ocaml1.gif
لماذا أكتُبْ؟ ٠٧/٢٥/٢٠١٥ Print
Saturday, 25 July 2015 00:00
Share

لماذا أكتُبْ؟  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت ٢٥ تمُّوز ٢٠١٥

GK3   أنا المؤمن أكتب لأن الله فوّض اليّ ذلك، لأنه يكلّم كل الناس ببعض من الناس. أنا لا استطيع ان احتفظ لنفسي بما أخذته منه. "بلّغ، انك مبلغ" فالوحي للناس والرسول رسول اليهم. أنت كلمة الله تحضنها وتعطيها. وما استودع رسول كلمة لنفسه.

  من أحسّ انه ملهم مضطر الى التبليغ. الله يكلّم الناس بالملهَمين. إذا أمرهم يكتبون أو يتكلّمون. لا يعطي الله دائمًا كلمات. إذا أراد التبليغ يُلهم. ومن استودع الكلمة لا يستطيع حجزها. وإذا حجزها يخون. هناك من يتكلّم باسم الله ولست أريد فقط الأنبياء أو المرسلين. أنت إن كنت مؤمنًا كبيرًا تميّز بين من يبلّغك كلمة من الله وكلمة من عنده. وان كنتَ عميق الاحساس بالله تقبل الكلمة التي من عند الله. والكاتب ان كان حقًا مؤمنًا يعرف ما جاءه من عند الله وما جاءه من نفسه. إذا جاءه القول الإلهي وعرفه يبلّغه تبليغًا آمرًا وإلاَّ يَلزَم الصمت. الإلهيّون لا يكتبون من أنفسهم ولكن مما استلموا ويعرفون بوضوح الفارق بين الذي نزل عليهم من فوق والكلام الذي من الدنيا. وإذا قبض عليهم الإلهام يضطرون إلى الكلام والا أحسّوا بالموت. وأمام الملهَمين تحسّ بالخيانة ان لم تتبعهم. ان كان الله معك واقتنعت بذلك اقتناعًا كاملاً لا تستطيع ان تناقش. تنقل ما جاءك وان كانت كلمتك حقًا كلمة الله ولم يأخذها من اقتنع بها يموت موتًا روحيًا. الله لم يكلّمنا فقط بالكتب المقدسة. فكثيرًا ما يكلّمنا بالصادقين وبالأبرار. صعب عليك ان ترفض كلمة بار. الخوف ان فعلت ان تموت موتًا روحيًا.

الحقيقة ان الرب لم يكلّمنا فقط بالكتب الموحاة. هو يكلّمنا أيضًا بالناس المقدسين بما قالوا أو بما سلكوا. هذا ما يسميه المسيحيون شركة القديسين. عندنا من لم يقرأ الكتاب الإلهي مرة لأنه أُميّ، له ان يصل إلى معرفة الرب في القلب. الله ليس مقيّدًا بكتاب.

ولكن هناك من يقرأ. وإذا عرفت الكتابة فعليك ان تكتب. وقد تظن ان أحدًا ممن حولك لا يقرأك ثم يكتشف المتتبّعون آثارك أنَّ ثمَّة من قرأك.

أُكتبْ وقد تلحظ ان قرّاءك قلائل. لا تخشَ. قد يأتي من يقرأك. هذا ما حصل لي منذ خمسين سنة إذ كنت طالبًا في بيروت ومستأجرًا غرفة في أحد منازل الأشرفية القريب من الجامعة وفي غرفتي كانت مكتبة عظيمة من القرن التاسع عشر وتأثَّرتُ ان قِلَّة طالعت ما فيها. ما كنت أعرف أنَّ رجلاً من ذاك العصر يعرف الكثير الكثير. هل كان هذا يحسَب ان شابًا سيأتي بعده ليستأجر غرفة في بيته ويقرأ فيها كتبًا بالعربية وغير العربية ويتجدّد فِكره بها؟ غالبًا ما ظنّ انه يترك المكتبة لأولاده وأحفاده. لم أعرف عنهم شيئًا. أنا صرت إذًا وريث هذا الرجل.

أُكتبْ ان استطعت لمن يأتي ويقرأ. ما من كلمة تموت. إذا جاءتك كلمة الله خذها واحفظها وبلّغها. لا يحق لك ان تحتفظ لنفسك بطيّات الفكر. الفكر فيك عطاء من الله. وزّعه، هذا أمر إلهي إلى ان يقبضنا الله في رحمته.

أنت مؤتمن على الفكر الإلهي الذي استقر فيك أي أنك مأمور بتبليغه. الحقيقة ليست مُلكًا لك.

أنت تكتُب لأنك مؤمن بأن أحدًا سيأتي ويقرأك ويصير بهذا إنسانًا سويًا. تكتب لأنّك تحب من لم تره عيناك. ان كان في فكرك شيء لا تتركه لنفسك. أنت لا تعرف بالضرورة قيمة ما عندك. دع الآخرين يقبلون إلى ما تركت. الكاتب من أَحَبَّ وترك للناس كلمات قد يحيون بها. هو يستخلف ناسًا لا يعرفهم. المعرفة محبّة ليس فيها أنسباء. أكتب ومت. قد يأتي من يقرأك ويحيا.

فكرك ليس ملكًا لك. هو وديعة وفي الكتابة يأخذ الوديعة من استطاع. أنت في الكتابة ليس لك نسيب. الناس كلهم عيالك. بدّد إذًا ما عندك ليحفظك الله عنده. ما من سطر فيه فهم لا يظهر يومًا أحد لا يكون له قارئًا. أكتب ولو بدا لك انك تبدّد. قد يأتي يومًا من يقرأك تعيش روحه بما قلت.

Last Updated on Saturday, 25 July 2015 07:49