ocaml1.gif
العدد ٢١: أن يستمرّ النُّور علينا Print
Sunday, 21 May 2017 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ٢١ أيّار ٢٠١٧ العدد ٢١ 

الأحد الخامس بعد الفصح

أحد الأعمى / عيد القدّيسين قسطنطين وهيلانة المعادلَي الرسل

logo raiat web

كلمة الراعي

أن يستمرّ النُّور علينا

«هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت». هذه هي التهمة التي اتّخذها الفرّيسيّون ذريعة ليبعدوا الناس عن يسوع. منذ البدء أصرّ اليهود على ألاّ يُعتَرف بيسوع الناصريّ مسيحًا في شعبه، وصمّموا على إخراج أيّ يهوديّ من المجمع، من الأمّة، إذا اعترف بيسوع المسيح. أدركوا منذ البدء أنّهم لو اعترفوا بالمسيح فإنّما عليهم أن يغيّروا شيئًا بأنفسهم، بتفاسيرهم، بمواقفهم وأنّ هذا يعرّض أمّتهم على ألاّ تبقى متماسكة. فإنّهم لو اعترفوا بيسوع مسيحًا لكانت الرسالة خرجت من إسرائيل إلى العالم، ولكانت الأمم دخلت في الميراث وانهارت زعامة الفرّيسيّين. إذ ذاك يصير المسيح سيّدًا على الشعب وتتّسع حدود الأمّة وتصبح كنيسة واحدة تضمّ الجميع وكان هذا خطرًا عليهم.

كان السبت في نظرهم يومًا مخصّصًا للربّ لا يُعمل فيه أيّ عمل، واعتبروا الشفاء عملاً. فضّلوا التمسّك الحرفيّ بالشريعة على عمل الخير. وجدوا ذريعة ليس في شريعة موسى بل في تفاسيرهم لشريعة موسى. وجدوا ذريعة لكي ينقضّوا على يسوع ويميتوه، ولذلك أخذوا يجادلون في أمر الذي شُفي: أأنت أعمى؟ من قال إنّك أعمى؟ أين الشهود على أنّك كنت أعمى؟ طبعًا كانوا يعرفون أنّه أعمى، كانوا يرونه في كلّ مكان، لكنّهم أرادوا أن ينفوا الشفاء وألاّ يعترفوا بيسوع صانع معجزات.

أمّا الأعمى فقد اعترف طبعًا بالمعجزة، صارت معه. وأبواه اللذان كان مغضوبًا عليهما من اليهود، اعترفا بها أي أنّ الإنجيل يبيّن لنا أن مَن كان مظنونًا على أنّه مستنير، أعني اليهود، كان الأعمى. والأعمى منذ مولده صار بصيرًا، أي انقلبت الآية، من ظنّوا أنفسهم في النُّور كانوا حقًّا في الظلام لأنّهم جعلوا أنفسهم ضدّ المسيح، والذي كان في الظلام صار في النُّور لأنّه آمن بالمسيح. كلّ من اتّبع المسيح يصبح في النُّور.

تقرأ الكنيسة هذا الإنجيل اليوم لأنّها كانت في هذه الفترة الفصحيّة تعلّم الذين اعتمدوا في سبت النُّور على الإنجيل. ولهذا نقرأ إنجيل يوحنّا في هذه الفترة لأنّه يحتوي على تعليم كبير يتعلّق بالمعموديّة والأسرار. وإنجيل شفاء الأعمى الذي يُقرأ اليوم يرمز إلى الخلاص الذي ناله المبصرون الجدد أي المُعمّدون، كانوا عميانًا قبل المعموديّة فأبصروا.

قد يكون الإنسان مسيحيًّا ومع ذلك يبقى أعمى، ليس لأنّ إيمانه أعمى لكن لكونه لم يبقَ على إيمانه، ويظلم من جديد من بعد نُور. السلوك السيّئ ظلام يدخل إلينا من جديد من بعد النُّور ويجعلنا عميانًا. فإذًا لا نفتخر بأنّنا مسيحيّون، هذا لا يكفي، بل نفتخر بأنّنا نطيع وصايا الله. القضيّة هي أن يستمرّ النُّور علينا، لا أن نأخذ النُّور بالمعموديّة في طفولتنا ونبقى عند هذا الحدّ. الأمر كلّه أن نبقى معمّدين أي أن نسلك سلوك المعمّدين، كأنّ النُّور يُعطى لنا كلّ يوم بالعمل الصالح. المعمودية تجدّد، لا بالماء، ولكن بالعهد الذي نقطعه على أنفسنا في حضرة المسيح كلّ يوم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ٢٦: ١، ١٢-٢٠

في تلك الأيّام قال الملك أغريبّاس لبولس مأذون لك أن تتكلّم على نفسك. فحينئذ بسَطَ بولس يدَه وطفق يحتجّ: لمّا انطلقتُ وأنا على ذلك إلى دمشق بسلطان وتوكيل من رؤساء الكهنة، رأيت في نصف النهار على الطريق أيّها الملك نورًا من السماء يفوق لمعان الشمس، قد أبرقَ حولي وحولَ السائرين معي. فسقطنا جميعنا على الأرض وسمعت صوتًا يكلّمني ويقول باللغة العبرانيّة: شاول، شاول، لمَ تضطهدُني. إنّه لصعب عليك أن ترفس مناخس. فقلتُ: من أنتَ يا ربّ؟ فقال الربّ: أنا يسوع الذي أنتَ تضطهده. ولكن قم وقفْ على قدميك فإنّي لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيتَ وبما سأظهر لكَ فيه. وأنا أنجّيك من الشعب ومن الأمم الذين أنا مرسلُك الآن إليهم، لتفتَح عيونهم فيرجعوا من الظلمة إلى النُّور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتّى ينالوا مغفرة الخطايا وحظًّا بين المقدَّسين بالإيمان الذي بي. فمن ثمّ أيّها الملك أغريبّاس لم أكن معاندًا للرؤيا السماويّة، بل بشّرت أوّلاً الذين في دمشق وأورشليم وأرض اليهوديّة كلّها، ثمّ الأمم أيضًا بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله عاملين أعمالاً تليق بالتوبة.

 

الإنجيل: يوحنّا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مـن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الـذي أرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور الـعالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينًا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرًا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنّه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلاً أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يوم سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفرّيسيّين: هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ على أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟ فقال: إنّه نبي. ولم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا ولدنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعـلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهو يتكلّم على نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود، لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الـذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدا لله، فإنّا نَعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنما أعلم شيئًا واحدًا أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجًا. وسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيّد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا ربّ، وسجد له.

 

إيضاح الرسالة

ألقى الرومان القبض على بولس بسبب البلبلة التي أثارها اليهود في أورشليم بحجّة أنّه دنّس الهيكل (أعمال ٢١: ٢٧-٣٢). قيّده آمر الكتيبة بسلسلتين (أعمال ٢١: ٣٣) ظانًّا أنّه «المصريّ الذي صنع قبل أيّام فتنة وأخرج إلى البرّيّة أربعة الآلاف الرجل من القتلة» (أعمال ٢١: ٣٨). خلال فترة سنتين من الاعتقال، عجز اليهود عن إثبات أيّ جرم ضدّه أمام الوالي فيلكس، الذي بدوره تقصّد احتجازه طوال هذه الفترة «راجيًّا أن يعطيه بولس دراهم ليطلقه» (أعمال ٢٤: ٢٦). تعيّن فستوس واليًّا جديدًا عوضًا من فيلكس، وحاول اليهود مجدّدًا راجين استمالة الوالي الجديد ليحكم على بولس، لكنّ الأخير إذ ساوره الشكّ من جهة نيّة الوالي، تحصّن بحقّه كمواطن رومانيّ والتمس رفع دعواه إلى القيصر (أعمال ٢٥: ١-١٢). زار الملكُ اليهوديُّ أغريباس الوالي فستوس مهنّئًا، فأعلمه الأخير بقضيّة بولس ملتمسًا مشورته، فعبّر أغريبّاس عن رغبته بسماع بولس (أعمال ٢٥: ١٣-٢٢). تمّ الأمر في اليوم التالي إذ «جاء أغريبّاس وبرنيكي في احتفال عظيم ودخلا إلى دار الاستماع مع الأمراء ورجال المدينة المقدّمين فأمر فستوس بإحضار بولس» (أعمال ٢٥: ٢٢-٢٧).

لاحظ بولس أنّ الحاضرين هم من نخبة أهل المدينة، فعندما أذن له الملك بالكلام، خاطبهم بحرص شديد وتركيز كامل، بأسلوب مفعم بالتشويق والإثارة، ليس للدفاع عن نفسه بل لإبهارهم واصطيادهم. يروي أنّه كان متّجهًا نحو دمشق متحصّنًا بتكليف رسميّ من رؤساء الكهنة لاعتقال المسيحيّين ومعاقبتهم (أعمال ٢٦: ٩-١١). لكنّ الربّ يسوع اعترض مسيرته وتجلّى له برؤيا إلهيّة وكلّفه بمهمّة جديدة تناقض بالكامل مهمّاته السابقة. يعرض بولس مشهد الرؤيا مستعملاً عناصر من أسفار أنبياء العهد القديم، يألفها الحضور من اليهود وبالأخصّ الملك. يستهلّ بولس الرؤيا ببريق النُّور ويحدّد السماء مصدرًا له، ليزيل أدنى شكّ لدى السامعين أنّ الأمر نتاج خدعة بشريّة. أمّا لمعانه فيفوق ذروة توهّج الشمس عند الظهر للدلالة على أنّ هذا لمعان نور مجد الربّ. أمضى موسى أربعين يومًا على الجبل معرّضًا لنور مجد الربّ، فصار وجهه لامعًا لدرجة أنّه سبب الذعر في قلب أخيه هارون وقلوب الشعب، فخافوا أن يقتربوا إليه إلى أن أسدل برقعًا على وجهه (خروج ٣٤: ٢٧-٣٥؛ ٢كورنثوس٣: ١٣-١٦). هذا النُّور ذاته عاينه على جبل التجلّي بطرس ويعقوب ويوحنّا صادرًا من وجه يسوع (متّى ١٧: ١-٨؛ مرقس ٩: ١-٨؛ لوقا ٩: ٢٨-٣٦). حرص بولس على ذكر مرافقيه ليؤكّد حضور شهود عيان يثبتون صحّة ما يصرّح به، وها هم ينطرحون أرضًا تحديدًا كما يصف الأنبياء السلوك النموذجيّ الناتج من وطأة النُّور الإلهيّ. أمّا الصوت فلا يسمعه سوى بولس، لأنّه كالأنبياء معنيٌّ وحده بالرؤيا والتكليف المنبثق عنها، وما يذكره عن التكلّم باللغة العبريّة، ومناداته باسمه العبريّ شاول عوضًا من بولس، فهو للجزم بأنّ الإله المُعتلن هو نفسه إله العبرانيّين المذكور في الأسفار المُقدّسة.

«صعب عليك أن ترفس مناخس». المنخس أو المهماز هو قطعة من معدن حادّ يُثبّت أسفل حذاء الفارس ويُستعمل لوخز الحصان دافعًا إيّاه للسير. أمّا الرفس فهو ردّ فعل الحصان لمقاومة الأمر، إلاّ أنّه مهما علا الحصان برفسه فلن يستطيع بلوغ المهماز. فما يقوله الربّ لبولس: أنت لن تستطيع أن تقاومني وتنجح، فالأجدر بك أن تنصاع لرغبتي وتنطلق إلى حيث أوجّهك أنا. لا شكّ في أنّ بولس أدرك أنّه موجود بحضرة الإله ولا بدّ من أنّ الحيرة تملّكته، لأنّه كان يعرف جيّدًا أنّه اضطهد أتباع يسوع، لذلك وجد نفسه مضطرًّا إلى طرح السؤال: «مَن أنت يا سيّد؟» عرّف يسوع عن نفسه بكلام صارم لا يحتمل التأويل: «أنا يسوع الذي تضطهده»، وتابع قائلاً بسلطان مُطلق «ولكن قم وقف على رجليك» ما معناه: لست في ما بعد سيّد نفسك، بل أنا مَن يُمسك بزمام الأمور، وهذه الرؤيا الّتي تعاينها ليست لردعك عمّا ترتكبه فقط بل «لأنتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيت وبما سأظهر لك به». يأمره يسوع بالوقوف كما وقف الأنبياء قديمًا (حزقيال ٢: ١-٣) وكما يقف الخادم بين يدي سيّده ليتسلّم مهامه، التي في حالة بولس تُترجم بالشهادة لما عاين ولما سيمدّه به يسوع على مدى الأيّام القادمة، ليفتح عيون الناس وينير بصائرهم. وكما طمأن الربّ النبيّ إرميا قديمًا قائلاً له: «لا تخف من وجوههم لأنّي أنا معك لأنقذك...» (إرميا١: ٨)، أعلم يسوع بولس أنّه يُنقذه من الشعب -أي من اليهود الذي ينبغي أن يرجعهم من الظلمة إلى النُّور- ومن الأمم - أي الوثنيّين الذي ينبغي أن يحرّرهم من سلطان الشيطان ليرجعوا إلى الله- فينالوا بواسطة الإيمان بيسوع «غفران الخطايا» ونصيبًا في ملكوت الله مع جماعة القدّيسين.

عند هذه المرحلة وجّه بولس كلامه إلى الملك أغريبّاس خصّيصًا، وأوضح له أنّ اعتقاله ومثوله أمامه اليوم هما نتيجة طاعته الفوريّة للرؤيا، وأنّه بأمانة تامّة بشّر على مدى السنين بما سبق وأعلنه الأنبياء حول آلام المسيح وقيامته من الموت (أعمال ٢٦: ١٩-٢٣). أدرك الملك أغريبّاس عند هذه المرحلة نيّات بولس الحقيقيّة الكامنة في حديثه، وهي بالضبط ما كُلّف به بالرؤيا: أن يشهد للمعاينة لينير الحاضرين عساهم يؤمنون بيسوع. لذلك «قال لبولس بقليل تقنعني بأن أصير مسيحيًّا» (أعمال ٢٦: ٢٨)، عندها أفصح بولس عن نيّاته بصدق قائلاً: «كنت أصلّي إلى الله أنّه بقليل وبكثير ليس أنت فقط بل أيضًا جميع الذين يسمعونني اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود» (أعمال ٢٦: ٢٩). لم يخطّط بولس ليدافع عن نفسه أمام الملك والحضور، إنّما جلّ ما أراده هو أن يستغلّ الفرصة ليبشّر بيسوع ويلقي القبض على الحاضرين بشبكة الحياة الأبديّة.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: الصعود

التلميذ: أعلن الكاهن أنّنا سنعيّد يوم الخميس المقبل لصعود ربّنا يسوع المسيح إلى السماء. بعد الاجتماع قال أحد الرفاق إنّه يشعر بالحزن لأنّ بهجة الزمن الفصحيّ انتهت ويسوع يتركنا، ولن يعود حاضرًا بين التلاميذ بالطريقة ذاتها. أنا أعرف أنّ الصعود من أكبر الأعياد المسيحيّة لكنّني لم أعرف كيف أبدّد حزن رفيقي. هل تساعدني؟

المرشد: هل تذكّر رفيقك أنّ تلاميذ يسوع لم يكن لديهم ردّ الفعل هذا. كان ممكنًا أن يحزنوا لكنّهم على العكس «رجعوا إلى أورشليم بفرح كبير»، كما نقرأ في إنجيل لوقا (٢٤: ٥٢). قل لرفيقك إنّه علينا أن نفرح مثل التلاميذ.

التلميذ: قلتَ لنا سابقًا إنّ يسوع أعطى تلاميذه مهمّة قبل صعوده إلى السماء.

المرشد: نعم. نقرأ في أعمال الرسل أنّ يسوع قال لتلاميذه قبل أن يرتفع عنهم: «ستنالون قوّة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم... وإلى أقاصي الأرض» (١: ٨) كما نقرأ في آخر إنجيل متّى (٢٨: ١٩-٢٠) «إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به». ليست هذه المهمّة مهمّة الاثني عشر فقط، إنّها مهمّة كلّ الذين يؤمنون بيسوع المسيح، إنّها مهمّة الكنيسة.

التلميذ: نعم تكلّمنا على هذا سابقًا.

المرشد: يمكنك أن تقول لرفيقك الحزين إنّ يسوع لم يصعد إلى الآب بمفرده. يسوع، بعد تجسّده وموته وقيامته يدخل ملكوت السموات ويُدخل معه الطبيعة البشريّة التي لبسها. إنّه يفتح أبواب الملكوت أمام البشريّة كما يقول الرسول بولس إنّ الله «... قد أقامنا وأجلسنا في السموات في المسيح يسوع» (أفسس ٢: ٦). والخبر المفرح الأخير هو أنّه سيرجع. كما قال الملاك للتلاميذ: «إنّ يسوع الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء» (أعمال ١: ١١).

Last Updated on Monday, 15 May 2017 06:12