ocaml1.gif
العدد ٢٢: خريطة طريق متكاملة للحياة المسيحيّة Print
Written by Administrator   
Sunday, 29 May 2022 00:00
Share

raiati website copy
الأحد ٢٩ أيّار ٢٠٢٢ العدد ٢٢  

أحد الأعمى

الشهيدة ثيودوسيّا،

القدّيس ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريّة

 

كلمة الراعي

خريطة طريق متكاملة
للحياة المسيحيّة

خريطة طريق متكاملة للحياة المسيحيّةفي حادثة شفاء الأعمى منذ مولده، كشف يسوع النقاب عن سرّ هذا الأخير حينما أجاب التلاميذَ بشأن علّة مرضه: «لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه» (يوحنّا ٩: ٣). ولكن كيف ظهرت أعمال الله في هذا الأعمى؟ ببساطة القول، بأن أعطى هو نفسه مجدًا لله، في كلّ شيء، وعلى هذا المنوال:

أوّلًا، بأن بقي صامتًا حين استفسر التلاميذ حول منشأ دائه، هل كان بسبب خطيئة منه أم من أبوَيه، وبأن أصغى إلى شرح الربّ لتلاميذه، منتظرًا على الأرجح كيف سيحقّق يسوع عمل الذي أرسله. ترك لليقظة مكانًا لتعمل فيه، تلك اليقظة التي تعرف أن تميّز مصادر الأقوال والأفعال والأفكار، فتبقي على القمح وتغربل الزؤان.

ثانيًا، بأن امتثل، من دون أدنى تردّد أو شكّ، لطلب يسوع منه، وهو بعد أعمى، بأن يذهب ويغتسل في بركة سلوام، من بعد أن زاد الربّ من عماه بأن طلى عينَيه بالطين. ترك للطاعة الكلّيّة مجالًا للعمل، قاطعًا دابر مشيئته وحكمه الشخصيّ، مكتفيًا بكلمة المعلّم له، إذ فيها نور لنفسه، قبل أن تكون نورًا لمقلتَيه.

ثالثًا، بأنّه لم يدنْ أحدًا من الذين تعاطوا معه بشأن شفائه. إذ اتّسع قلبه للمستفسرين من الجيران عن هويّته بأنّ أكّد لهم لزوم ما لا يلزم، وللفرّيسيّين المستجوبين إيّاه والمحقّقين معه بأن سرد لهم الوقائع، من دون تبجّح أو استعلاء، ومن دون إدانة لخلفيّة محدّثيه، ولأبوَيه من دون أن يحكم على موقفهما المتهرّب من المجاهرة بالحقيقة. ترك لطهارة النفس ونقاوة الذهن عرشها، وهو القلب، بحيث لم يدعْه يتّسخ بأيّ فكر إدانة أو تكبّر أو احتقار.

رابعًا، بأن توارى أمام الحقيقة من دون أن ينتفخ بها أو على حسابها، أو يستعلي على أترابه بواسطتها. كان حكيمًا في أن يعطي نور الحقيقة لـمَن حُرموا منها أو رفضوا قبولها، ومن دون أن يتمادى في فرضها على سواه أو ينبذ مَن خالفه الرأي أو ضمر سوءًا أو رذله بحجّتها. ترك لجناحَي المحبّة والاتّضاع أن يحملا، إلى محدّثيه، الحقيقة التي كانت تتكشّف له.

خامسًا، بأن تجنّب أن يُعثر بسلوكه سواه أو أن يتعثّر بسلوكهم، فأتى سلوكه سويًّا، كابن للنور حقًّا. بقي ثابتًا في اعتداله بإزاء محدّثيه، من دون عدائيّة، محاورًا صادقًا وأمينًا حتّى النهاية، فما أعثر أحدًا بسلوكه، بل سعى إلى أن يعيد محدّثوه النظر بقناعاتهم. وبقي عفيف الفكر، فما تعثّر بما صدر عن الفرّيسيّين من حكم بشأنه وإدانة كلّيّة بحقّه، ولا بالمنطلقات التي كانت تحكم منطقهم في رؤية الأمور وتحديد المسار والمصير بآن. ترك لروح الله أن يقوده في هذا السلوك فأتى منسجمًا مع سلوك يسوع نفسه تجاه أترابه.

سادسًا، بأن ترك نفسه تستضيء داخليًّا بروح مَن هو نور العالم فتمشي في هدي مَن يعمل أعمال الذي أرسله، وإن لم يرَ وجهه بعد. فاليقظة والطاعة والاتّضاع والمحبّة جعلته ينمو في الحكمة والفطنة وتمييز ما هو لله حتّى أعلنه بثقة وحزم: «لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا» (يوحنّا ٩: ٣٣).

سابعًا، بأن انفتح كلّيًّا على عمل الله وكلمته فآمن من كلّ القلب بيسوع وسجد له. هكذا تتوّجت عمليّة التخلّي الداخليّ التي عاشها، بدءًا بحرمانه من البصر منذ مولده، ثمّ بتركه والدَيه له بأن يشهد بنفسه ومن دونهما لمجرى الأحداث، وأخيرًا بطرده من المجمع بحكم قطعيّ مبرم. لقد عاش مسار نكران الذات هذا بشكل أليم ولكن نافع، الأمر الذي قاده إلى نور الله، إلى ملء النور الإلهيّ، فاستحقّ أن يسمع من يسوع أنّه ابن الله.

لقد أعطانا الأعمى، بمثاله، خريطة طريق الحياة المسيحيّة وعناصرها المتكاملة، وعلّمنا كخيرة المعلّمين السلوك في نور الإنجيل والعيش كأبناء للنور بين أترابنا ومعهم، وأظهر عمل الله فيه على نحو أزال الطين الذي يحجب بصيرتنا، وظلمة الليل الذي يرخي بثقله علينا. هكذا أعفانا من اختبار قول يسوع الصعب عيشه من بعد أن يكون العميان قد عرفوا نعمته وأبصروا نوره: «يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل» (يوحنّا ٩: ٤). رمى الأعمى منذ مولده الطابة في ملعبنا. هلّا تلقّفناها وأخذناها على عاتقنا؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ١٦: ١٦-٣٤

في تلك الأيّام، فيما نحن الرسل منطلقون إلى الصلاة، استقبلتْنا جاريةٌ بها روح عرافة، وكانت تُكسِب مواليها كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يُبشّرونكم بطريق الخلاص. وصنعتْ ذلك أيّامًا كثيرة، فتضجّر بولس والتفت إلى الروح وقال: إنّي آمرُكَ باسم يسوع المسيح بأن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاء مكسبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما إلى السوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الولاة قائلين: إنّ هذين الرجُلين يُبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويُناديان بعادات لا يجوز لنا قبولها ولا العمل بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمع معًا ومزّق الولاةُ ثيابهما وأمروا بأن يُضربا بالعصيّ. ولـمّا أَثخنوهما بالجراح أَلقوهما في السجن وأَوصَوا السجّان بأن يحرسهما بضبط. وهو إذ أُوصي بمثل تلك الوصيّة ألقاهما في السجن الداخليّ وضبط أرجلهما في المقطرة. وعند نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدثت بغتة زلزلة عظيمة حتّى تزعزعت أُسس السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلّها وانفكَّت قيود الجميع. فلمّا استيقظ السجّان ورأى أبواب السجن أنّها مفتوحة استلّ السيف وهمَّ بأن يقتل نفسه لظنّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلًا: لا تعمل بنفسك سوءًا فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحًا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثمّ خرج بهما وقال: يا سيّديّ، ماذا ينبغي لي أن أَصنع لكي أَخْلُص؟ فقالا: آمنْ بالربّ يسوع المسيح فتخلُص أنت وأهل بيتك. وكلّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الربّ. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثمّ أَصعدهما إلى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

 

الإنجيل: يوحنّا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، من أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الذي أَرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينًا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرًا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنّه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يوم سبتٍ. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفرّيسيّين: هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ على أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأَبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أَبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا ولدنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدًا لله، فإنّا نَعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنّما أَعلم شيئًا واحدًا أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجًا. وسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيّد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا ربّ، وسجد له.

 

مقاربة نهاية الحياة على ضوء القيامة

يتميّز الصليب المستعمل في طقوس العبادة المسيحيّة بأنّه ذو جهتَيْن. في الجهة الأولى يُرسم يسوع المصلوب، وفي الجهة الثانية يُرسم المسيح القائم من بين الأموات.

هذا الجمع بين التضادّين، الموت والحياة في إطار واحد، ما هو إلاّ سرّ يدعو الإنسان إلى التبصّر في معانيه، كفترة تحضير يختارها طوعًا بغية فهمٍ أفضل لواقع حياته، ورسالته في هذا العالم.

الحياة الروحيّة تطلق ألوانًا على الموت. فالموت الأحمر هو موت الشهيد، والموت الأسود هو موت الإنسان الرازح تحت نير الخطيئة، أمّا الموت الأبيض فهو الموت الطبيعيّ بسلام وانسجام.

بالنسبة إلى كثير من الناس، يعتبر الموت نهاية حياة. بينما في المسيحيّة، يعتبر الموت نومًا وحالة انتظار، أو بابًا لحياة أبديّة.

قيامة المسيح لم تكن حدثًا منفردًا فقط في التاريخ، وإنّما هي كرة ثلج، أو شعلة ابتدأت شرارتها مع يسوع. بمعنى أنّه فتح الباب واسعًا أمام الكثير لحياة أبديّة. فيسوع هو الطريق، والحقّ، والحياة. ولنا في سير القدّيسين أمثلة لا تحصى عمّن تبعوه، وأظهر لنا الروح القدس استمراريّتهم حتّى من بعد الموت.

من التقنيّات الأساسيّة للعبور من الموت الى الحياة، رؤية الحياة من منظار مختلف عن العادة، أي من منظار القيامة.

المائت، هو منذ اللحظة الأولى، بين يدي الحضرة الإلهيّة. لذلك الأحبّاء والأقرباء هم الأكثر حاجة إلى التعزية والتشدّد. وهل من تعزية أفضل من إدراك أنّ الحياة تستمرّ رغم توقّف القلب عن الخفقان، أو العقل عن العمل؟

من أولى ثمار القيامة، كانت عبارة «السلام لكم» التي تركها يسوع لتلاميذه، حيث الأبواب كانت موصدة، والخوف في أقصى مستوياته. هذا السلام ليس مجرّد تحيّة عابرة، وإنّما إحساس عميق بالطمأنينة رغم الظروف الصعبة. وهل من ظرف أصعب من الشعور بفقدان عزيز علينا؟

الثمرة الثانية عرفتها النساء حاملات الطيب «لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟ إنّه ليس ههنا، لكنّه قد قام!» هكذا علينا أن نسمح للإيمان بأن يعقّل العقل، فلا نجالس القبور كأنّنا نجالس الميت.

الثمرة الثالثة، التي سمحت للأعين بأن تنفتح على القيامة، نجدها مع تلميذَيْ عمواس عند «كسر الخبز» أو القدّاس الإلهيّ. وعلينا، إذا أردنا الصلاة لمن سبقنا في الجهاد، أن نؤمّ الكنيسة لذكره في الكأس المقدّسة.

الثمرة الرابعة، «إطعام المحتاج»، نحصل عليها من تلاقي يسوع مع التلاميذ على شاطئ بحيرة طبريّا، حيث أكل معهم سمكًا مشويًّا وشهد عسلٍ. ومن هذه الخلفيّة، نجد تلك العادة الحميدة ألا وهي إطعام الجياع عن نيّة أرواح الموتى.

الحياة تبرز أنواعًا عدّة من الميتات، حتّى نصل إلى الموت الأخير. إلاّ أنّ رحمة الربّ واسعة، ونحن لا نرجوها فقط عند اللحظة الأخيرة.

لذلك إن كنّا نحيا في ثمار القيامة لسرت رحمة الله في عروقنا، وأنقذتنا من الموت الأخير.

 

المسيحيّ والدولة

للمطران جورج خضر

المسيحيّة لم تنشئ دولة. جاءت لتقيم ملكوت الله في الناس حتّى يصيروا «خليقة جديدة»، وعلى هذا هم قادرون في ظلّ أيّة دولة، ولو ظالمة أو مضطهَدة لهم. إنّما المسيحيّ يهتمّ بشأن الوطن الذي خلقه الله فيه، وتاليًا يهتمّ لإصلاح الدولة لأنّ في هذا سلامًا وأَمْنًا للبشر. وبمقدار ما تكون أجهزة الدولة خالية من الفساد، ويكون الحكّام مخْلِصين لأبناء الوطن، فهذا يجعل الناس في جوّ أخلاقيّ عامّ ويحرّرهم من العوز الكبير. المناخ العامّ الطاهر ييسّر للفرد -بمقدارٍ ما- أن يسلك سلوكًا حسنًا. فإذا كان حوله لصوص وإذا عمّت الفوضى، يكون عليه أن يجاهد جهادًا بطوليًّا للحفاظ على استقامته.

الدولة تأتي من نباهتنا ومن تآزرنا. تعلو إن علونا، وتسقط إذا سقطنا. ولذلك تكون عاصيًا لله إذا قبلت بانتشار الشرّ ولم تقاومه بالطرائق السلميّة المتاحة لك وبالفكر السليم، والمهمل خاطئ. لذلك لا يسعك أن تقول: أنا أعبد الله وأربّي أولادي، أو أنا أُخلّص نفسي وكفاني. إعلم أنّ الكثيرين تفسد قلوبهم لأنّهم يرون الفساد عميمًا وييأسون لكون الحاكم مستبدًّا أو مرتشيًّا أو جاهلًا.

إعلم أنّ الدولة تأتي من الفكر. أصلحها بإصلاح المجتمع. هي بنت المجتمع. وهنا تصحّ الكلمة: «كما أنتم يُوَلّى عليكم». أحيانًا يكون الحكم أسوأ من المواطنين ويؤتى بحكّام لا يمثّلون أحدًا بسببٍ من ظروف استثنائيّة يمرّ بها البلد. ولكن في الظروف العاديّة إن كان المواطن لا يرشي فكيف يرتشي الموظّف؟ وكيف يكون الشارع نظيفًا إن كان الأهالي لا يحتجّون على القذارة؟ وكيف يكذب المسؤول إن كان الشعب، بعامّة، صادقًا. الحاكم السيّئ يتقيّؤه المجتمع الصالح.

تجميل البلد وتطويره وتحسينه إذا كان في النفوس وفي الجهد ينعكس على أجهزة الحُكْم. فكما أنّ هذا يؤثّر في المجتمع المدنيّ إيجابًا أو سلبًا، كذلك ينعكس التصرّف الاجتماعيّ على الحكم إيجابًا أو سلبًا.

قد تكون من الأقلّيّة غير الممثَّلة في الحُكْم ولا ترى هذا الحكم صادرًا عنك كفرد. ولكن متى نشأ الحُكْم يصبح مُلْكك، وعليك أن تقوّمه في معيّة الآخرين، في تعاون كلّ فئات الشعب وطبقاته، في تعاضد العمّال والموظّفين والتجّار والفلّاحين والمثقّفين. الدولة دولتك وإن لم تشأ. لذا كان عليك أن تتعاون في مجال التعاون، وأن تنقد في مجال النقد، وأن تبغي الإصلاح والتغيير دائمًا حتّى يصير الحُكْم ظلّ الله على الأرض.

 

وفاة الشمّاس نجيب (عازار)

رقد على رجاء القيامة والحياة الأبديّة الاثنين ٩ أيّار ٢٠٢٢ الشمّاس نجيب (عازار). هو من مواليد بيروت في العام ١٩٤٧. نال في العام ٢٠٠٧ نعمة الشموسيّة في كنيسة مار إلياس - بشامون على يد صاحب السيادة المتروبوليت جورج (خضر). توزّعت خدمته الشموسيّة على رعايا الأبرشيّة: بشامون (٢٠٠٧-٢٠١٦)، بحمدون الضيعة (٢٠١٦-٢٠٢٢)، بالإضافة إلى دير القدّيس جاورجيوس - دير الحرف، منصوريّة عين المرج، الشويفات، عاليه، عاريّا، المكلّس.

ترأس راعي الأبرشيّة المتروبوليت سلوان خدمة الجنّاز من أجل راحة نفسه يوم الثلاثاء ١٠ أيّار في كنيسة مار إلياس - بشامون. وكانت لراعي الأبرشيّة كلمة سطّر فيها معاني الفصح في عبورنا من «الطعام الفاني» إلى «الطعام الباقي»، عبور تلوّن في حياته بالقلب الذي يعرف أن يصفح عن الآخرين، بالوجه الفرح مهما كانت الصعاب، وبالامتداد نحو الخدمة سواء في الكنيسة أم في العائلة، امتداد قاده إلى محبّة المسيح وخدمته من كلّ القلب.

Last Updated on Thursday, 26 May 2022 16:31