ocaml1.gif
رعيتي العدد ١٩: الجسارة في خدمة البشارة وسط واقع الموت Print
Written by Administrator   
Sunday, 08 May 2022 00:00
Share

رعيتي العدد ١٩: الجسارة في خدمة البشارة وسط واقع الموت
الأحد ٨ أيّار ٢٠٢٢ العدد ١٩  

أحد حاملات الطيب   

القدّيسان يوسف الراميّ ونيقوديموس

القدّيس يوحنّا الإنجيليّ والقدّيس أرسانيوس الكبير

 

كلمة الراعي

الجسارة في خدمة البشارة
وسط واقع الموت

رعيتي العدد ١٩: الجسارة في خدمة البشارة وسط واقع الموتالجسارة هي العبارة التي تطالعنا بها الأحداث في إنجيل أحد حاملات الطيب. ولهذه الجسارة ألوان تزيّت بها بفضل مَن حملوها في قلوبهم وصنيعهم، سواء يوم صلب يسوع أو يوم قيامته.

هناك جسارة الإقدام، كما نلمسها في يوسف الراميّ عندما طلب جسد يسوع من بيلاطس ليدفنه، وفي النسوة حاملات الطيب صبيحة يوم القيامة في طريقهن إلى القبر ليطيّبنَ جسد يسوع. إنّها جسارة شهود العيان الأوائل التي سطّرت حقيقة موت يسوع على الصليب ودفنه. إنّها الجسارة التي نقْدِم عليها في واقع يسيطر عليه الموت بأشكاله، لكنّه إقدام يجعلنا نلامسه بإنسانيّتنا، على وقع إيماننا بالمخلّص الذي سحق الموت وأعطانا الروح القدس ليرشدنا إلى الظفر عليه بالحياة من لدنه.

هناك أيضًا جسارة المحبّة، كما تنمّ عنها الأفعال التي دوّنها الإنجيل والتي عبّر بواسطتها أصحابها عـمّا يعتمل قلوبهم من وفاء ومحبّة تجاه موضوع محبّتهم، أي يسوع. إنّها المحبّة التي تجلّت في الوقت الذي بدا فيه يسوع أكثر ضعفًا، أي في موته. وتاليًا، إنّها المحبّة الصادقة التي نعبّر عنها في الوقت الذي نظنّ أنّ الربّ غاب عن أنظارنا، لكنّه الوقت الذي فيه يمتحن الربّ أمانتنا وطهارة علاقتنا به. واستطرادًا، إنّها الأفعال التي نقوم بها نحوه، وفي الوقت عينه، نحو إخوته الصغار الذين وحّد نفسه بهم، أفعال نعطي فيها ذواتنا بطهارة ومحبّة.

وهناك أيضًا جسارة المعاينة، تلك المعاينة التي استحقّت النسوة حاملات الطيب أن يعشنَها لدى معاينتهنّ القبر الفارغ وإصغائهنَّ إلى بشرى الملاك. مَن يستطيع أن يقبل انقلاب الأوضاع كذاك الانقلاب الذي حصل في مطالعة الأحداث صبيحة القيامة؟ مَن يمكنه أن يطالع المجريات بخلاف سياقها التاريخيّ والموضعيّ المتجرّد، والذي يشكّل فيه القبر حجر الزاوية من حيث حقيقة موت يسوع إلى الأبد ودفنه فيه؟ مَن يستطيع أن يتجرّد إلى الحدّ الذي يقبل به بشرى الملاك؟ لقد قاد الملاكُ النسوةَ في هذا الانقلاب، وكانت لديهنَّ الجسارة الكافية لأن يصغينَ إليه حتّى النهاية، لا بل أن يستوعبنَ بشراه في قلوبهنَّ وذواتهنَّ حتّى يستطعن أن يعبّرنَ عـمّا حصل لهنَّ. إنّها جسارة قبول الإيمان قبولًا كيانيًّا، بل قلْ التصاقًا بيسوع وجدانيًّا ومن أعماق القلب. إنّها الجسارة التي هيّأ لها الملاكُ نفوسَ تلاميذ يسوع قبل أن يذهبوا إلى لقائه في الجليل.

وأخيرًا هناك جسارة البشارة، تلك التي دعا الملاكُ النسوةَ إلى أن يقبلنَها ويلاقينَ بها التلاميذ. إنّها بشارة مزدوجة. فالأولى تخصّ حقيقة قيامة يسوع، والثانية تخصّ اللقاء به كما وعدهم قبل آلامه. إنّها حقيقة واحدة والتي تتمثّل بأنّ يسوع يفي ما وعد به تلاميذه وأنّه يتمّ في نفسه ما سبق الإنباء عنه في الكتب. إنّها الجسارة التي يحملها اليقين الآتي من الإيمان بيسوع المسيح، والذي يطبعه الروح القدس فينا إن آمنّا. فجسارة البشارة هي تعبير عن هذا الالتحام بين عطيّة ذواتنا لخدمتها وعطيّة الروح القدس الذي يقودها.

ينتهي ذاك الحدث بالقول إنّ النسوة «خرجنَ سريعًا وهربنَ من القبر لأنّ الرعدة والحيرة أخذتاهنَّ. ولم يقلنَ لأحد شيئًا لأنهنّ كنّ خائفات» (مرقس ١٦: ٨). إنّها بداءة فعل الجسارة، جسارة الإقدام والمحبّة والمعاينة فالبشارة، في بداءة تبدو هشّة جدًّا، لكنّها بالعمق هي براعم كينونة رسوليّة تتحرّك بقوّة الروح القدس من أجل إعلان بشارة الحياة والخلاص في مواجهة واقع الموت الذي يعيشه الإنسان. إنّها تجلّي يقين وانطلاق عهد أوضح يسوع حقيقتهما ومنبعهما وقصدهما في بشارته، وها الآن تلاميذه مدعوّون إلى مشاركة خبرتهما، أي خبرة اليقين والعهد، إلى أترابهم. وهذا وصلنا إلينا في خطّ الكرازة الرسوليّة، جيلًا بعد جيل، وينتظر منّا الجسارة عينها، بألوانها الأربعة، في واقع الموت الذي نعيشه. هلّا جدّدنا فينا إذًا روحًا مستقيمًا يقلب فينا أوضاعنا كما نراها بمنظارنا بحيث نراها على ضوء قصد الله منّا ومنها؟ هوذا بيت القصيد: إنّه الحجر الذي ينبغي أن يدحرجه الربّ عن بصيرتنا كيما ندخل في معاينة سرّ تدبيره الخلاصيّ الفاعل في العالم على الدوام، وننخرط فيه من دون النظر إلى الوراء، ونتقدّم فيه بالسير الحثيث إلى المكان الذي ضرب لنا فيه يسوع موعدًا!

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١يوحنّا ١: ١-٧

الذي كان من البدءِ الذي سَمعناهُ الذي رأيناهُ بعيونِنا الذي شاهَدناه ولمستْهُ أيدينا من جهة كلمة الحياة، (لأنَّ الحياةَ قد ظهرت ورأيناها ونشهد ونبشركم بالحياة الأبديَّة التي كانت عند الآب فظهرت لنا)، الذي رأيناه وسمعناه به نبشِّرُكم لتكون لكم أيضًا شِركةٌ معنا. وشِركَتُنا إنَّما هي مع الآب ومع ابنه يسوعَ المسيح، ونكتُبُ إليكم بهذا ليكون فرَحُكم كاملًا، وهذه هي البشرى التي سمعناها منه ونبشِّرُكم بها أنَّ الله نورٌ وليس فيه ظلمةٌ البتة، فإن قُلنا إنَّ لنا شِركةً معه وسَلكنا في الظلمة نكذبُ ولا نعمل بالحقّ، ولكن إن سَلكنا في النور كما أنَّه هو في النور فلنا شِركةٌ لبعضِنا مع بعضٍ ودمُ يسوعَ المسيحِ ابنِهِ يُطهِّرُنا من كلِّ خطيئةٍ.

 

الإنجيل: مرقس ١٥: ٤٣-٤٧، ١٦: ١-٨

في ذلك الزمان جاء يوسف الذي من الرامة، مشيرٌ تقيّ، وكان هو أيضًا منتظرًا ملكوت الله. فاجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع. فاستغرب بيلاطس أنّه قد مات هكذا سريعًا، واستدعى قائد المئة وسأله: هل له زمان قد مات؟ ولـمّا عرف من القائد، وهب الجسد ليوسف، فاشترى كتّانًا وأنزله ولفّه في الكتان ووضعه في قبر كان منحوتًا في صخرة ودحرج حجرًا على باب القبر. وكانت مريمُ المجدليّة ومريمُ أُمّ يوسي تنظران أين وُضع. ولـمّا انقضى السبتُ اشترت مريم المجدليّة ومريم أُمّ يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنّه. وبكّرن جدًّا في أوّل الأسبوع وأتين القبر وقد طلعت الشمس، وكُنَّ يقُلن في ما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عـن باب القبر؟ فتطلّعن فرأين الحجر قد دُحرج لأنّه كان عظيمًا جدًّا. فلمّا دخلن القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين لابسًا حُلّة بيضاء فانذهلن. فقال لهنّ: لا تنذهلن. أتطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ قد قام، ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وفرَرن من القبر وقد أخذتهنّ الرعدة والدهش، ولم يقُلن لأحد شيئًا لأنّهنّ كنّ خائفات.

 

دور التربية في الشهادة للقيامة

يقوم أساس إيماننا الأرثوذكسيّ على حجرٍ صلب هو قيامة الربّ. قام المسيح من القبر ليملأنا فرحًا ويوقظ فينا الإحساس العميق بأنّنا أبديّون بعد أن هزم آخر عدوّ للإنسان، أي الموت، وأزال العقبات التي تعترض طريقنا إلى المدينة الباقية، إلى الأبديّة.

قيامة المسيح حدثٌ تمّ منذ أكثر من ألفي سنة، ولكنّ الكنيسة تعيد إحياء هذا الحدث فينا، عبر فاعليّة انسكاب الروح القدس فيها بشكل مستمرّ عبر ليتورجيّتها وصلواتها والأسرار المقامة فيها. هذه الأسرار التي هي قنوات للنعمة تجتذبنا إلى محبّة الله أكثر وأكثر وتملأ فراغنا بحضور الله وسلامه، فتدفعنا إلى استبدال بالأمور الباقية الأمور الفانية، حتّى يبتلع عدم الفساد الفساد الذي فينا. 

عندما غطسنا في جرن المعموديّة اعتمدنا على شبه موت المسيح وقيامته. أخذنا، كقوّة كامنة، إمكانيّة تحقيق الهدف الذي أراده الله من كلّ عمله الخلاصيّ، وهو أن يصير الإنسان المخلوق إلهًا بالنعمة الإلهيّة غير المخلوقة. هذه المعموديّة تطبع حياتنا كلّها، ونتربّى كي نجعل نعمتها فاعلة في حياتنا، لأنّ آثار الإنسان القديم الساقط لا تُمحى بالمعموديّة، وذلك حتّى يختار الإنسان بملء حرّيّته أن يساهم في عمل خلاصه.

تؤدّي التربية دورًا بارزًا في توجيه هذه الحرّيّة إلى الهدف المنشود، لتجعلنا مواطنين في ملكوت الله. فالأبوّة أو الأمومة لا تنحصر بالولادة أو العناية المادّيّة، بل تكمن قبل كلّ شيء في تقليد الأولاد الإيمان وتسليمهم الحياة التي تقودهم إلى الشركة مع الله.

ما لم تتغذَّ التربية في العائلة من فكر الكنيسة الذي هو فكر المسيح، ما لم تستمدّ إلهامها وحياتها من مسيرة الصلب والقيامة، وحتّى ولو بلغت إلى أكثر ما بلغت إليه البشريّة، تبقى ناقصة، جسدانفسيّة psychosomatique، ولا ترقى بالإنسان إلى الحدود، أو بالحريّ إلى اللاحدود، الذي أراد الله بتجسّده وصلبه وقيامته أن يبلّغه إيّاه. 

ما هي الطريقة الأكثر فعاليّة التي ينمّي بها الوالدان ابنهما ويربّيانه حتّى «يتكوّن المسيح في داخله» ويتمكّن، منذ الآن، أن يعيش خبرة القيامة والأبديّة؟ ينبغي أن يتدرّبا هما أوّلًا على حياة التوبة المسيحيّة، وعلى الحياة الأسراريّة في الكنيسة التي هي المستشفى الروحيّ. هذا سيساعد على أن تتمّ هذه العمليّة الشفائيّة، أوّلًا فيهما، ثمّ في الأولاد. فالأولاد لا يأخذون منّا ما نريد أن ننقله إليهم بقدر ما يأخذون ما نحن عليه. وبقدر ما نشفى بقدر ما تستنير أذهاننا، ويلهمنا الله الطريقة السليمة في التربية. 

الوالدان هما إذًا أوّل شاهدين للمسيح أمام أولادهما. لا يفرضان إيمانهما، ولكنّهما يظهرانه أمامهم حيًّا، جذّابًا، مبهجًا، مفرّحًا، مشّعًا، لامعًا» حافظين قلوبهم بعيدًا عن التأثيرات الملوِّثة.

العالم الخارجيّ يخنق نفس الإنسان بقبضة الأهواء. لذلك، في التربية العائليّة حيث نحيا بروح الله وروح الكنيسة، نتدرّب على أن نلجم حواسّنا، وننقّيها بالإمساك «حتّى نعاين المسيح ساطعًا كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه»... وتاليًا ندرّب أولادنا بشتّى الطرائق على حفظ حواسّهم، وعلى التماس النعمة التي تعبر بهم من ظلمة الخطيئة إلى نور القيامة.

فلنحاول أن نغطس في أعماقنا لندرك، ونكتشف ما الذي يعيق انسكاب نور القيامة فينا. فلنبادر إلى الجهاد وإلى صلب أجسادنا مع الأهواء والشهوات كي ننمّي محبّة الله في داخلنا أكثر. فلنحاول أن نقتدي به كمثال في كلّ ما أظهره لنا. حينها سينكشف لنا نور المسيح القائم لأنّ «المسيح مختبئ خلف وصاياه». ستعضدنا نعمته في إتمام ذلك، فتستنير أذهاننا وتدفأ قلوبنا ونصبح تاليًا أبناء القيامة حاصلين على الشفاء الروحيّ الذي يشعّ ويؤثر في جوّ العائلة كلّها.

 

على هامش الانتخابات

للمطران جورج خضر

تتساءل لماذا يكتب المطران في موضوع سياسيّ. في الحقيقة هذا ليس حصرًا موضوعًا سياسيًّا. هذا موضوع أخلاقيّ. لذلك علينا أنا وأنت أن نتأمّله معًا. عندنا في هذا المشهد سؤالان: ما موقفي من المرشح الذي يحاول إرشائي بالمال؟ ثمّ: من هو الذي أنتخبه؟ الجواب عن السؤال الأوّل هو أنّ من حاول أن يشتري صوتك لا يحترم رأيك أي لا يحترم شخصك. لا تضعف أمام محاولة دنيئة كهذه. فأنت، بشخصيّتك ونزاهتك أثمن من المال. المال مفسد كلّيًّا فلا تدعه يتسلّط على اختيارك.

السؤال الثاني «من تنتخب»، الجواب البسيط عنه إنّك تنتخب المرشح المزيَّن بصفات عدّة أوّلها الطهارة الأخلاقيّة، المعروف بمعاملته الحسنة للناس، والصفة الثانية أن يكون محبًّا للوطن، مخلصًا للبنان أي غير مخلص لبلد آخر، فإنّ من أحبّ بلدنا هو وحده القادر على خدمة أبناء البلد، ولا سيّما المنطقة التي أنت منها. وفي هذا المجال المرشّح المثقّف أفضل من الجاهل لأنّ مجلس النواب وظيفته الأساسيّة التشريع، وعضو المجلس الفاهم للقانون أصلح من الذي لا يفهم ويضطرّه جهله إلى أن يبقى صامتًا.

قد لا تكون متمرّسًا في السياسة، وإذا كان عندك خبرة تدقّق في تحالفات المرشح المعروض عليك اسمه. هل حلفاء من تميل أنت إليه طاهرون، محبّون للبنان وعلى قدر الإمكان مختبرون للحياة السياسيّة ومؤهّلون للجهاد؟

أنت يجب أن تتمرّن على الفكر السياسيّ، أن تقرأ على الأقلّ صحيفة واحدة، أن تستمع إلى مناقشات سياسيّة في وسائل الإعلام. النضج السياسيّ يزيدك خبرة في السنوات القادمة.

الأكيد أنّ ضعف الديموقراطيّة أنّ الفهيم والغبيّ متساويان فيها على صعيد تكوين البرلمان. كذلك المرشّح السيّئ والمرشّح الطاهر حتّى ينضج المواطنون وتقلّ أخطاء التقدير عندهم. في الديموقراطيّة الحديثة تتراكم الخطايا والأعمال الصالحة، الفكر الجيّد والفكر الشرّير عند الناخبين، ويتولّد المجلس من المصالح الجيّدة والسيّئة، ولكن ليس عندنا نظام أفضل. ويتحسّن النظام بالتربية الوطنيّة والفهم والثقافة وخصوصًا النقاوة.

أنت يقيّدك قلبك النقيّ وعقلك الصافي فلست عبدًا لأحد ولست أسيرًا للائحة من المرشّحين. أكتب أنت القائمة التي تريد لتُرضي الربّ على قدر ما أمكنك الفهم. كن مستقلًّا عن كلّ مخلوق ولكن لا تكره خصومك في السياسة ولا تشتم أحدًا والشتم عند المرشح دليل الضعف.

هذا صراع من أجل الخدمة. في السياسة ليس الحقّ كلّه في موقفك أو في حزبك أو في كتلتك لأنّ أمور هذه الدنيا كلّها نسبيّة. فقط ما قاله الله حقّ كلّه، وفي تحليل أمور الدنيا إمكانيّة الخطأ وصعوبة التحليل، والدنيا ليست ملكوت الله، ولكنّ نشاطنا السياسيّ ضروريّ لنقرّب هذا العالم ما أمكن من مشيئة الله.

لهذا عليك أن تنتخب للإسهام في الإصلاح ولو أدركت أنّك قطرة في بحر. ولكنّ القطرات تتجمّع. أنت، مسلحًا بأخلاقك وبقدر من العلم السياسيّ، تخدم بلدك وتراقب من نجح وتدعمه إذا رأيته مصيبًا وتلومه إذا أخطأ. وهكذا يسعى الإنسان إلى تصحيح فكره السياسيّ وإلى النهوض بالبلد.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: يوحنّا الإنجيليّ

التلميذ: لماذا يسمّى باللاهوتيّ؟

المرشد: لأنّه غاص على ألوهيّة المسيح كما لم يغص سواه بعد أن تحدّث الإنجيليّون متّى ومرقس ولوقا، بنوع أخصّ، عن بشريّة المسيح (حوادث سيرته والعجائب والأمثال). قال يوحنّا في المسيح أقوالًا إلهيّة خلّابة بدءًا من مطلع إنجيله: «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وإلهًا كان الكلمة». ثمّ عندك الحديث مع نيقوديمس والحديث مع السامريّة والخطاب عن الخبز السماويّ والخطاب عن الراعي الصالح، وخطبة الوداع المؤلّفة من أكثر من ثلاثة إصحاحات، نقرأها جميعًا في القراءة الأولى من القراءات الاثنتي عشرة يوم الخميس العظيم مساءً. كلّ كلمة من إنجيل يوحنّا تكشف لنا بهاء المسيح. كلّ كلمة منه تظهر لك أنّ المسيح والآب واحد وأنت واصل إلى الحياة الأبديّة بالمسيح، وأنّه هو الذي يسكن فيك بالروح القدس ويعمّدك بالروح والنار. كلمات لاهبة تحييك من العدم وتنقلك إلى السماء ولو كنت ما تزال على الأرض.

التلميذ: كيف كانت كرازته؟

المرشد: بعد القيامة بفترة طويلة ذهب إلى آسيا الصغرى (تركيا الحاليّة)، واستقرّ في أفسس حيث قاوم حركات ضالّة ومنها الحركة اليهوديّة المتأثّرة بالفلسفة اليونانيّة. وذاع صيته فاستحضره الأمبراطور دوميتانوس وحقّق معه وألقاه في قدر مملوء زيتًا مغليًّا، إلّا أنّه خرج سالـمًا من القدر فنفاه إلى جزيرة بطمس فنشر الإيمان فيها، ووضع فيها سفر الرؤيا، ثمّ كتب إنجيله وعاد إلى أفسس إلى أن رقد في الربّ وبلغ من العمر ما يزيد على المئة. إلى جانب الإنجيل الرابع، وضع يوحنّا ثلاث رسائل أُولاها وهي الكبرى تحدّثك عن المحبّة وذروة الكلام فيها أنّ الله محبّة.

التلميذ: بما تميّز إنجيله؟

المرشد: كلّ شيء في إنجيله يُختصر بكلام السيّد: «أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم»، أي حتّى الموت. ومحبّة الإخوة تبدو ثمرة لمحبّة الله إيّانا. ويقول تراثنا إنّ أهل أفسس كانوا يقولون ليوحنّا: «لماذا تردّد لنا: أحبّوا بعضكم بعضًا»، فكان يجيب: «إنّي لم أتعلّم شيئًا آخر لـمّا كنت متّكئًا على صدر المعلّم». المسيحيّة كلّها في كلمة المحبّة. وهكذا يكون الإنجيل الرابع قد أعطانا جوهر المسيحيّة؛ فإن أردتم دخول هذا الجوهر، طالعوا هذا الكتاب باستمرار.

Last Updated on Friday, 06 May 2022 20:18