ocaml1.gif
عقلٌ وحُب 07/17/2015 Print
Friday, 17 July 2015 00:00
Share

عقلٌ وحُب  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 17 تمُّوز 2015

georgekhodr   الله عاقلٌ ولكنّه ليس تحت العقل. أنت تُحبّه. هذا لا يعني أنك تجعله تحت المعقوليّة. غير ان الكتاب قال: «الله محبّة». هل أراد في هذا تعريفًا عنه أم أراد أن المحبّة هي ذاته؟ فِكْر الآباء أن الله لا يدخل في المعقوليّة لأنّها تُحده، بأي معنى يكون إذًا حبيبك وأنت لا تسعه؟ واضح ان العقل ليس عنده جواب وانّنا في الرؤية.

 من كل ما كتبه يوحنا رسول المسيح يُفهَم انك لا تقدر ان تعقِل الله. أن تعقِلهُ في اللغة تعني أن تجعله تحت العقل أي ان تقيّده بشريًا. لذلك كُنتُ دائمًا في ضيقٍ أمام محاولات الفلاسفة ان يُثبتوا وجود الله. ولنفرض جواز هذا. كيف تكون العلاقة بينك وبينه بالعقل؟ لماذا أراد فلاسفة الدين ان يثبتوا الله بوسائلهم؟ أليس هو المُعْطَى الأوّل الذي لا يحتاج إلى تأييد عقليّ؟ لماذا لا يكون حُبنا له وسيلة لمعرفته؟ لماذا الحب أدنى من العقل في الإدراك؟

هذا هو طغيان العقل اليوناني على الفكر إنك تحتاج إلى أدلّة في تعاطيك الله. العقل اليوناني طغى. لماذا تريد برهانًا على الله؟ أليس الله أسطع من البرهان؟ يلفتني القرآن عندما يقول: «قل هو الله أحد». لا يطلب إثباتًا. يطلب اعترافًا. أليس هذا هو طغيان الفلسفة اليونانية علينا ان نسعى دائمًا إلى الأدلة؟

المسيحيّة في أدب يوحنا الرسول قالت ان الله محبّة أي إنّها عرفَتهُ بها. ما اكتفت بالقول أنّه مُحبّ، هذا يعني إذًا ان من أُحبّ يكون في الله. المسيحية تاليًا في أعلى كلام لها ما أدخلت مَقولة العقل في الحديث عن الله ولا إذا اعتبرتم ان قول الكتاب ان الله هو الكلمة في التعريف كما ورد عند يوحنا هو في الصميم يعني ان الله هو العقل الأسمى الذي لا يبلغه عقل بشري. من هذا المنظار وجب القول ان في الله وحده العقل والحب واحد.

إذا كان العقل في الإنسان خاليًا من كل خطأ يمكننا القول انه واحد مع الحب. غير أن ميل الفلاسفة اعتبار العقل كاملاً لأن الفلاسفة القدماء لم يعرفوا المسيحية وما عرفوا انها كانت ترى خطايا البشر تدخل إلى العقل وتشوّهه. مشكلتنا ان الفلسفة اليونانية وهي سابقة للمسيح طغت ولم تعرف خبث الخطيئة وانها قادرة ان تُسيء إلى العقل دائمًا. لذلك نرى نحن أتباع المسيح ان العقل يحتاج إلى تصحيح الحب له، الحب الخالي من الشهوات. إذا صححت المحبة قلبك يلتقي العقل. ولما كان آباؤنا في الإيمان يتكلّمون عن العقل أرادوا انه الفكر المُحرَّر من الشهوة.

المحبة في أعلى مقامها المُحرَّرة من الدنس هي الفكر بمعنى انها الرؤية إذ المحبة عندنا تعني اللُصُوق أولاً بالله بحيث لا تكون لك رؤية الاَّ رؤيته ولذلك في كنيستي بنوع خاص لا نعتبر أحدًا لاهوتيًا بالمعنى الكبير الاَّ إذا رأيناه قديسًا. الشرق المسيحي لا يعرف الفصل بين العقل والقلب. القلب ليس عندنا ارتعاشات. هو الرؤية.

أهل الغرب يقولون انهم يُثبتون الله بالعقل. نقول نحن لهم نقبل كلامكم إذا أردتم أنَّه العقل المُحب. اليونانيون القدماء أنفسهم لم يُفرّقوا العقل عن المحبّة. هذا التفريق ابتدأ في الفكر من بعد ديكارت.

عندما تقرأ جيدًا وعميقًا آباء الكنيسة لا ترى انهم يُفرّقون بين العقل والقلب. ما كان العقل أبدًا عندهم تلك القوة الذهنيّة المُستقلّة عن العاطفة. وما فهموا العاطفة ارتجاجات في الذات. لذلك لم تَرِد لفظة القلب عند الأقدمين مرادفة لما تُسمّيه اليوم العاطفة ولكنَّها دلَّت على كل القوة الداخليّة في الإنسان عقلاً وقلبًا.

العاطفة تحتاج إلى فحص إذ قد تدخلها الضلالة. ليس عندنا في ذاتنا مرجعية الحقيقة. الله هو المرجعية. الضمير نفسه يخطئ. الله مرجع الضمير.

Last Updated on Friday, 17 July 2015 13:12