ocaml1.gif
العدد ٢٥: النبيّ الحقّ Print
Sunday, 24 June 2018 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ٢٤ حزيران  ٢٠١٨ العدد ٢٥ 

الأحد الرابع بعد العنصرة

مولد النبيّ السابق يوحنّا المعمدان وعيد القدّيسَين زخريّا وأليصابات

logo raiat web

النبيّ الحقّ

أحدّثكم اليوم قليلاً عن النبوءة فيما نعيّد لنبيّ عظيم. في العهد القديم لم تكن تعني هذه الموهبة حصرًا، كما يظنّ الأكثرون، أنّها حديث عن أشياء مستقبليّة. كان الأنبياء يتكلّمون على الأزمنة التي كانوا يعيشونها، يتكلّمون أوّلاً عمّا كان الله يريد أن يحقّق في شعبه، أي أنّهم كانوا عصا الله على الشعب. أمّا الأيّام الآتية فإنّها مضمونة في كلامهم.

أمّا في العهد الجديد فهناك نبوءة. يظنّ الناس أنّ النبوءة انقطعت، هذا غير صحيح. يذكر بولس الرسول هذه الموهبة على أنّها من مواهب الروح القدس، لأنّ المسيح، ولو قال كلّ شيء، إنّما ينبغي أن يظهر مَن يذكّرنا بما قيل. إذًا تحقيق كلام المسيح في الناس الخاطئين ليرتدّ العصاة إلى ربّهم، في اللحظة التي نحن فيها، في الظرف الذي نعانيه هذا شيء لا يملكه كلّ الناس. هناك من عَلّم ولكنّه لم يبلّغ كلمة الله بحدّة وقوّة، ومن الناس مَن بلّغ إرادة الله ولكنّه ما كان معلّمًا نظريًّا. إنّ الله يبعث بروحه إلى البعض في زمان العهد الجديد ليضربوا الناس، ليقتلعوا السيّئات من نفوسهم حسبما جاء على لسان إرمياء: «إنّي أهدم وأبني، أقتلع وأغرس».

وظيفة بعض المؤمنين الحادّين في الكنيسة أن يهدموا خطط آخرين، ليس أنّهم يريدون لهم شرًّا لكن من أجل أن تُهدم الخطيئة ولا تحكم الكنيسة. هناك عداء مقدّس، غضب إلهيّ يهبّ كالعاصفة. يجب اقتلاع الحشائش المؤذية وأن يُغرس نبات صالح. الكنيسة فيها سلطة حتمًا وفيها مَن يمارس سلطانًا إلهيًّا طاهرًا صادقًا وقد يكون هناك مَن يتسلّط على الناس لمجده هو ولا يذهب بهم إلى مجد الله. الخطيئة الكبرى وليس بعدها خطيئة في الكنيسة وفي المجتمع وفي الحكم وفي العالم هي أن يتسلّط ناس على ناس. لذلك ينبغي أن يظهر من يُنزل الأقوياء عن الكراسي حتّى يرتفع المتواضعون. هذا لا يمكن إلاّ إذا صرخنا بكلمة الله. فكلمة الله ينبغي أن تهز نفوسًا وأجسادًا، أن تكسر عظامًا وضلوعًا، أن تضع حدًّا للإثم لئلاّ يُستَغل اسم الله في سبيل شهوات. تلك وظيفة أيّ نبيّ في العهد الجديد. الله يُتَرجم يومًا بعد يوم وإلاّ كان غائبًا، وشغل الأنبياء الكذبة أن يُغيّبوا الله.

كان في عهد إيليّا أنبياء لبعل وعشتروت. كانوا من اليهود، ولدوا في الحقّ ثمّ اختلطت في أذهانهم وقلوبهم صورة الإله الحقّ وصورة الآلهة الوثنيّة. لذلك حاربهم إيليّا النبيّ. ولعلّ الفكرة في العمق أنّ إيليّا أفنى عبادة الأوثان، وكلّ خطيئة عبادة وثن.  لهذا كان لا بدّ من يوحنّا المعمدان. يقول الإنجيليّ لوقا إنّ يوحنّا المعمدان جاء «بروح إيليّا وقوّته» (١: ١٧). كان ينبغي ليوحنّا أن يقول لهيرودس إنّك خالفتَ الشريعة. ويوحنّا كان عالمًا بأنّ التعرّض للملوك خطر. كان يعلم أنّ قول الحقّ يمكن أن يوصله إلى الذبح ولم يخشَ شيئًا وفضّل الموت على أن يبقى صامتًا عن الخطيئة. المسيحيّة فيها فضح، ليس فضحًا لما سُترَ من خطايا الناس، ولكن فضح لما اعتُلن من خطاياهم.

كيف نعرف أن نميّز بين الأنبياء الصالحين والأنبياء الكذبة؟ كيف نعرف أنّ إيليّا كان نبيًّا لله وأنّ الآخرين كانوا للشياطين؟ أعطى إيليّا المعيار، قال: «حيّ هو الله الذي أنا واقف أمامه» (الملوك الأوّل ١٨: ١٥)، أي إذا كنتَ ترى الله دائمًا على وجه يسوع المسيح، ولا تمسّ يدك المال، ولا ينبض قلبك لسلطان، إذا كنتَ ترى ضياء الله أمامك، فأنت نبيّ صادق، وإلاّ فإنّك تغلّف شيطانك باسم الله، تقدّس شهواتك، تسمّي التسلّط طاعة، وتسمّي التزمّت عفّة... هكذا يُعرَف النبيّ الصادق من النبيّ الكاذب. النبيّ الصادق فقير ولا يتحكّم في الناس... ما عرفنا النبوءة أخيرًا إلاّ على الصليب. عندما ذُبح المخلّص أُعلنت كلمة الله كاملة في البشر، ذهبت بالحبّ. الذين يحبّون هم أنبياء.

المطران جاورجيوس

 

الرسالة: رومية ١٣: ١١-١٤: ٤

يا إخوة إنّ خلاصنا الآن أقرب ممّا كان حين آمنّا. قد تناهى الليل واقترب النهار فلندعْ عنّا أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلكنّ سلوكًا لائقًا كما في النهار، لا بالقُصوف والسِكر ولا بالمضاجع والعُهر ولا بالخصام والحسد، بل البسوا الربّ يسوع المسيح ولا تهتمّوا بأجسادكم لقضاء شهواتها. من كان ضعيفًا في الإيمان فاتّخذوه بغير مباحثة في الآراء. من الناس من يعتقد أنّ له أن يأكل كلّ شيء، أمّا الضعيف فيأكل بقولاً. فلا يزدرِ الذي يأكل من لا يأكل، ولا يدنِ الذي لا يأكل من يأكل، فإنّ الله قد اتّخذه. من أنت يا من تدين عبدًا أجنبيًّا؟ إنّه لمولاه يثبُت أو يسقُط، لكنّه سيُثبَّتُ لأنّ الله قادر على أن يُثبّته.

 

الإنجيل: لوقا ١: ١-٢٥ و٥٧-٦٧ و٧٦ و٨٠

إذ كان كثيرون قد أخذوا في تأليف قصص الأمور المتيقّنة عندنا، كما سلّمها إلينا الذين كانوا مُعاينين منذ البدء وخُدّامًا لها، رأيت أنا أيضًا وقد تتبّعتُ جميع الأشياء من الأَوّل بتدقيق أن أَكتبها لك على الترتيب أيّها العزيز ثاوفيلُس، لتعرف صحّة الكلام الذي وُعظتَ به. كان في أيّام هيرودس ملك اليهوديّة كاهنٌ اسمه زخريّا من فرقة أبيّا وامرأتُه من بنات هارون اسمها أليصابات. وكانا كلاهما بارّين أمام الله، سائرين في جميع وصايا الربّ وأحكامه بغير لوم. ولم يكن لهما ولدٌ لأنّ أليصابات كانت عاقرًا، وكانا كلاهما قد تقدّما في أيّامهما. وبينما كان يَكهن في نوبة فرقته أَمام الله، أَصابته القرعة على عادة الكهنوت أن يدخل هيكل الربّ ويبخّر. وكان كلّ جمهور الشعب يُصلّي خارجًا في وقت التبخير. فتراءى له ملاك الربّ واقفًا عن يمين مذبح البخور، فاضطرب زخريّا حين رآه ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لا تخف يا زخريّا، فإنّ طِلبتك قد استُجيبت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا فتسمّيه يوحنّا، ويكون لك فرح وابتهاج ويفرح كثيرون بمولده، لأنّه يكون عظيمًا أمام الربّ ولا يشرب خمرًا ولا مسكرًا، ويمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أُمّه بعد، ويرُدّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الربّ إلههم، وهو يتقدّم أمامه بروح إيليّا وقوّته ليرُدّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعُصاة إلى حكمة الأبرار ويهيّئ للربّ شعبًا مستعدًّا. فقال زخريّا للملاك: بمَ أَعلم هذا، فإنّي أنا شيخ، وامرأتي قد تقدّمت في أيّامها. فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف أمام الله وقد أُرسلتُ لأُكلّمك وأُبشّرك بهذا، وها إنّك تكون صامتًا فلا تستطيع أن تتكلّم إلى يوم يكون هذا، لأنّك لم تُصدّق كلامي الذي سيتمّ في أوانه. وكان الشعب منتظرين زخريّا متعجّبين من إبطائه في الهيكل. فلمّا خرج لم يستطع أن يُكلّمهم، فعلِموا أنّه قد رأى رؤيا في الهيكل، وكان يُشير إليهم وبقي أَبكم. ولمّا تمّت أيّام خدمته مضى إلى بيته. ومن بعد تلك الأيّام حبلت أليصابات امرأته فاختبأت خمسة أشهر قائلة: هكذا صنع بي الربّ في الأيّام التي نظر إليّ فيها ليصرف عنّي العار بين الناس. ولمّا تمّ زمان وضعها، ولدت ابنًا فسمع جيرانُها وأقاربها أنّ الربّ قد عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاؤوا ليختنوا الصبيّ فدعوه باسم أبيه زخريّا. فأجابت أُمّه قائلة: كلّا لكنّه يُدعى يوحنّا. فقالوا: ليس أحد في عشيرتك يُدعى بهذا الاسم. ثمّ أومأوا إلى أبيه ماذا يريد أن يُسمّى. فطلب لوحًا وكتب فيه قائلًا: اسمه يوحنّا، فتعجّبوا كلّهم، وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلّم مباركًا الله. فوقع خوفٌ على جميع جيرانهم وتُحُدّث بهذه الأُمور كلّها في جميع جبال اليهوديّة. وكان كلّ من يسمع بذلك يحفظه في قلبه ويقول: ما عسى أن يكون هذا الصبيّ؟ وكانت يد الربّ معه. فامتلأ أبوه زخريّا من الروح القدس وتنبّأ قائلًا: مبارك الربّ إله إسرائيل لأنّه افتقد وصنع فداء لشعبه. وأنت أيّها الصبيّ نبيّ العليّ تُدعى لأنّك تسبق أمام وجه الربّ لتعدّ طرقه. أمّا الصبيّ فكان ينمو ويتقوّى بالروح، وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.

 

رسالة المعمدان

في الرابع والعشرين من شهر حزيران، أي  قبل ستّة أشهر من ولادة المخلّص تحتفل الكنيسة بولادة آخر الأنبياء: يوحنّا المعمدان. وذلك بناءً على ما ورد في إنجيل لوقا (١: ٢٦) من أنّ الملاك بشّر مريم بولادة يسوع بعد ستّة أشهر من البشارة بولادة يوحنّا.

في النصّ الذي تقرأه الكنيسة في قدّاس العيد المأخوذ من الفصل الأوّل من إنجيل لوقا، نقرأ خبري بشارة الملاك لزكريّا وولادة يوحنّا المعمدان، وهما يعتبران مقدّمة لخبرَي بشارة العذراء وميلاد يسوع. الخبران المختصّان بالمعمدان كما عبّر عنهما لوقا الإنجيليّ فيهما الكثير من الشبه بنصوص العهد القديم، ويخبراننا عن رسالة هذا الطفل.

يبدأ خبر البشارة بمولد المعمدان كما يبدأ خبر سفر يهوديت «في أيّام ارفكشاد» (يه ١: ١)، وكما تبدأ قصّة شمشون «وكان رجل من صرعة من قبيلة دان اسمه منوح» (قضاة ١٣: ٢). «كان كاهن من فرقة أبيّا اسمه زكريّا» (لوقا ١: ٥). ويذكر الخبر هيرودوس ملك اليهوديّة، بينما في خبر ميلاد يسوع نجد أنّ المرجع التاريخيّ هو «أوغسطس قيصر» (٢: ١)، فيعطي لوقا الإنجيليّ بذلك لميلاد يسوع طابعًا شاملاً أكثر يمتد إلى كلّ العالم، ولا ينحصر في اليهوديّة. فيسوع يحمل الخلاص لكلّ العالم.

زكريّا الكاهن (معنى اسمه الربّ تذكّر)، والد المعمدان، ينتمي إلى الفئة الثامنة من الفئات الأربع والعشرين الكهنوتيّة التي يتكلّم عليها سفر أخبار الأيّام الأوّل (٢٤: ٧-١٧). أمّا والدته أليصابات (يعني اسمها اللهُ أقسمَ) فكانت هي أيضًا من نسل هارون. فعلى الكاهن أن يتزوّج بفتاة من سليلة الكهنة حسب متطلّبات الشريعة الكهنوتيّة. هما بارّان أمام الله، أي حافظان لكلّ وصايا الشريعة. زكريّا وأليصابات يسيران في كلّ وصايا الله وفرائضه. لا عيب فيهما ولا لوم (لوقا ١: ٦) غير أنّهما يبدوان كموضوع عقاب إلهيِّ. فأليصابات تشبه حنّة أمّ صموئيل النبيّ، التي حبس الربّ رحمها (١صموئيل ١: ٥-٦)، وتشبه ميكال ابنة شاول وزوجة داود (٢صموئيل ٦: ٢٣). إنّها عاقر. ثمّ إنّ الزوجين قد طعنا في السنّ مثل إبراهيم وسارة. وها نحن نجد أنفسنا أمام بداءة جديدة كما حصل لهما. نقرأ في سفر التكوين «وكانت ساراي (أو سارة) عاقرًا ليس لها ولد» (١١: ٣٠). وتشكّى إبراهيم إلى الله لأنّه لم يرزقه ولدًا (تكوين ١٠: ١٨؛ ١٤؛ ١٥: ١-٤). لكنّ الربّ سيتدخّل هنا كما تدخّل، هناك.

ينتمي يوحنّا إلى الوجوه الكبرى في تاريخ الخلاص، فهولاء كانوا أولاد نساء عواقر. إنّهم عطيّة الله ونتيجة تدخّل إلهيّ في طبيعتنا الضعيفة. هذا ما كان وضع إسحق (تكوين ١٧: ١٦) وشمشون مخلّص شعبه والقاضي في أموره (قضاة ١٣: ٢) وصموئيل (١صموئيل ١-٢). كان يوحنّا ابن النعمة، وتكرّس لله بصورة جديدة في البرّ والقداسة.

وبدأ زكريّا خدمته، فقد كان على كلّ كاهن أن يؤمّن الخدمة الليتورجيّة أسبوعين في السنة، أمّا مهمّات كلّ يوم بيومه فكانت تتمّ بالقرعة. أمّا الخدمة الاحتفاليّة الكبرى فهي تقدمة البخور (خروج ٣٠: ١-٩)، وكانت تتمّ مرّتين، مرّة في الصباح قبل المحرقة، ومرّة بعد الظهر نحو الساعة الثالثة. وما كان للكاهن أن يقوم بها إلاَّ مرّة واحدة في حياته. «ظهر ملاك الربِّ». عن يمين مذبح البخور. الجلوس عن اليمين يدلّ على الكرامة والعظمة (مزمور ١١٠: ١؛ حزقيال ١٠: ٣) «الكروبيم واقفون عن يمين بيت الله». وجهة اليمين تدلّ على الخلاص (متّى ٢٥: ٣٣).

يعلن الملاك لزكريّا الكاهن رسالة يوحنّا، وصفاته. يقول «سيكون عظيمًا أمام الربّ»، وهذا ما سيقوله عنه يسوع بنفسه «أعظم مواليد النساء»، و«أعظم من نبيّ» (لوقا ٧: ٢٧-٢٨). وهذا ما تردّده طروباريّة القدّيس في كنيستنا، إذ نقول فيها «لأنّك ظهرت في الحقيقة أعظم من جميع الأنبياء لأنّك استأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به».

ويكمل الملاك قوله بأنّ هذا الطفل «لن يشرب خمرًا»، وهي عبارة تصف حياة المكرّسين للربّ. أوصى الربّ الكهنة المكرّسين «لا تشرب خمرًا ولا مسكرًا، لا أنت ولا بنوك، حين تدخلون خيمة الاجتماع» (لاويّين ١٠: ٩). وطلب الله من والدة شمشون «لا تشربي خمرًا ولا مسكرًا، ولا تأكلي شيئًا نجسًا» (قضاة ١٣: ٤). صحيحٌ أنّ الكهنوت انتقل إلى يوحنّا، فالكهنوت اليهوديّ ينتقل حصرًا بالوراثة، وهكذا يكون يوحنّا كاهنًا بكلّ معنى الكلمة، مقدَّسًا لله ومكرّسًا لخدمته. ولكنّه سيختار أن يكون مثل إرمياء النبيّ، الذي ترك الكهنوت لخدمة الرسالة النبويّة التي أوكلت إليه من الله. وإذا كان التكريس يرتبط برسالة، فرسالة يوحنّا لن تكون الكهنوت بل ستكون النبوءة، فهو النبيّ الذي يفتتح زمن ملكوت المسيح.

وهذا سيكشفه أيضًا الملاك الذي يخبر زكريّا بأنّ الطفل «يمتلئ من الروح القدس»، ما يعني أنّه سيكون نبيًّا. بعض الأنبياء نال المهمّة النبويّة وهو كبير السنّ مثل عاموس. وآخرون، مثل يوحنّا، دُعوا منذ اللحظة الأولى من حياتهم، وهم لا يزالون في بطون أمّهاتهم. هذا ما حدث لشمشون (قضاة ١٣: ٥؛ ١٦: ١٧) وإرمياء (١: ٥): «قبل أن أصوّرك في البطن عرفتك (أي اخترتك، دعوتك)، وقبل أن تخرج من الرحم قدّستك (أي كرّستك) وجعلتك نبيًّا إلى الأمم». وهناك عبد الله الذي قال عنه إشعياء النبيّ «الربّ دعاني منذ كنت في الحشاء، وذكر اسمي وأنا في بطن أمّي» (٤٩: ١). هذا يعني أنّ الربّ أعدّ هذا الشخص من أجل رسالة. هذا ما اكتشفه بولس الرسول في ما بعد: «الله الذي فرزني منذ كنت في جوف أمّي ودعاني بنعمته» (غلاطيه ١: ١٦).

سيحقّق يوحنّا الكاهن والنبيّ، انتظارات اليهود بعودة إيليّا قبل مجيء المسيح. وقد صارت هذه العودة، «عودة إيليّا»، منتظرة منذ ملاخي (٤: ٥). وسيقدّم لنا لوقا أوجه الشبه بين المعمدان وإيليّا في الفصل الثالث (لوقا ٣: ١-٢١). فإذا كان يوحنّا حقّق نبوءة عودة إيليّا، فيسوع، إذًا، يكون هو المسيح المنتظر. هذا ما قاله يسوع بنفسه (متّى ١١: ١٤-١٥).

كما بدأ إنجيل لوقا في الهيكل، مع بشارة زكريّا، سينتهي في الهيكل. ففي ساعة الصلب، نقرأ عند لوقا «أظلمت الشمس وانشقّ حجاب الهيكل» (٢٣: ٤٥). وهذا الحجاب هو الذي يفصل بين المكان الذي تقف فيه عامّة الناس، والمكان الذي يقف فيه الكهنة للصلاة ولتقديم البخور. وكأنّ لوقا يقول لنا إنّ العهد القديم قد انتهى بمجيء المسيح. ذلك بأنّ الحجاب الذي كان اليهود يعتقدون أنّ الربّ يختفي خلفه قد انشقّ للدلالة على أنّ العهد الجديد قد بدأ وما عاد هناك من حاجز بين الناس والله.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: الرسولان بطرس وبولس

التلميذ: لماذا نعيّد للرسولين بطرس وبولس معًا؟

المرشد: إنّه تقليد قديم جدًّا في الكنيسة أن يعيَّد لها معًا، لأنّهما استشهدا في روما في اليوم ذاته، خلال اضطهاد الإمبراطور نيرون للمسيحيّين نحو العام ٦٨. نعرف أيضًا أنّ عيدهما معًا كان يقام في ٢٩ حزيران في روما منذ القرن الرابع، ثمّ انتشر العيد في العالم كلّه.

 

التلميذ: هل كانا يبشّران في روما؟

المرشد: لا معطيات لدينا عن عمل الرسولين ونشاطهما في روما. ينتهي سفر أعمال الرسل بخبر وصول الرسول بولس إلى روما بعد رحلته الأخيرة، وكان أسيرًا يُساق إلى المحاكمة في العاصمة، لأنّه كان مواطنًا رومانيًّا رُفعت دعواه إلى القيصر. ونعرف أيضًا أنّ بولس كتب رسالة إلى «جميع الموجودين في رومية أحبّاء الله المدعوّين قدّيسين» (رومية ١: ٧). وهي الرسالة الموجودة في العهد الجديد والتي نقرأ منها في القدّاس الإلهيّ أحيانًا. 


التلميذ: والرسول بطرس هل كتب رسائل؟

المرشد: نعم. في العهد الجديد رسالتان تسمّيان الرسالة الجامعة. كتبهما الرسول بطرس لا لأشخاص معيّنين، بل الأولى إلى «المتغرّبين من شتات..» مناطق عدّة، والثانية «إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا...». إذا شاركت في صلاة الغروب مساء العيد ستسمع إلى ثلاث قراءات من الرسالة الأولى.

 

التلميذ: لا أعرف هذه الصلوات.. ماذا تقول؟

المرشد: ننشد في صلاة الغروب وصلاة السَحر مديحًا للرسولين اللذين تسمّيهما الكنيسة «هامتي الرسل»، والهامة هي الرأس. «بأيَّة أكاليل من المدائح نكلّل بطرس وبولس، المنفصلَين بالجسد والمتَّحدين بالروح، المتقدّمَين على الكارزين بالله، فالواحد بما أنّه زعيم الرسل (بطرس)، والآخر بما أنّه تعب أكثر من الآخرين (بولس)...».

 

التلميذ: وماذا نقرأ من الإنجيل؟

المرشد: نقرأ في صلاة السَحر من إنجيل يوحنّا (٢١: ١٤-٢٥) نصًّا يتعلّق بالرسول بطرس وحده، وفيه نسمع الربّ يسأله ثلاث مرّات: «أتحبّني» ويطلب منه أن يرعى الخراف. نتعلّم هنا أنّ السؤال الوحيد المهمّ هو: «أتحبّني». هل سنتمكّن مع بطرس من أن نجيب: «نعم يا ربّ، أنتَ تعرف أنّي أحبّك»؟

Last Updated on Monday, 18 June 2018 08:23