ocaml1.gif
العدد ٤٧: توبوا Print
Sunday, 19 November 2017 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ١٩ تشرين الثاني ٢٠١٧ العدد ٤٧ 

الأحد الرابع والعشرون بعد العنصرة

النبيّ عوبديا والشهيد برلعام

logo raiat web

كلمة الراعي

توبوا

توبوا فقد آمنتم وأرسلتم النفس لله. توبوا أي عودوا إلى هذا الذي تركتموه أي الله، التوبة وحدة مع الله، وجود فيه، كيان فيه. الخطيئة لصوق بما ليس الله، باللاشيء، أن تُسمّي شيئًا ما ليس بشيء. أي أنّها عودة إلى العدم، إلى اللا إله، إلى العتم، إلى اللارؤية. والرؤية رؤية الله بالطهارة: «طوبى لمن غُفِرت ذنوبهم وسُتِرت خطاياهم. طوبى لمن لم يحسب الله لهم خطيئة».

ما أنا بشيء يا ربّ. ما أنا بشيء، وأنت تعرف. اتركني في عينيك لعلّي أوجد وارحمني لأنّ رحمتك كلّ شيء، هي الركن والعزاء. ومن بعد السقوط هي التكوين. اللّهمّ لا تنس جبلتك فإنّي ضعيف، وربّني على رأفتك.

أشرب من الماء الحيّ؟ متى آكل خبز السماء؟ هل تعود السماء إلى هنا؟ أم أنا في ميتات لا تنتهي؟ قبل أن تتكلّم لست أعلم شيئًا. ارحمني يا ربّ فأذوقك.

هاتِ يدك فاعتصم وقل لي ليس لك يدٌ أخرى تعضدك. علّمني أن أعمل رضاك لأنّك أنت وحدك المولى. ولا تكسر جناحي إليك لكي أصل. التوق إليك كلّ شيء، عندي توقٌ لا تردّه حتّى لا أفنى.

هذا الاشتياق عضدي لكي تبقى الطريق. لا ترمني في سَيري إليك ولا تُخفِ عنّي الهدف كيلا أخاف. أضئ الطريق إذًا خطوة خطوة. بعد هذا يزداد إيماني.

سلّم إيماني لأنّه هو الذي علَّمني الحقّ، لا أريد شيئًا غير إيماني إذ أرى أنّه هو الذي يبقى. إيماني هو الحقّ. كانت أمي تقول «اجعلني أموت على الإيمان الحقّ». هذه المرأة البسيطة كانت تعرف أنّ في الدنيا كلمات زائفة، فاسدة، وأنّ استقامة الرؤية هي كلّ شيء!

أعطني الرؤية حتّى لا أموت. بعد هذا كلّ شيء هيّن. تعالَ. كلّ الأشياء الحسنة منك. تعال فنفرح. الإقامة في الله نهاية الفرح. علّمني أن أعمل رضاك لأنّك صاحب الأمر عندي، لأنّ حقيقتي كلّها في انسجامي معك. أنا أكون إذا كنتُ فيك. هكذا أعرف أنّي موجود. غير ذلك زيفان.

الرؤية رؤية الله. قبل ذلك تمتمات. رؤية الله أن ترى كلّ شيء فيه، أن تعود إليه وتستمدّ كلّ شيء منه، أن تُسَخّر له كلّ شيء. الله ممدود في الأشياء بلا انصهار. الله مدى الأشياء وإلّا لما كانت. تتجدّد إذا جدّدها وأحياها.

توبوا أي تحوّلوا الى الله بحيث لا يسكن قلوبكم آخر. الله لا يقبل له شريكًا في القلب. افتحوه له وحده. يمتلئ القلب من كلّ خير وحقّ.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: أفسس ٢: ١٤-٢٢

يا إخوة، إنّ المسيح هو سلامُنا، هو جعل الاثنين واحدًا ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة، وأبطل ناموس الوصايا في فرائضه ليَخلُقَ الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا بإجرائه السلام، ويُصالح كليهما في جسد واحد مع الله في الصليب بقتله العداوة في نفسه، فجاء وبشّركم بالسلام، البعيدِينَ منكم والقريبين، لأنَّ به لنا كِلينا التوصُّلَ إلى الآب في روح واحد. فلستم غرباءَ بعد ونُزلاءَ بل مواطني القدّيسين وأهل بيت الله، وقد بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء، وحجر الزاوية هو يسوع المسيح نفسه، الذي به يُنسّق البنيان كلُّه فينمو هيكلاً مقدّسًا في الربّ، وفيه أنتم أيضًا تُبنَوْن معًا مسكنًا لله في الروح.

 

الإنجيل: لوقا ١٢: ١٦-٢١

قال الربّ هذا المثل: إنسان غنيّ أَخصبت أرضُه ففكّر في نفسه قائلًا: ماذا أصنع فإنّه ليس لي موضع أخزن فيه أثماري. ثمّ قال: أَصنع هذا. أهدم أهرائي وأبني أكبر منها وأجمع هناك كلّ غلّاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفس إنّ لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، فاستريحي وكُلي واشربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهل، فـي هذه الليلة تُطلب نفسك منك. فهذه التي أَعـددتها لمن تكون؟ فهكذا من يدّخر لنفسه ولا يستغني بالله. ولمّا قال هذا نادى: من له أُذنان للسمع فليسمع.

 

إيضاح الإنجيل

احتدم النقاش بين الربّ يسوع من جهة والكتبة والفريسيّين والناموسيّين من جهة أخرى، فانتقدهم على أدائهم، ووبّخهم على تقصيرهم (لوقا ١١: ٣٧-٥٢)، عندها ابتدأوا «يحنقون جدًّا ويصادرونه على أمور كثيرة، وهم يراقبونه طالبين أن يصطادوا شيئًا من فمه لكي يشتكوا عليه» (لوقا ١١: ٥٣-٥٤). على الأثر حذّر تلاميذه من رياء الفرّيسيّين، وشجّعهم على المجاهرة بالإيمان، غير عابئين بالمخاطر، واثقين بالله، متّكلين على فعل الروح القدس (لوقا ١٢: ١-١٢). فجأة، والكلام في ذروته، انبرى واحد من الجمع، وطلب إلى يسوع أمرًا لا يمتّ إلى الحديث بأيّة صلة: «يا معلّم قلْ لأخي أن يقاسمني الميراث» (لوقا ١٢: ١٣). يا لغرابة هذا المشهد وتأثير وقعه على الربّ يسوع إذ جاوبه بشيء من الجفاء قائلًا: «يا إنسان! من أقامني عليكما قاضيًّا أو مقسّمًا؟» (لوقا ١٢: ١٤). على أثر ذلك، ورغم انقطاع الموضوع الرئيس، توجّه الربّ إلى الجموع وقال «انظروا وتحفّظوا من الطمع، فإنّه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله» (لوقا ١٢: ١٥)، ثمّ ضرب لهم هذا المثل مظهرًا الخطر الناجم من الاتّكال على المال عوضًا من الاتّكال على الله.

«إنسانٌ غنيٌّ أخصبت كورته». كانت المواسم الزراعية في زمن يسوع متفاوتة وعرضة لأخطار مختلفة بسبب المناخ والجراد والأوبئة. يُظهر الربّ أنّ الغنيّ، بعد أن عبرت كلّ معالم الأخطار، استنتج أنّه قادم على موسم مميّز ووافر جدًّا، وعليه أن يتصرّف بسرعة. «ففكّر في نفسه قائلاً: ماذا أصنع؟». يظهر تفكيره للوهلة الأولى إيجابيًّا وعمليًّا وحكيمًا، يستغني عن أهرائه السابقة ويبني أضخم منها ليخزّن فيها المحصول. لكن سرعان ما تتّضح نيّاته الضيّقة وبصيرته المحدودة التي دفعته إلى اتّخاذ هذا القرار. اعتقد أنّ هذه الغلال كافية لتجعله يطمئنّ ويضمن لنفسه حياة مديدة هانئة سعيدة، فلماذا يفوّت الفرصة ويعرّض نفسه مجدّدًّا لتقلّبات المواسم؟ يهدم الأهراء العاديّة التي تُخزّن فيها مؤونة عام كامل، ويبني أهراء ضخمة كافية لتستوعب المحصول الذي يكفي لسنين كثيرة تعادل على الأرجح عمرًا كاملاً. ظنّ المسكين أنّه بتخزين الغلال يطمئن على حياته، ويكون في مأمن من تقلّبات الظروف وأخطارها، ويصير محصّنًا ثابتًا لا يتزعزع أمام المصاعب ويغرف من الحياة قدر ما يشتهي مستريحًا في أكل وشرب ورفاهية.

فات الغنيّ أنّ ضمانة الحياة ليست بالمأكل والمشرب والرفاهية. سلّط الربّ يسوع الضوء على الضمانة الفعليّة للحياة عندما صمد أمام تجربة الشيطان في البرّيّة. فبعد أن صام أربعين يومًا وليلة، وافاه الشيطان قائلًا «إن كنت ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا، فأجابه الربّ قائلاً: مكتوبٌ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة من الله» (لوقا ٤: ٤). كما فاته أنّ الله هو منبع الحياة ومتّكلها، وأنّ كلمة الله المحيية هي غذاء الحياة الحقّ. غاب عن وجدانه التحذير الوارد في الشريعة ومفاده: «متى أكلت وشبعت تبارك الربّ إلهك لأجل الأرض الجيّدة التي أعطاك. احترز من أن تنسى الربّ الهك ولا تحفظ وصاياه وأحكامه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم. لئلّا إذا أكلت وشبعت وبنيت بيوتًا جيّدة وسكنت وكثّرت بقرك وغنمك، وكثّرت لك الفضة والذهب، وكثر كلّ ما لك يرتفع قلبك وتنسى الربّ إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبوديّة» (تثنية ٨: ١٠-١٤). لم يكلّف الغنيّ نفسه أن يشكر الله ويباركه، بل رغم تحذير الشريعة نسي الله بالكامل ولم يأتِ على ذكره، جلّ ما خطط له ينحصر بنفسه، إذ بكلامه يعكس أنانيّة عميقة. لم يكن لأخيه الإنسان مكان في مخطّطاته أيضًا، لذلك أراد أن يحتفظ بكلّ شيء لنفسه، ولم يطرأ على ذهنه أن يشارك ويوزّع ويتصدّق تماشيًّا مع ما توصي به الشريعة في الأسفار المقدّسة.

«هذه التي أعددتها لمن تكون؟» يوحي كلام الربّ يسوع، في خلاصة المثل، أنّ الغنيّ أنجز مخطّطاته، بنى أهراءه وخزّن محصوله، لكنّ عينيه أمستا على ظلمة لم يعقبها نور، وفقد حياته في الوقت الذي اعتقد أنّه وجدها، فضاع كلّ تعبه في هذا الاتّجاه سدى. عالج القدّيس يعقوب أخو الربّ موضوعًا مشابهًا في رسالته حيث يقول: «هلمّ الآن أيّها القائلون نذهب اليوم أو غدًا إلى هذه المدينة أو تلك، وهناك نصرف سنة واحدة ونتاجر ونربح. أنتم الذين لا تعرفون أمر الغدّ لأنّه ما هي حياتكم. إنّها بخار يظهر قليلًا ثمّ يضمحلّ عوضًا من أن تقولوا إن شاء الربّ وعشنا نفعل هذا او ذاك» (يعقوب ٤: ١٣-١٥). «إن شاء الربّ وعشنا» كم هو جميل هذا التعبير، لكن ما سمعه الغنيّ يخلو من كلّ جمال: «يا جاهل، في هذه الليلة تُطلب نفسك منك».

لا يتعمّد الله سلب الإنسان حياته، على العكس «حيٌّ أنا يقول السيّد الربّ: إنّي لا أُسرّ بموت الشرّير، بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا» (حزقيال ٣٣: ١١). أظهر الربّ يسوع بهذ التصريح القاسي جسامة انحراف الإنسان وضلاله. عمل الغنيّ جاهدًا لتأمين استمرار حياته ولكن في الاتّجاه المعاكس. الله هو الحياة، وكلّ بحث عن الحياة بمعزل عن الله سرابٌ ووهم يقود إلى الموت والهلاك الذي هو مصير «كلّ من يدّخر لنفسه ولا يستغني بالله».

إنّ الأمثولة من وراء مصير الغنيّ تدفع المؤمن إلى الثقة بالله في الظروف كافّة وإلى التحرّر من هاجـس الطعام واللباس والإرث والمال. الاهتمام المفرط بكلّ هذا لا يجدي نفعًا إذ «لا يقدر من يهتمّ أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة» (لوقا ١٢: ٢٥) مهما عظمت جهوده. ما من متّكل سوى الله، هذا ما كان يعلّمه يسوع قبل أن يقاطعه واحدٌ من الجمع. لذلـك عاد الربّ يسوع إلى سياق تعليمه، وقال على أثر المثل: «لا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا، فإنّ هذه كلّها تطلبها أمم العالم، وأمّا أنتم فأبوكم يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذه، بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلّها تُزاد لكم» (لوقا ١٢: ٢٩-٣١). مَن اهتمّ بطلب الربّ لا يُعدم شيئًا، بل يتعالى عن حاجاته ويكون غنيًّا في فقره وفقيرًا لوجه الله في بذل غناه.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: الخطيئة والتوبة

المرشد: كلمة الراعي اليوم «توبوا». أمامنا في الانجيل أربعة أمثلة عن الخطيئة والتوبة: زكّا العشّار لا يعرف أنّه خاطئ، والعشّار في مثل الفرّيسيّ والعشّار واعٍ تمامًا أنّه خاطئ ويطلب الرحمة، والفرّيسيّ الذي يعتقد أنّه لا يخطئ، والابن الشاطر (الضالّ) الذي اختبر أتعس حالات الخطيئة.

التلميذ: ما هي خطيئة زكّا؟

المرشد: كان زكّا عشّارًا أي أنّه مسؤول عن جباية الضريبة. عمله ليس خطيئة بحدّ ذاته، لكنه مناسبة ليظلم الناس ويقسو عليهم بسبب السلطة التي يتمتّع بها. يرينا الإنجيلُ زكّا باحثًا عن يسوع يريد أن يعرف عنه، أن يلتقي به، فيتجاوز كلّ الصعوبات، يسأل عن مكان وجوده، يدفع الناس حوله ويصعد على الشجرة ليراه. هذا الاستعداد وهذه اليقظة الروحيّة والتوق الى يسوع هي ما نتعلّمه من زكّا. هذه مرحلة تسبق التوبة وتقود إليها.

التلميذ: العشّار في مثل «الفرّيسيّ والعشّار» كان يعرف أنّه خاطئ، وجاء إلى الهيكل تائبًا يصلّي. لكنّ الفرّيسيّ لم يتب، لماذا؟ أليس بحاجة إلى التوبة؟

المرشد: طبعًا هو بحاجة إلى التوبة أكثر من غيره. لكنّه تكبّر على غيره واعتقد أنّه لا يمكن أن يخطئ لأنّه ينفّذ بعض الوصايا. هذا موقف شائع في أيّامنا وخطيئته الكبرياء. نرتّل في أحد الفرّيسيّ والعشّار «لنهربنَّ من كلام الفرّيسيّ المتشامخ، ونتعلّم بالتنهيدات تواضع العشّار هاتفين إلى المخلّص اغفر لنا». هذه باختصار العبرة التي نأخذها من هذا المثل.

التلميذ: قلت إنّ الابن الشاطر عاش في الخطيئة تعيسًا، لكنّ الأب غفر له بسرعة من دون تردّد. الأمر يختلف في إنجيل الدينونة الذي يُقرأ في أحد مرفع اللحم حيث يعامل الربّ الناس بقسوة، لماذا؟

المرشد: الفرق بين الموقفين أنّ الابن الضالّ وعى وضعه التعيس، واشتهى أن يعود إلى بيت أبيه فتاب عن الخطيئة. أمّا في إنجيل الدينونة فنرى الناس واقفين أمام الله غير واعين أنّهم قصّروا في المحبّة: «متى رأيناك جائعًا أو عريانًا أو محبوسًا أو غريبًا... ولم نخدمك؟».

 

النبيّ عوبديا

هو كاتب أصغر أسفار الأنبياء الاثني عشر الصغار، الذي يقع في إصحاح واحد من ٢١ آية، ويُعلن النبيّ فيه أنّ «يوم الربّ قريب» بعدما اشتدّت الظلمة بعد سقوط أورشليم. قد يكون إذًا زمن نشأة سفر عوبديا قريبًا من السنة ٥٨٧ قبل الميلاد.

لا يُعرف أصل النبيّ عوبديا. قد يكون هو المذكور في سفر الملوك الأوّل (الإصحاح ١٨)، الذي كان مدبّرًا لبيت آخاب الملك.  وحينما قتلت إيزابيل الملكة أنبياء الربّ، أخذ عوبديا مئة نبيّ وخبّأهم في المغاور... وعالهم بخبز وماء». أرسله الملك إلى العيون والأودية ليبحث عن عشب للخيل والبغال لأن الجفاف في الأرض كان عظيمًا والبهائم مهدّدة بالموت. في الطريق التقى النبيّ إيليّا الذي ارتضى أن يقابل الملك. بعد ذلك ترك عوبديا خدمة الملك وصار تلميذًا لإيليّا.

 

تصرّف المؤمن المحبّ

عظة للقدّيس غريغوريوس النزينزيّ (٣٢٩-٣٩٠)

مغبوط الإنسان الذي يحوي في ذاته المحبّة لأنّه يحوي الله في ذاته، فإنّ «الله محبّة». من يثبت في المحبّة يثبت في الله. من حوى المحبّة لا يرفض أحدًا البتّة لا صغيرًا ولا كبيرًا، لا شريفًا ولا وضيعًا، لا فقيرًا ولا غنيًّا. من له المحبّة لا يترفّع على أحد، ولا يتشامخ، ولا يعتاب أحدًا.

من له المحبّة لا يسلك بغش، ولا يعرقل أخاه. لا يغار، ولا يحسد، لا ينافس، ولا يفرح بسقوط الآخرين. من له المحبّة لا يحسب أحدًا غريبًا، بل يعتبر الجميع أهله وأقاربه.

لذلك أيّها القويّ والغنيّ ساعدا المريض والفقير، وأنت أيّها الواقف أسعف الواقع والمكسور، وأنت أيّها المتفائل أسنُد المتشائم، وأنت أيّها الناجح شجّع الفاشل. أظهر لله شكرك على أنّك بين القادرين على صنع الخير. كن أخًا للفقير في تشبّهك برحمة الله، فما من شيء يقتبسه الإنسان من الله مثل الرحمة.

كلّ إنسان ذي جسد هو عرضة الأمراض الطبيعيّة، وخصوصًا إذا سار متطاولًا، لا ينظر إلى المطروحين أمامه على الأرض. فمُدّ يدك إلى من يغرق، ما دامت الريح مؤاتية لك، وأحسن إلى البائس ما دُمت ميسورًا ناجحًا.

تعلّم من شقاء غيرك، تعلّم أن تعطي المحتاج قليلًا. فلا قليل عند من لا يملك شيئًا، ولا عند الله، إذا كان العطاء على قدر المستطاع.

وإن لم يكن لديك ما تُعطي، فأعطِ من نشاطك، أعطِ وقتك، فذلك أعظم تفريج لغمّ المعذب أن يجد قلبا يعطفُ عليه، ويخفّف شيئًا من شقائه...

Last Updated on Friday, 10 November 2017 23:14