (متّى ١٨: ٣٣). هلّا طلبنا إلى الربّ أن يهدينا سبيلها؟

+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ٩: ٢-١٢

يا إخوةُ إنَّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الربّ، وهذا هو احتجاجي عند الذين يفحصونني. ألعلَّنا لا سلطانَ لنا أن نأكل ونشرب، ألعلَّنا لا سلطانَ لنا أن نجول بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسل وإخوة الربّ وصفا، أم أنا وبرنابا وحدَنا لا سلطانَ لنا أن لا نشتغل؟ مَن يتجنَّدُ قطُّ والنفقة على نفسه؟ مَن يغرس كرمًا ولا يأكل من ثمره؟ أو من يرعى قطيعًا ولا يأكُل من لبن القطيع؟ ألعلّي أتكلّم بهذا بحسب البشريّة أم ليس الناموس أيضًا يقول هذا؟ فإنّه قد كُتب في ناموس موسى: لا تَكُمَّ ثورًا دارسًا. ألعلَّ اللّه تُهِمُّهُ الثيران، أم قال ذلك من أجلنا لا محالة؟ بل إنّما كُتِبَ من أجلنا. لأنّه ينبغي للحارث أن يحرُثَ على الرجاء، وللدارس على الرجاء أن يكون شريكًا في الرجاء. إن كُنّا نحن قد زرعنا لكم الروحيّات أفيَكون عظيمًا أن نحصُد منكم الجسديّات؟ إن كان آخرون يشتركون في السلطان عليكم، أفلسنا نحن أولى؟ لكنَّا لم نستعمل هذا السلطان بل نحتمل كلّ شيء لئلّا نسبّب تعويقًا ما لبشارةِ المسيح.

 

الإنجيل: متّى ١٨: ٢٣-٣٥

قال الربُّ هذا المثل: يُشبه ملكوت السماوات إنسانًا مَلكًا أراد أن يحاسِبَ عبيدَه. فلمّا بدأ بالمحاسبة أُحضر إليه واحد عليه عشرة آلاف وزنةٍ، وإذ لم يكن له ما يوفي، أمر سيّدُهُ بأن يُباعَ هو وامرأتُه وأولادُه وكلُّ ما له ويُوفَى عنه. فخرَّ ذلك العبد ساجدًا له قائلًا: تمهّل عليّ فأُوفيك كلَّ ما لك. فَرَقَّ سيّدُ ذلك العبدِ وأطلقه وترك له الدَّين. وبعدما خرج ذلك العبد وجد عبدًا من رُفَقائه مديونًا له بمئةِ دينارٍ، فأمسكه وأخذ يَخنُقهُ قائلًا: أوفني ما لي عليك. فخرَّ ذلك العبد على قدميه وطلب إليه قائلًا: تمهّل عليّ فأُوفيك كلّ ما لك، فأبى ومضى وطرحه في السجن حتّى يوفي الدَّين. فلمّا رأى رُفَقاؤُه ما كان، حَزِنوا جدًّا وجاؤوا فأعلموا سيّدهم بكلّ ما كان. حينئذٍ دعاه سيّده وقال: أيّها العبد الشرّير كلّ ما كان عليك تركتُه لك لأنّك طلبت إليَّ. أفما كان ينبغي لك أن ترحم أنت أيضًا رفيقك كما رحمتك أنا؟ وغضب سيّدُه ودفعه إلى المعذِّبين حتّى يوفي جميع ما له عليه. فهكذا أبي السماويُّ يصنع بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كلُّ واحدٍ لأخيه زلاَّتِهِ.

 

الكاهن النبيّ زكريّا وطلبته

تحتفل الكنيسة اليوم بتذكار الكاهن النبيّ زكريّا والد القدّيس يوحنّا المعمدان. يتألّف الاسم زكريّا من دمج عبارتين: الفعل «ذكر» ومصغّر الاسم الإلهيّ «يهوه» ومعناه باللغة العبريّة «الربّ تذكّر». ينحدر زكريّا من قبيلة هارون، شقيق موسى كاتب التوراة، وهي القبيلة التي خصّها الله، في العهد القديم، بخدمة الكهنوت والهيكل، دون سواها من القبائل العبريّة الإحدى عشرة الأخرى. تكاثر عدد الكهنة، على مدى مئات السنين، فقام الملك داود بتقسيمهم إلى أربع وعشرين فرقة (راجع أخبار الأيّام الأوّل ٢٤)، يتعاقبون على الخدمة في الهيكل بمعدّل أسبوع للفرقة الواحدة كلّ ستّة أشهر. كان زكريّا، بحسب رواية الإنجيليّ لوقا، كاهنًا من فرقة أبيا، الفرقة الثامنة بحسب الترتيب الذي وضعه الملك داود. تميّز ببرّه وسلوكه بأمانة بوصايا الربّ وأحكامه. شاخ وتقدّم في الأيّام ولم ينجب بنين لأنّ زوجته إليصابات كانت عاقرًا (راجع لوقا ١: ٥-٧).

وقعت عليه القرعة ليدخل هيكل الربّ ويبخّر. أي دخل القسم من الهيكل الذي يُدعى القدس، حيث مذبح البخور. فَرَضَ طقس العبادة أن يدخل كاهنٌ إلى القدس يوميًّا، صباحًا ومساءً، فيقوم بملء السُرج بالزيت وإضائتها، وإيقاد البخور على المذبح، ترافقًا مع الصلوات المرفوعة خارجًا. فيما كان زكريّا منهمكًا بتتميم الطقس، ظهر له ملاك الربّ جبرائيل وبشّره، بأنّ الله سمع طلبته، وأبلغه رسالة إلهيّة تتألّف من مقطعين مترابطين: مقطع أوّل يعنيه شخصيًّا مع زوجته إليصابات، محوره ولادة يوحنّا، نذير الربّ والنبيّ من الرحم، والفرح الذي سيغمرهما، ومقطع ثانٍ يتمثّل بشموليّة الفرح لأنّ المولود سيتقدّم أمام الربّ بروح إيليّا وقوّته، ويردّ كثيرين إلى الإيمان ويهيّئ بالتوبة شعبًا مستعدًّا لمجيء المسيح المخلّص الذي ينتظره جميع المؤمنين. (لوقا ١: ٨-١٤).

وصف الملاك هذا مستخلص من نبوءة النبيّ ملاخي (أو ملاكي باللفظ العبريّ) وهي النبوءة الختاميّة في مجلّد نبوءات العهد القديم وفحواها يتناول واقعة مجيء الربّ. (راجع ملاخي ٣: ١ و٤: ٥-٦ ولوقا ١: ١٥-١٧).

تحت وطأة الهلع الممتزج بالفرح زلّ لسان زكريّا، وسبق فمه تفكيره ورجاحة إدراكه وعمق معرفته، وتفوّه بالسؤال الذي أوحى بأنّه مشكّكٌ في مصداقيّة بشارة الملاك جبرائيل: «كيف أعلم هذا وأنا شيخ وامرأتي متقدّمة في أيّامها؟» (لوقا ١: ١٨). غريبٌ فعلًا سؤال زكريّا هذا، فهو العليم بالشريعة الإلهيّة والأسفار المقدّسة ويعرف بالعمق قصّة إبراهيم وسارة وحادثة ولادة إسحق. ألم يعد الله إبراهيم بأنّه سيمنحة مولودًا في شيخوخته؟ ألم يفِ بوعده فأنجبت ساره بعمر التسعين وإبراهيم ناهز المئة؟ (تكوين ٢١: ١-٨). ليس سارة فقط، بل رفقة زوجة إسحق أُحجمت عن الانجاب إلى أن تدخّل الربّ (تكوين ٢٥: ٢١) وراحيل زوجة يعقوب (تكوين ٣٠: ٢٢-٢٤) وحنّة والدة النبيّ صموئيل (١صموئيل ١: ٥، ٩-١١، ١٩-٢٠). إن كانت طلبة زكريّا محصورة برغبته في نسل فلماذا يجادل الملاك ويحاججه عندما يعلم أنّ الله سيمنحه مطلبه؟ أم أنّ طلبة زكريّا أشمل ممّا هو ظاهر؟

كان لا بدّ من أن يصمت زكريّا لأنّ معجزة الولادة من العقر هي عملٌ يوازي الخلق، وينفرد الله حصرًا باجتراحه، ولا مساهمة له أو لأيّ مخلوق به البتّة. هذا أمر يستدعي الصمت والتأمّل وقد واكبته إليصابات بهذا النسق، لأنّها عندما علمت بأنّها حبلى، عوضًا من أن تفتخر وتجاهر بزوال عار العقر، أخفت نفسها مدّة حبلها وعند الولادة التي تمّت في الأوان الذي حدّده الملاك، «سمع جيرانها وأقرباؤها أنّ الربّ عظّم رحمته لها ففرحوا معها» (لوقا ١: ٥٧-٥٨). رفضت إليصابات أن يُسمّى المولود باسم أبيه وأصرّت على أن يُدعى يوحنّا كما أعلن الملاك، فمعنى الاسم «الربّ تحنّن» ويمثّل تعبيرًا دقيقًا عن دافع ما اجترحه الله. ثنّى زكريّا على رغبة إليصابات وكتب الاسم على اللوح وللحال انحلّت عقدة لسانه وتكلّم وبارك الله (لوقا ١: ٥٩-٦٦).

امتلأ زكريّا من الروح القدس فتنبّأ، وأدلى بإعلان يتألّف من مقطعين، مواز لما سمعه من الملاك جبرائيل في القدس ومطابق لمضمونه. لكنّ زكريّا بدّل الترتيب وتناول ما انتهى إليه الملاك أوّلًا، وتحدّث بإسهاب عن افتقاد الله لشعبه وفدائه، وعن قرب ولادة المخلّص في بيت داود، أي حبل مريم بيسوع الذي في حينه كان طيّ الكتمان، وكلّ ذلك نتيجة رحمة الله وتذكّره لعهده المقدّس لإبراهيم وللآباء (لوقا ١: ٦٧-٧٥). ثمّ تناول الموضوع الذي استهل فيه جبرائيل بشارته والذي يتعلّق بولادة يوحنّا وأوضح أنّ هذه الولادة تندرج في سياق تحقيق الهدف الرئيس وهو مجيء الربّ وتحقيق الخلاص الذي هو المدعاة للفرح الشامل (لوقا ١: ٦٧-٧٩).

إنّ نبوءة زكريّا بالترتيب الذي أورده، حيث جعل الأولويّة والاسبقيّة لموضوع مجيء الربّ والخلاص، تلقي الضوء على فحوى طلبته. البديهيّ أن يعبّر زكريّا عن فرحته بولادة ابنه أوّلًا، لكنّه بالعكس عبّر أوّلًا عن فرحته بالمخلّص. لا شكّ في أنّ زكريّا كان يتمنّى أن يُرزق بنسلٍ، وكان ملحاحًا بطلبه هذا من الله، لكنّه من الواضح أنّ الأمر الأهمّ بنظره كان الخلاص وتحقيق مشيئة الله. فلا شكّ في أنّه كان ملحاحًا بهذا الطلب أيضًا، ومع تقدّمه في الأيّام، تزايد إلحاحه لهذه الجهة على حساب مطلبه الشخصيّ بالحصول على نسلٍ، لذلك تفاجأ بمقدّمة بشارة الملاك وتعثّر لسانه.

لا تُحسب على زكريّا هذه الهفوة العابرة، بل تُحسب له أمانته وشوقه إلى تحقيق مشيئة الله وإتمام تدبيره الخلاصيّ، ويُحسب له انخراطه في الكهنوت وخدمة الهيكل طاعة لترتيب الله الذي منح أبناء قبيلته هذه الكرامة. كان زكريّا، على غرار سمعان الشيخ وحنّة النبيّة، بارًّا تقيًّا منتظرًا تعزية إسرائيل (لوقا ٢: ٢٥)، فنال كرامة مزدوجة إذ حمل على ساعديه خاتمة أنبياء العهد القديم وصار هو نفسه آخر نبيّ يبشّر بولادة المسيح المخلّص التي ستتمّ بعد ثلاثة أشهر.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: أولادنا

التلميذ: نلاحظ أنّ الحياة اختلفت عمّا مضى، والتربية أصبحت صعبة. كيف نوجّه أولادنا؟

المرشد: أهمّ ما علينا أن نركّز عليه في تربيتنا لهم هو أن يكوّنوا علاقةً فعليّةً مع الله. هذا سيحصّنهم أمام التجارب التي قد تواجههم.

 

التلميذ: متى تبدأ هذه التربية؟ أيفهمون ذلك وهم صغار؟

المرشد: بالطبع. أتذكّر هنا ما يقوله القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم في تربية الأولاد. إنّه يحثّ الأهل على البدء بتربية أولادهم منذ سنٍّ صغيرة لأنّ النفس تكون طريّةً تنطبع بالمبادئ الحسنة. ومتى كبُرَت لن يستطيع أحدٌ أن يمحو هذه المبادئ. يطلب من الأهل أن يراقبوا ولدهم كلّ يومٍ ليقتلعوا أيّ عيبٍ يجدونه فيه. يريد من المسيحيّين أن يربّوا مجاهدين لأجل المسيح.

 

التلميذ: يبدو ذلك صعبَ التحقيق في أيّامنا...

المرشد: المسيحيّ يسبح عكس التيّار. إذا كان همّنا الوحيد هو تأمين ضروريّات العيش ومتطلّبات أولادنا، فإنّنا سنشتكي بعد سنواتٍ من سلوكهم السيّئ. فلنزرع فيهم الفضائل، ونربّهم على الاعتدال، ونعلّمهم أن يواظبوا على الصلوات ويطبعوا أعمالهم بإشارة الصليب. فلنخبرهم منذ طفوليّتهم عن الربّ يسوع ونقودهم إليه، هو القائل: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ» (لوقا ١٨: ١٦). ولنحكِ لهم قصص القدّيسين لكي يتمثّلوا بهم.

 

التلميذ: هل من أمورٍ عمليّةٍ أخرى يستطيع الأهل القيام بها؟

المرشد: هناك بعض الأفعال البسيطة التي يمكن للأهل القيام بها مع أولادهم مثل التبخير والترتيل والصلاة قبل الأكل وبعده. والأجمل هو أن تصلّي العائلة معًا. للصلاة فائدةٌ كبيرةٌ بشكلٍ عامّ، تخلق سلامًا وتناغمًا في العائلة. وصلاة الوالدين تؤثّر كثيرًا في أولادهم. إن واجهت الأمّ مشكلةً مع ابنها، فلتهمس في أذن الله وتطلب مساعدته. لا ينتفع الأولاد من الكلام المستمرّ، فكما يقول القدّيس بورفيريوس الرائي: كلامٌ قليلٌ وصلاةٌ كثيرة...

Last Updated on Wednesday, 01 September 2021 14:27