ocaml1.gif
الله تحت 12/20/2014 Print
Saturday, 20 December 2014 00:00
Share

الله تحت   

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 12/20/2014

georgekhodr  المسيح في العالم منذ نشأة العالم باعتباره فِكر الله. ونحن لا نُعيِّد لحَدَثِ ظُهُوره من مريم إلاَّ لنذكُر انه ظهور الله. والمسيحيّة كلّها في هذا تقول ان الله بمسيحه سكَنَ في العالم جسديًا. كُنا نعرف قبل مجيء المخلّص أن الله معنا، لكن مع المسيح رأيناه معنا وساكنًا فينا. في اليهودية كُنا نُدرك أن الله فوق، ومع يسوع فهمنا أنه معنا وفينا، أي بالمسيح أُلغيت المسافة بين السماء والأرض، لذلك إذا سألت الطفل المسيحي هل الله فوق يجيبك لا أعرف. أنا أعرف أنه في قلبي.

***

 عندما نُقيم الميلاد لا نُعيِّد لحدث مضى ولكن لاستمرار هذا الحدث. المسيحيّة كشفت أنَّ السماء ليست فوق بل إنها فيك. إنها أَنزَلت الله على الأرض، بعد ذلك صُرنا نَصعد إلى السماء. في اللغة المسيحيّة نقول إنَّنا في الله وأن المكانيّة كلّها لا معنى لها.

  يصير الميلاد حدثًا دائمًا إذا وعيت أن يسوع يولد فيك عند رضاه وتفهم أنَّه أبطَلَ المسافة بين الأرض والسماء أي كلّ بُعدٍ عن الله. طبعًا عليك دائمًا أن تقول أنَّ الله فوق لئلا تقع في وحدانيّة جوهريّة كافرة ولكن إن لم تحسّ أن الله فيك لا تكون انقطعت عن اليهوديّة الكامنة فيك. يسوع كان حدثًا ليبقى. والسرّ في هذا أنَّه فيك وإنَّه غير مندمج بآن لئلا تقع في الحلوليّة والعيد يدعوك أن تُسَلّم له لإيمانك أنَّه الكلّ وإنَّه كذلك لأنه واحد مع الآب.

 هذه هي حلاوة الحياة في المسيح أنَّنا نعرف أنَّه واحدٌ مع الله وواحدٌ معنا أي أنَّه مكان اللقاء بيننا وبين أبيه. مَن لم يعرف المسيح في حياته ماذا يعرف عن الله؟ الربّ يعرف الذين هم له. الله مع العاشقين.

المسيحية مَعيّة ولكنها ما ألِفَت أنَّ ثمّة هوّة بينك وبين الله في الطبيعة. بمعنى أنك مخلوق وهو خالق. ولكن المسيحيّة ردمت هذه الهوّة بالحبّ لأنها جعلت الخالق ساكنًا في أحشاء امرأة.

 الله فوق ومعنا. هذه هي اليهوديّة والمسيحيّة معًا. الله فينا هذه هي المسيحيّة وهذا هو معنى التجسّد. المسيح في الإنسانية توقًا منها وإذا أرادت الخلاص فحقيقةٌ مِنهُ ومِنهَا.

 المسيح صار إنسانًا فردًا بمعنى أنَّ له كيانًا يميِّزهُ عن كلّ بشر. وهو صار في الإنسانية بتجسُّده ومع كلّ إنسان بحبّه ولاسيما في موته وأنت مدعو به وفيه أن تصبح إنسانًا كاملاً تبلغ "قامة ملء المسيح".

  كان التجسّد التعبير الأخير لحضوره في العالم وما كان البدء إذ البدء كان الكلمة أي هو. والتجسد لا يعني تحول ابن الله إلى كيان جسدي، ولكنه يعني ضمّ بشرية الإنسان، كلّ إنسان إليه بالتجسّد والحبّ الهادي بالتجسّد.

 عليك دائمًا ألا تنسى أن المسيح فوق لكي تعرفه إلهًا وأن تدرك أيضًا أنه معك لعلمك أنه يحبك. هو ما صار إنسانًا إلا ليقول لك ذلك. طبعًا قال هذا بموته وقيامته الفصحيّة والأخيرة وكفتنا.

***

 حقٌّ وجميلٌ أن تذكر أنَّ المسيح إنسان لتُحبَّه حقًا ولتعرف أنه قريب. المسيح جعل بين الله والإنسان ملامسة أي ما هو فوق الإيمان، ما هو حبّ. هذا لم يكن معروفًا بقوّة حتى مات يسوع على الخشبة. هناك نَطَقَ أنَّه المحبّ وهناك فهم البشر أنَّه واحد معهم وواحد منهم. عرفوا أن الله ليس فقط فوق وأنه تحت. الإقامة تحت لا تأخذ شيئًا من حبه.

وإذا نزل يسوع إلى أسفل هذا يعني أنه سَاكَنَ جميع الناس وأولئك الذين قيل لهم إنهم تحت. أنت لا يمكنك أن تستحيي بمقامك لأنك حيث كنت يكون المسيح معك. أنت لست كبيرًا بأحد. أنت كبير به.

 أنت تفهم أن يسوع مع الضعفاء، الأغنياء منهم والفقراء لأنَّنا كُلُنا ضُعفاء. إنَّه مع المرضى، كلّ المرضى والمكسورين في عقولهم أو همَّتهم والذين يُهملهم ذووهم وأصدقاؤهم ومع الذين يضطهدهُم ذووهم وغير ذَويهم أو مع الذين لا يحبهم أحد ولو أحبّوا. إنه ليس مع المفتخرين بقوتهم أو جمالهم أو علمهم. هو مع الذين لا يقولون شيئًا عن أنفسهم ولا ينظرون إلى أنفسهم كما في مرآة. هو مع الذين لا يحسّ بهم أحد، مع المطرودين إلى الصحارى، مع الذين أبعدنا عنهم قلوبنا فألقيناهم في العدم. اذهب إلى الذين صاروا في العدم وأعطهم الله. هم لا يتوقون إلى شيء دونه. اذهب إلى الذين حرمناهم حبنا لأنهم صغار. دائمًا كن مع الصغار. هؤلاء هم مَن اصطفاهم الله فجعلهم حصَّته. الربّ ليس مع الذي اعتقد نفسه موجودًا. إنه مع من حسب أنه عديم وأنه ضائع، وفي ضياعك إن لم تجد ربك لا تجد شيئًا.