ocaml1.gif
العدد ١٢: مريم العذراء Print
Saturday, 24 March 2018 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ٢٥ آذار ٢٠١٨ العدد ١٢ 

عيد بشارة والدة الإله

الأحد الخامس من الصوم (القدّيسة مريم المصريّة)

logo raiat web

كلمة الراعي

مريم العذراء

في المديح الكبير الذي رتّلناه يوم الجمعة تدور كلّ المعاني حول تطويب العذراء مريم من قبَل الملاك. ما يلفتنا هو تعظيم مريم أنّها «عروس لا عريس لها». تعظيم لفتاة عذراء كانت منفّذة للمشيئة الإلهيّة وناقلة ابن الله إلينا بالجسد. أعطت ابن الله من جسدها وهي تاليًا مرتبطة بالمسيح ارتباطًا كلّيًّا، لذلك عندما كان السيّد على الصليب توجّه إلى تلميذه الحبيب وقال: «هذه أمّك» ومنذ تلك اللحظة أخذها التلميذ الحبيب إلى خاصّته. (يوحنّا ١٩: ٢٧).

هذا الكلام لا ينتهي مفعوله بموت السيّد ولكنّه يكمّل إلى الآن، أي أنّ مريم أصبحت أمًّا لكلّ تلميذ حبيب وأصبح كلّ تلميذ ليسوع يأخذها إلى خاصّته، أي أنّ هناك اتّصالاً روحيًّا بين النفس المسيحيّة ووالدة الإله. وهذا تبيّن يوم العنصرة عندما وجدت العذراء في علّيّة صهيون مع الرسل ومع الإخوة الذين كانوا حول يسوع من التلاميذ الاثني عشر أو من السبعين الذين كانوا يتبعون يسوع من حين إلى آخر. (أعمال الرسل ١: ١٣-١٤).

هناك كانت الكنيسة الأولى: الاثنا عشر والتلاميذ مع النساء الحاملات الطيب والتلاميذ ومريم في الوسط.

يشير هذا أيضًا إلى أنّه كلّما نجتمع في الكنيسة حتّى يحلّ علينا الروح القدس تكون مريم في وسط الكنيسة. في كلّ اجتماع مقدّس يُذكر فيه السيّد لها فيه الذكر أيضًا.

المهمّ ليس فقط أن نذكر العذراء أمّنا وحاضنة لنا كما كانت حاضنة ليسوع، ولكنّ الأهمّ أن نتعلّم من العذراء مريم. ليست المسيحيّة تذكارات، ليست أشياء ماضية نتغنّى بها كما يتغنّى أحدنا بأبيه وجدّه وأقربائه ويتحدّث بأشياء مضت في عائلته. لا، الكنيسة المسيحيّة حيّة وقائمة، لذلك عندما نذكر العذراء لا نذكرها فقط لأنّها ولدت المسيح بالجسد، وهذا طبعا صحيح، لكنّنا نأخذ منها عبرات، نأخذ منها دروسًا لحياتنا اليوميّة.

ماذا يعني هذا الكلام لكلّ واحد منّا؟ ماذا يعني أن يتعلّم المتزوّجون والمتزوّجات من العذراء؟ ما نأخذه من والدة الإله هو أنّ كلّ نفس بشريّة يجب أن تصير من جديد عذراء. يقول آباؤنا إنّ الإنسان المتدنّس بالخطايا الكثيرة يجدّد عفّته وطهارته، يجدّد عذريّته بالتوبة. نتعلّم من العذراء لأنّها تقبّلت في روحها عطاء الله وقالت: ها أنا أمة للربّ فليكن لي حسب مشيئته. وكانت تحفط كلّ هذا الكلام مردّدة إيّاه في قلبها، أي أنّها كانت تتقبّل زرع الكلمة الإلهيّة في نفسها.

إذا كانت الروح البشريّة مؤمنة تتقبّل أن تُزرع فيها كلمة الله فتصبح هذه الروح عذراء. هذا يعني أنّنا إذا كنّا لا نسمع للغلط، للمصلحة الذاتيّة، إذا كنّا لا ننقاد للهوى، تكون نفسنا عذراء. الإنسان الذي يسلّم قلبه لله فقط، ولا يستمع لما يعتمل في القلب من بغض وأحقاد تكون نفسه عذراء ويمكنه أن يقول لنفسه: «افرحي يا عروسًا لا عروس لها»، أي افرحي أيّتها النفس التي صار الله خطيبًا لها، قرينًا لها. كلّ نفس مسيحيّة هي عروس الله إذا شاءت، وهي خائنة لله إذا شاءت.

لهذا عندما نقيم المديح وعندما نحتفل بعيد البشارة، أو عندما نقبّل أيقونة والدة الإله، المهمّ أن تفرح نفوسنا بالمسيح ونكون قد عبرنا الصوم مجاهدين ضدّ الخطيئة حتّى نستطيع أن نعيّد.

المطران جاورجيوس

 

الرسالة: عبرانيّين ٢: ١١-١٨

يا إخوة إنّ المقدّس والمقدَّسين كلّهم من واحد. فلهذا السبب لا يستحيي أن يدعوهم إخوة قائلاً: سأُخبر باسمك إخوتي وأسبّحك في الكنيسة. وأيضًا سأكون متوكّلاً عليه. وأيضا ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله. إذًا إذ قد اشترك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو كذلك فيهما لكي يُبطِل بموته مَن كان له سلطان الموت أي إبليس، ويُعتق كلّ الذين كانوا مدّة حياتهم كلّها خاضعين للعبوديّة مخافة من الموت. فإنّه لم يتّخذ الملائكة قطّ بل إنّما اتّخذ نسل إبراهيم. فَمِن ثمّ كان ينبغي أن يكون شبيهًا بإخوته في كلّ شيء ليكون رئيس كهنة رحيمًا أمينًا في ما لله حتّى يُكفّر خطايا الشعب. لأنّه إذ كان قد تألّم مجرَّبًا فهو قادرٌ على أن يُغيث المُصابين بالتجارب.

 

الإنجيل: لوقا ١: ٢٤-٣٨

في ذلك الزمان حبلت أليصابات امرأة زخريّا فاختبأت خمسة أشهر قائلة: هكذا صنع بي الربّ في الأيّام التي نظر اليّ فيها ليصرف عنّي العار بين الناس. وفي الشهر السادس أُرسل الملاك جبرائيل من قِبل الله إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود واسم العذراء مريم. فلمّا دخل إليها الملاك قال: السلام عليكِ أيّتها المنعم عليها، الربّ معك؛ مباركة أنتِ في النساء. فلمّا رأته اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى أن يكون هذا السلام. فقال لها: لا تخافي يا مريم فإنّك قد نلتِ نعمةً لدى الله. وها أنتِ تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع. هذا سيكون عظيمًا وابنَ العليّ يُدعى، وسيُعطيه الربّ الإله عرش داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه انقضاء. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: إنّ الروح القدس يحلّ عليك وقوّة العلي تظلّلك، ولذلك فالقدّوس المولود منك يُدعى ابن الله. وها إنّ أليصابات نسيبتك قد حبلت هي أيضًا بابنٍ في شيخوختها، وهذا الشهر هو السادس لتلك المدعوّة عاقرًا. لأنّه ليس أمرٌ غير ممكن لدى الله. فقالت مريم: ها أنا أَمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك. وانصرف الملاك من عندها.

 

الإصلاح الأخويّ

«من غير المسموح أن يحرّر أحدٌ نفسَهُ من مسؤوليّته عن الآخرين»

(الأب جورج فلورفسكي)

دنيانا، بوجه عامّ، جدران عالية بين الناس، لا تُهدم إلاّ في أوان الثرثرة والنميمة والانتقاد والتشويه والتجريح! يبدو أنّ معظم الناس، ولا أستثني ملتزمين منهم، باتوا يعتقدون أنّ الله لا يرى، أو، بكلام آخر، أنّهم غير معنيّين، لا من قريب أو من بعيد، بأن يزرعوا الأرض بالمحبّة والرفق والنصح.

من طبيعة الحياة الكنسيّة أن نريد الخير لجميع الناس، ولا سيّما لإخوتنا المؤمنين. ومن الخير أن يبتعد الأخ عن أن يتسلّى بأخبار إخوته، ويسعى إلى إصلاحهم حيث يراهم يعوزهم إصلاح. فالمسيحيّ، أيّ مسيحيّ، لا يكون شيئًا إن لم يعِ أنّه مكلّف، إلهيًّا، بأن يعمل الصلح في جماعته أوّلاً، وأينما حلّ أو نزل دائمًا. إذ مِن أعلى مقتضى حياتنا معًا هو الإصلاح الأخويّ. هذا لكون حياتنا في الأرض مسيرةً نحو عرش الديّان. وشأن الإخوة أن «يفتدوا الوقت»، ويساعدوا بعضهم بعضًا في كلّ ما يبنيهم قاماتٍ جديدة. لقد أرادنا الله أن نحيا ننفع سوانا. وهذه روح حياتنا معًا، إن كنّا نعلم أنّنا خليقة ناطقة.

الله لم يكلّف إنسانًا بأن يدين آخر، هذا إمّا أنّه لم يصل إلى بعضنا، أو أنّنا رميناه بعيدًا! كيف نصالح أنّنا قوم خلقنا الله، وزرعنا في هذه الأرض بركةً، لنحيا معًا، ونسعى معًا إلى أن نظهر جَمال مجده بعضُنا في خدمة بعض؟ هذا واجب لا يُبرَّر تجاوزه بأيّ أمر شرعيّ آخر نحسب، إن نفّذناه جيّدًا، أنّ الله سينعم علينا برضاه. فنحن لا نفهم شيئًا إن لم نضع نصب أعيننا أنّ الله يمجّ أن نغطّي الباطل بأيّ عمل نريد منه أن نبيّن حبّنا له. وفي الواقع، كلّ حياتنا فرصة، لننقذ أنفسنا من الباطل. أن نستريح إلى ما نفعله ونكتفي، يعني أنّنا لم نفهم أنّ ثمّة شياطين تزأر في وسطنا. وهذه، إن رأت أنّ مَن كلّفوا بأن يبذلوا المحبّة من غير مكيال نائمون على أرائك ترضيهم، فستصفّق عاليًا، وتغتبط كثيرًا، كثيرًا جدًّا!

ماذا يُرى في حاضرنا؟ ما قلته واضح! ثمّة مخالفات تبدو خبزنا اليوميّ. حالنا مقلق. حالنا مؤسف! وهذه الحال يقابلها أنّ ثمّة إخوةً يجرحون الله بإهمالهم نشر محبّة الوعي على الملأ. هل هذا الكسل المَرَضيّ، الذي يُرى يتخطّر بثقةٍ كما لو أنّه ملك، يوحي بأنّ بعض «الواعين» لا يدركون ما وهبهم الله من عطايا، ليجتهدوا في تثميرها؟ هل يعني، مثلاً، أنّنا نعتبر أنّ الله يمازحنا في غضبه على الرجل الذي طمر وزنته؟ لنراجع، سريعًا، ما تبجّح به ذلك الكسول. قال: «يا سيّد، عرفتُكَ رجلاً شديدًا تحصد من حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم توزِّع، فخفتُ وذهبتُ فدفنتُ وزنتَكَ في الأرض، فإليك مالك» (متّى ٢٥: ٢٥). ماذا نقرأ في هذا القول؟ هناك شيئان متناقضان. أوّلهما غباء قائله الفاضح. وتاليهما كرم الله الذي لم يحجب نعمه عن شخص يعرف أنّه لا ينفع بشيء! وهذان يعرضهما الله علينا علنًا، لنبقى نعي أنّ ما أودعنا إيّاه إنّما سيطالبنا بثمره. كلّ واحد منّا أُعطي ما يجعله يُسهم في خير سواه. لم يعامل الله أحدًا منّا وفق نتائج يعرفها. الله كريم في طبيعته. إنّه لا يكفّ عن العطاء. وينتظر أن نتمثّل به.

إن كان كسلنا سببه أنّ الناس لا يستحقّون منّا شيئًا، نكون شوّهنا مثل الوزنات (بل المسيحيّة برمّتها) الذي أرادنا الربّ فيه أن نثمر الخير في الأرض بجهد ظاهر. أن نرتضي أن يبقى الناس، إخوتنا، في ضلال ظاهر، أن نقبل بأن يحيوا حياة مخلَّعة، أن نلوك آثامهم إلى النهاية، أمور يتّصف بها الجبناء، أو الذين لا يؤمنون بفعل الله فيهم. كيف نكون مقتنعين فعلاً بأنّ الله أحبّنا فيما نحن خطأة إن لم نتمثّل به مع الناس الذين يعجبوننا والذين لا يعجبوننا؟ قلت، الآن، ماذا يريد الله منّا. وهذه إرادة لا يحقّقها سوى جرأة المواجهة. والمواجهة لا تشترط على الإخوة شيئًا. لا تنتظر قبولاً مسبقًا مثلاً، بل أن نتّكل على الله، ونبادر.

أمّا قاعدة الإصلاح الأخويّ، فعظة طويلة، دوّنها متّى الإنجيليّ في إصحاحه الثامن عشر، جاء فيها هذا الحوار: سأل بطرس يسوع: «كم مرّةً يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسبع مرّات؟». لم يكتفِ الربّ بالسبع مرّات، بل أجابه: «بل سبعين مرّةً سبع مرّات» (متّى ١٨: ٢١ و٢٢). وفي هذا الجواب أراد الربّ أمورًا عدّة. أوّلاً، قَبِلَ أنّ الخاطئ هو أخ لا يستغنى عنه. ثانيًا، محا كلّ تبرير يمنعنا من أن نسعى إلى إصلاحه. ثالثًا، مجّ كلّ جبن وانكفاء عن مواجهته. رابعًا، رفض أن نترفّع عليه، وندينه. خامسًا، وضع الخاطئ في عهدة التلميذ أبديًّا. أي، باختصار، جعل نفسه إيقونة ما قاله. فالربّ لم يرفع بوجه أحد عصًا، ليضربه على خطاياه، بل مات عنّا، بل نزل إلى أقصى جحيمنا. لا يُفتدى الإخوة، الذين يقبعون في جحيمهم، بسوى أن ننزل إليهم. وهذا، الذي شأنهم أن يقبلوه، شأني إن فهمت أنّ الربّ قدوتي!

أن نعي أنّ جميع الناس هم إخوة لنا، ونريدهم مصلَحين دائمًا، لهو أنّنا نعي أنّ الله، الذي كشف لنا نفسه في وجه ابنه، هدم كلّ الجدارن التي تفصلنا بعضنا عن بعض، لنحيا، معًا، وجهًا إلى وجه.

 

القدّيسة مريم المصريّة

مريم المصريّة امرأة أمّيّة من الإسكندريّة في مصر، عاشت في القرن الرابع الميلاديّ. تركت بيت أهلها في الثانية عشرة من عمرها وعاشت في الفجور مدّة سبع عشرة سنة، همّها أن تلبّي شهوات جسدها وتدفع الآخرين إلى الفسق. التحقت يومًا بمجموعة من الشبّان المصريّين الذين كانوا يقصدون القدس للاحتفال بعيد الصليب. دفعت بجسدها أجرة السفر على المركب وتابعت فيه ممارسة الخطيئة. وبعد الوصول يوم العيد، حاولت الدخول مع الداخلين إلى الكنيسة، إلاّ أنّ قوّة منعتها. أعادت المحاولة مرّات عدّة ولم تنجح، فوقفت في باحة الكنيسة تتساءل عن السبب. خطر لها أنّها لم تستطع الدخول بسبب حياتها وخطاياها. فأخذت تبكي. وعندها رأت أيقونة العذراء مريم عاليًا فتوسّلت إليها أن تساعدها لكي تدخل الكنيسة وتسجد لعود الصليب الكريم فيها. وتعهّدت بألا تعود إلى سيرتها الماضية. لمّا وعت مريم خطاياها وأبدت توبة حقيقيّة، دخلت الكنيسة من دون عائق.

وبعد عيد الصليب عبرت مريم نهر الأردنّ متوغّلة في الصحراء تعيش حياة النسّاك. لمّا نفذ الخبز الذي حملته معها أكلت من أعشاب الأرض، ولمّا بليت ثيابها بقيت عارية يحرقها الحرّ الشديد ويجلدها البرد القارص. بقيت سبع عشرة سنة تحارب شهواتها: شهوة الطعام والشراب، شهوة الجسد، شهوة الغناء وملاقاة الناس، إلى أن جفّ جسدها وملأ حبّ الله قلبها.

بعد ثلاثين سنة من الوحدة الكاملة في الصلاة والابتهال والنُسك التقت شيخًا جليلاً ناسكًا اسمه زوسيماس كان قد قصد الصحراء طلبًا للفضيلة أثناء الصوم الكبير. عند إصراره على التكلّم معها، طلبت رداءه ولفّت جسدها العاري وروت له قصّة حياتها، ثمّ طلبت منه أن يوافيها في الفصح التالي ليناولها القرابين المقدّسة. وكان زوسيماس قد عرف أنّ مريم وصلت إلى درجة من الكمال، وأنّها نبيّة الله لمّا نادته باسمه من دون أن تعرفه من قبل، ولمّا كانت تذكر آيات الكتاب المقدّس وهي أمّيّة لا تقرأ. رآها أيضًا تصلّي وترتفع في الهواء أثناء الصلاة.

لمّا وافاها في السنة التالية قرب نهر الأردنّ قطعت النهر أمامه مشيًا على الماء. تناولت القرابين وعادت إلى الصحراء. لمّا عاد زوسيماس إليها بعد سنة وجدها قد ماتت فدفن جسدها باكيًا وعاد إلى ديره يمجّد الله ويسبّحه. أخبر قصّة مريم البارّة للرهبان وانتشر خبرها كمجاهدة عظيمة. بقيت سيرتها قدوة لكلّ من يئس من كثرة خطاياه لأنّه ليس من خطيئة مهما عظمت تحجب رحمة الله عن التائب. الله يقبل توبة من يعود إليه من كلّ قلبه.

كتب القدّيس صفرونيوس بطريرك أورشليم سيرة القدّيسة مريم المصريّة لفائدة المؤمنين نحو مئة وخمسين سنة بعد وفاتها. تعيّد لها الكنيسة في الأوّل من نيسان وفي الأحد الخامس من الصوم مثالاً للتوبة والجهاد الروحيّ.

 

«طوبى للرحماء فإنّهم يُرحَمون» (متّى ٥: ٧)

القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ

ليست الرحمة أصغر التطويبات. «طوبى لمن يفطن للمسكين والفقير» (المزمور ٤٠)، وأيضًا «يشفق على المسكين والبائس ويخلّص نفوس الفقراء» (المزمور ٧١: ١٣). لنتبنّ إذًا هذه التطويبة ونعمل الصلاح. لا تقل لصاحبك: «اذهب وعد فأعطيك غدًا» (أمثال ٣: ٢٨). لا تتردّد بين رؤية الحاجة والعطاء... «أن تكسر للجائع خبزك وأن تُدخل التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عريانًا أن تكسوه...» (أشعياء ٥٨: ٧) واعمل هذا من كلّ قلبك. «الراحم فبسرور» يقول الرسول بولس في رومية ١٢: ٨. كلّما أسرعت في العطاء تضاعف أجرُك. علينا أن نعمل الصلاح بقلب مبتهج متهلّل...» حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحّتك سريعًا» (أشعياء ٥٨: ٨).

لذلك «يا خدّام المسيح وأخوته والوَرَثة معه» (غلاطية ٤: ٧) لنَزُر المسيح كلّما سنحت لنا الفرصة، لنطعم المسيح، ونلبس المسيح، ونستقبل المسيح ونكرّم المسيح، ليس فقط بدعوته إلى موائدنا كما فعل البعض، ولا بسكب الطيب عليه كما فعلت مريم المجدليّة، أو نشترك في دفنه كما فعل نيقوذيموس... ولا بتقديم الذهب واللبان والمرّ كالمجوس... ربّ الكون «يريد رحمة لا ذبيحة» (متّى ٩: ١٣)، يريد شفقتنا أكثر من «ألوف الكباش» (ميخا ٦: ٧). لنقدّم له رحمتنا بأيدي الفقراء الواقعين اليوم على الأرض حتّى «إذا فنينا يقبلوننا في المظالّ الأبديّة» (لوقا ١٦: ٩) في المسيح نفسه، ربّنا.

Last Updated on Friday, 16 March 2018 14:30