ocaml1.gif
العد ٧: الأب الصالح Print
Sunday, 12 February 2017 00:00
Share

تصدرها أبرشية جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ١٢ شباط ٢٠١٧  العدد ٧  

أحد الابن الشاطر / القديس ملاتيوس بطريرك أنطاكية

كلمة الراعي

الأب الصالح

قصة الابن الشاطر هي قصتنا جميعًا كل يوم. أراد الحرية، ولأول وهلة لا أجمل من الحرية، فلعلّ أباه كان يريده مقيَّدا بالشريعة. أقلّ واجب على الوالدين أن يضبطوا أولادهم، ولكن الولد لم ينضبط فطلب قسطه من الميراث وذهب الى حيث يذهب الذين يتمرّدون على ما يعتبرونه طاعة او قسوة. أراد الابن  حياةً لنفسه، فعندما صارت له وغرق فيها، أحس ان هذا لم يكن المطلوب: عاشر رفاقًا وزواني وأنفق عليهم. أعطوه تسلية، ولما افتقر تركوه. الإنسان بحاجة إلى ان يُحَبّ، وأن يُحِبّ باستمرار.

تقرأ علينا الكنيسة اليوم مقطعًا من رسالة بولس الرسول يتعلّق بالجسد ولا بد أن نفهمه ضمن إطار حديثنا اليوم. يقول بولس شيئًا غامضا على الكثيرين منا عندما يقول ان مَن يتعاطى زانية فإنه يصير جسدا واحدا معها، في حين ان هذا القول قيل عن الزواج ويعني أن من وحّد مصيره بمصير كائن آخر فإنما يصير جسدا واحدا معه وكيانًا واحدا معه. يلاحظ بولس الأمر ويستغرب أن يتعاطى المسيحيون شيئا كهذا، كيف آخذ أعضاء المسيح أي رأسي ويديّ ورجليّ وصدري وكل أعضائي التي تعمّدت وصارت أعضاء المسيح وأَجعلُها أعضاء زانية بالتِصاقي بها؟ سلّمتُها جسدَ المسيح في حين أن هذا الجسد لا يُسلّم الا بالمحبة في بركة الحياة الزوجية.

ثم يذكّرنا الرسول بأننا هيكل الله وبأننا نستخدم أجسادنا لتصبح هيكل الله أو مقرّ الله أو اشعاعا لله. ويلحّ الرسول إلحاحًا شديدًا أن «اهربوا من الزنا لأن جسدكم مقدَّس ولأنكم اشتُريتم بثمن. اشتُريتم بدم المسيح، فكيف تستخفّون بثمنكم وتعطون أجسادكم للزواني؟ عودوا إلى ربّكم ومجِّدوا الله في أجسادكم ونفوسكم. لا يكفي أن نُمجِّد الله بالفم بالصلاة أو بالفكر، يجب ان نُمجّد الله بالجسد ليصبح منارة للمسيح يعيش بالمحبة.

ما كان الابن الشاطر يعرف هذه الأفكار. فسَّرَها لنا بولس بعد ذلك من خبرة مسيحية. وجد الابن الشاطر نفسه وحيدا بين الزواني، بلا مأوى، بلا مَن يحنّ عليه، فعاد إلى بيت أبيه. أين كان أبوه؟ هذا هو السؤال. كان الأب واقفا خارج الباب أو على السطح ينتظر عودة الابن الضال. هذا هو شغل الأب أن ينتظر عودة أبنائه من ضلالهم لأنه يحب ولا يستطيع الا أن يحب.

تعرفون كيف فرحَ بعودة الابن وكيف استقبله. لكني أَودُّ أن أَلفتكم إلى تصرُّف الابن الصالح الذي كان دائما خاضعا للشريعة، طائعا أباه. يشكو من عودة أخيه إلى البيت لأنه رأى انه يتلطّخ بهذه العودة  ولم يعرف أن يفرح مثل أبيه.

الصالحون الأتقياء بيننا، الذين لا يسرقون ولا يزنون، الشرفاء والشريفات المستلمون مقدّرات الأمور، هؤلاء لا يحبّون الخطأة إذا عادوا لأنهم يظنّون ان البيت بيتهم، في حين ان الله يقول ان ملكوته للصالحين والطالحين، وشمسه تُشرق على الأخيار والأشرار، وليس عنده من تمييز بين إنسان وإنسان. الابن الشاطر إذا عاد يكون أقرب إلى قلبه من الابن الصالح الذي بقي لأن الملائكة في السماء يفرحون بالخطأة إذا عادوا، ولأن ابن الله يترك الـ٩٩ خروفًا ليفتش عن الخروف الذي ضلّ في الجبال ويحمله على منكبيه ويعود به إلى الآب.

السؤال الأساسيّ أمامنا: ماذا نعمل بالخطأة؟ ألا نرتكب النميمة بحقهم؟ ألا نشير اليهم بالأصابع؟ هكذا نُغرقهم في خطاياهم ولا نسمح لهم بالعودة. نحن نعرف شيئا واحدا أن يسوع المسيح جاء ليخلّص الخطأة الذين أنا أَوَّلهم. لا يستطيع أحد منكم أن يقول: هذا خاطئ، وهذه خاطئة، وأنا أَفضل منهما. الله يعرف القلوب والكلى. أنا أعرف أني خاطئ، ولا اعرف ان غيري خاطئ. ولهذا كان الابن الشاطر أفضل من الابن الصالح، وأفضل من كليهما الأب. مَثَلُنا اليوم هو مَثَل الأب الصالح.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ٦: ١٢-٢٠

يا إخوة، كل شيء مباح لي ولكن ليس كل شيء يوافق. كل شيء مباح لي ولكن لا يتسلط عليّ شيء. إن الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، وسيُبيد الله هذا وتلك. اما الجسد فليس للزنى بل للرب والرب للجسد. والله قد أقام الرب وسيُقيمنا نحن أيضا بقوته. أما تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأَجعلها أعضاء زانية؟ حاشى. أما تعلمون أن من اقترن بزانية يصير معها جسدا واحدا لأنه قد قيل يصيران كلاهما جسدا واحدا. أما الذي يقترن بالرب فيكون معه روحا واحدا. اهربوا من الزنى، فإن كل خطيئة يفعلها الإنسان هي في خارج الجسد، أما الزاني فإنه يخطئ إلى جسده. أَم ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي نلتموه من الله، وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.

 

الإنجيل: لوقا ١٥: ١١-٣٢

قال الرب هذا المثل: إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه: يا أبتِ أَعطني النصيب الذي يخُصّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيام غير كثيرة جمع الابنُ الأصغر كل شيء له وسافر إلى بلد بعيد وبذّر ماله هناك عائشا في الخلاعة. فلما أَنفق كل شيء حدثت في ذلك البلد مجاعة شديدة، فأخذ في العوز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يُعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أجراء يفضُل عنهم الخبز وأنا أهلك جوعا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك، ولستُ مستحقا بعد أن أُدعى لك ابنا فاجعلني كأحد أُجَرائك. فـقام وجاء إلى أبيه، وفيما هو بعد غير بعيد رآه أبوه فتحنن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله. فقال له الابن: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك ولستُ مستحقا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: هاتوا الحُلّة الأُولى وأَلبِسوه، واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه، وأْتُوا بالعجل الـمُسمّن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد. فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبر في الحقل. فلما أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغلمان وسأله: ما هذا؟ فقال له: قد قَدِم أخوك فذبح أبوك العجل الـمسمّن لأنه لقيه سالما. فغضب ولم يُرِد أن يدخُل. فخرج أبوه وطفق يتوسل اليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنين أَخدمك ولم أَتعدَّ لك وصية قط، وأنت لم تُعطني قط جدْيا لأفرح مع أصدقائي. ولما جاء ابنُك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحتَ له العجل الـمسمّن! فقال له: يا ابني أنت معي في كل حين وكل ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَرّ لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد.

 

نِعْمَ العطيّة!

«بخورًا نقدّم لك، أيّها المسيح إلهنا، رائحة طيب ذكيّ روحيّ، فاقبله على مذبحك السماويّ، وأَرسِلْ لنا عوضًا منه نعمة روحك الكلّيّ قدسه». هذه الصلاة (الإفشين)، التي يتلوها الكهنة قبل تبريك البخور، تكشف السببين اللذين حكما استعمال البخور كنسيًّا، أي: تكريم الله ونشر الرائحة الذكيّة. وهذان سببان لم يفوتا الإنسان القديم الذي قدّم البخور تكريمًا إلى الملوك وآلهته الوثنيّة.

هذا لا يعني أنّ المسيحيّة جاءت بممارساتها من أرحام عقيمة، أي لا خلاص فيها، بل أنّها نزلت إلى الإنسان، في ما رأته يخدمها في عملها الخلاصيّ، لترفعه إلى مستوى دعوتها. المسيحيّة، في كلّ ما فعلته، كان طلبها خلاص الإنسان كلّه. هذا يبدو ظاهرًا في المعاني الجديدة التي أَسبغتها على ممارساتها.

قلنا نشر الرائحة الذكيّة. وهذا لا ينفصل عن شأن العبادة. فإن كانت دعوة الإنسان مسيحيًّا أن يشارك في العبادة في حواسّه كلّها، فالبخور، في أوان العبادة، يعطيه أن يدرك رائحته في أنفه.

ثمّ قلنا تكريم الله. وهذا طلبًا ثَبَّتَته الكتب المقدّسة والمجامع الكنسيّة. لنسطرد قليلاً.

مظهر التبخير، في الكنيسة، يطرح سؤالاً عن التزامنا تكريم الله وحده. فما يبدو ظاهرًا أنّنا، في العبادة، لا نكتفي بتبخير الكنيسة بما فيها، أي مذبحها ومائدتها وإيقوناتها...، بل نبخّر مَن فيها أيضًا، أي الناس الذين يَؤُمّونها في أوان العبادة. وهذا، بكلام دقيق، من مقتضيات اعتقادنا بتكريم الله وحده. فالإنسان، أسقفًا أو كاهنًا أو عامّيًّا، هو «صورة الله». هذا، تكريمًا لله في الإنسان، من الرائع أن نذكُره في هذا السياق وفي غير سياق. أنت، أنا، كلّنا، في الكنيسة، تطلب العبادة أن نرتقي، في غير حال، في العبادة وخارجها، إلى أنّ الله كرّمنا بإيجادنا على صورته، لنسعى، بنعمته المخلِّصة، إلى أن نكون على مثاله.

هذا يفترض أن يستقبله المؤمنون بتواضعٍ يُعزّز معانيه. من علامات هذا التواضع أنّنا، في أوان التبخير، عندما يصل إلينا الخادم (كاهنًا أو شمّاسًا)، نصلّب يدنا على وجهنا فيما نطلب إلى الربّ، في سرّ قلبنا، أن يرحمنا. نحن لا نستحقّ هذه المعاملة. هذا ليس رفضًا لاقتبال الخير، بل، في روحانيّة كنيستنا، هذا وعي ملزم لا نكون مستقيمين إنْ تجاوزناه. إذًا، هناك حركتان، تبدوان متناقضتين، تفترض إحداهما الأخرى: حركة تكريم الكنيسة لنا بالتبخير، وحركة الوعي أنّنا بشرٌ خطأة يُعوزنا أن يرحمنا الله.

ثمّ عمَلُ التبخير يفتح صفحات تاريخنا على ذِكْر أنّ المسيحيّين الأوائل بذلوا دماءهم ثمن إخلاصهم لله، أي رفضوا تقديم البخور للوثن أو للأباطرة. التبخير، الذي يغسلنا الكهنة به في أوان العبادة، تعبق برائحته العطرة «صلواتُ القدّيسين» الذين استُشهدوا حبًّا بالمسيح (رؤيا يوحنّا 5: 8). صلواتهم أو أمانتهم. المسيحيّة كلُّها إخلاصٌ لله. فلنفهم هذا! الذين استُشهدوا حبًّا ثبّتوا في كنيستنا أنّ الالتزام إخلاص. ما من شيء، في الكون، أغلى من المسيح وحبّه. هذه ثروتنا الباقية وحياتنا الباقية.

هذا، أي ذكر القدّيسين الشهداء، لا يتعلّق، في تراثنا، بعمل التبخير وحده، بل بكلّ كلمة وحركة تُكوّنان خدمنا العباديّة. كلّنا نعلم أنّ البخور، عندما يحترق، يتصاعد إلى فوق. ربّما بعضنا قرأ صفحاتٍ تفيد أنّنا، في حرقنا البخور، نرجو أن تتصاعد صلواتنا، مثله، إلى الله. ولكنّ ذكر الشهداء القدّيسين يريدنا أن نضيف إلى معنى هذا التصاعد أن يعلو اقتناعُنا بأنّ حبّ المسيح أغلى من حياتنا. هذه شهادتنا.

مثل أيّ عمل نافع آخر، الكنيسةُ ترغب في أن ننقل هذا التبخير إلى منازلنا. إن كنّا نعبد الله أينما حللنا أو نزلنا، ففي منازلنا يُنتظر أن ندرك عبادتنا في حواسّنا كلّها. وفي منازلنا إيقونات وأناس نشاركهم في حياة واحدة. وهذه يجب أن تتبخّر وهؤلاء أيضًا. كلّنا نعلم أنّ بعضنا يعتقدون أنّنا نستعمل البخور، لتطرد رائحته نتانة الشرّ. وهذا اعتقاد لا يعبّر بدقّةٍ عمّا نؤمن به. نحن نطرد الشرّ بطاعة يسوع، أي بمحبّة الكلمة التي يكره الأشرار أن يرَوها متجسّدةً في الناس. أمّا البخور، فلنضفي على حياتنا لونًا عباديًّا.

ما علينا أن نتعلّمه، في العبادة، أنّ كلّ ما نُقدّمه لله من عندنا يرُدّه لنا من عنده. هذا ما ترجوه كنيستنا من تقديم البخور أن يرسل لنا الربّ عوضًا منه «نعمة الروح القدس». ونِعْمَ العطيّة!

 

القديس ملاتيوس بطريرك أنطاكية

وُلد القديس ملاتيوس في ملاطية في أرمينيا، وكان تقيّا، بارّا، مُخْلصا. انتُخب سنة ٣٥٧ مطرانا على سبسطيا، لكنه نُفي بعد فترة الى حلب. بعد ان أُقيل مطران أنطاكية الآريوسي، حاول الأرثوذكسيون من جهة والآريوسيون من جهة ان ينتخبوا مطرانا يوافق معتَقدهم. الكل كانوا يحترمون ملاتيوس، وإذ ظنه الآريوسيون من رأيهم انتخبوه. ما ان استلم مهامه حتى ابتدأ يُعلّم ان الابن مساو للآب في الجوهر. نفاه الإمبراطور قسطنديوس، ابن قسطنطين الكبير، الذي كان آريوسيا. بعد فترة من الزمن أُعيد الى كرسيه، لكنه نُفي للمرة الثالثة بأمر من الإمبراطور فالنس.

القديس ملاتيوس هو الذي رسم القديس يوحنا الذهبي الفم قارئا ثم شماسا. عاش حتى المجمع المسكوني الثاني سنة ٣٨١ حيث ترأس جلساته، ورقد أثناء المجمع. رثاه القديس غريغوريوس النيصصي بكلام مؤثّر جدا واعتبره كأحد الرسل، «الممتلئ من الروح القدس، الذي يقودنا سالمين وسط أمواج الهرطقة العاتية، الربّان الممتاز والقديس وأبو الآباء».  تعيّد له الكنيسة اليوم في الثاني عشر من شباط.

 

وسام الأرز الوطني للمطران جورج

الثلاثاء في ٣١ كانون الثاني ٢٠١٧، في القصر الجمهوريّ، قلّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المطران جورج (خضر) راعي هذه الأبرشية وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر «تقديرا لقامته المهيبة عطاء وحضورا وفعلا في لبنان والكنيسة المشرقية والعالم، رمزا وطنيا جامعا في اللاهوت والفكر الإنساني والانتماء اللبناني العربي الحضاري». وقد حضر غبطة البطريرك يوحنا العاشر والرسميون.

قال رئيس الجمهورية في كلمته: «في حضرة هذه القامة المشرقية الأممية العملاقة، وما تختزنه من تراث يشكّل كنزا ثمينا وسخيا، ليس للطائفة الأرثوذكسية فحسب انما للبنان والعالم، لا بد من التساؤل عمّن هو أحرى بالتكريم والعرفان: أهو المطران جورج خضر، أم اللاهوتي الكبير، أم المفكر الفيلسوف، أم المُصلح الاجتماعي، أم حامل شعلة الضوء والرؤيا في زمن الظلمة والانغلاق؟ لأكثر من نصف قرن من الزمن شكّلت عظاته ومقالاته وكتاباته في الدين والفلسفة والاجتماع رابطا عموديا، ما بين الإنسان والخالق، ومدّا أُفقيا عميقا ما بين الإنسان والإنسان، وكأنه جاء رسولاً في مهمّة تعريف البشر بالله وبأنفسهم.

كل كلام بهذا المطران العظيم يبقى قليلا، وسيبقى ما جاد به كأرغفة السيد المسيح، التي تُشبع الجياع إلى المعرفة والخير والحب والجمال في لبنان والمنطقة، في زمن لا ينقذ العالمَ فيه سوى العودة إلى ما راكمه هذا الفكر من غذاء روحيّ لا ينضب.

أطال الله في عمرك سيدنا المطران العلاّمة، وأَلهمنا السير على خطاك».

ثم تكلم سيادته قال: «شكرا فخامة الرئيس. هذا تقدير يأتي من كرمكم. لا يستحقّ أحد أن يكون في مقام لبنان، غير أننا نتواضع لنتقبّل الإكرام. هذا بلد عظيم يا سيدي، ليس بحاجة لأن يُعظّمه أحد. هو كبير منذ بدء التاريخ. عندما قال سليمان الحكيم: «تعالي معي يا عروس من لبنان!»، كان هو خارج هذا البلد، لكنه أُخِذ به بسبب ما فيه من بهاء وجمال، أي من وعود بالكِبَر. نحن مدعوون بسببٍ من لبنان ان نكون كبارًا. فالحمد لله الذي أَعطى. وله المجد فينا إذا كنّا مطيعين للبنان. وهذا يتطلّب إخلاصا كبيرًا.

أنت تستحقّ لبنان فقط إذا أَخلصت لله وللبلد إخلاصا واحدا. شكرا فخامة الرئيس وقد اخترتم من اخترتم، وهذا لا فقط بسبب من الكرامة التي فيكم والتي اتخذتموها من لبنان. أرجو ان أكون مستحقا، ولكني سأحاول أن أبقى متواضعا في حضرة الله، وفي حضرة الإخوة. وليكن لبنان عظيما».