Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2009 الانسان الجديد 01/10/2009
الانسان الجديد 01/10/2009 Print Email
Saturday, 10 January 2009 00:00
Share

النهار السبت 10 كانون الثاني 2009

المطران جورج خضر

الانســـــــــان الجـــديــــــــد

تسآل أساسي وهو أي لبنان نريد لا يقود، ضرورة، الى تطويع الإرادات ليظهر هذا الكيان السياسي المتجدد لأن لبنان الجديد أو المأمول بجدته بنية يكون أي ان السؤال مطروح على مستوى البنى وليس على مستوى العمق الروحي الذي نرجو ان يكون عليه الأشخاص لتنبثق الدولة من "الخلائق الجديدة" او المتجدّدة. تقول نريد البلد حراً، مستقلاً ويبقى هذا على صعيد القول لأن المواطنين لا يتصرّفون وكأنهم طالبون هذه الحرية وهذا الاستقلال. ان تعبّر عمّا تريده للبلد لا يحوّل رغبتك بالضرورة الى فعل. ان تطالب بالتعبير لسانياً وفي نضال منظّم لا يخرج من جعبة الساحر وطناً حقيقياً.
لبنان يصنعه ناس صاروا في دواخلهم كيانات عميقة، إلهيّة، تتسامى دائما لتقيم لله بيتاً على الأرض. الوطن، عند ذاك، يتشكّل بنيوياً، يتصوّر جسد له سياسي من هذه الروح. يبنى الوطن من خارج الإطار السياسي من خارج الحكي السياسي. تقوم أسسه على حياة روحية تنزل عليه من فوق.
على الصعيد السياسي فقط لك ان تصرّ على ان الوطن يتجاوز الطوائف، ولكن لفظة طائفة مزدوجة وتعني عندنا الله الذي يحلّ على الطائفة ومكوث السياسيين فيه او تملك السياسة عليها فتتحوّل الى كتلة جامدة وقاتلة بانكماشها على نفسها وزميلاتها. الطائفة بمعنى الجثة المنتنة، المفسدة للكيان الوطني تضرب الله في ذاته. نحن لا نستطيع ان نتجاوز الطائفة الى وطن الا بمعونة الله الذي يكون قد كشف كليّته لا كليّة الطائفة.
اذا حلّت النعمة في قلب كل لبناني، لا مشكلة في انتمائه الى احدى الطوائف الثماني عشرة، ولا حرج عليه اذا افتخر بتاريخ هذه الجماعة بلا عنصريّة او عصبيّة. غير ان المرتجى منا ان ندين بدين الحب ليس انه دين آخر او مغاير لكنه التركيز على يقيننا أننا نحيا روحياً بالآخر وحريّته واعترافه بحريّتنا على ان نؤثر ما يجمع على ما يخلف ونصطف صفا واحدا في ما يجمع فلا نثقل عقولنا بقباحات التاريخ ولا نرمي بشاعاته الى قلوبنا حتى تصفو القلوب وتتحرّر الرؤية وتطهر الأفئدة.
وهذا يعني ان نغفر لمن أساء الينا في الأزمنة الغابرة ولا نحمّل ذاكرتنا وزر الظالمين ولا نجعل مشاركينا في الوجود اليوم مسؤولين عن مغبات الأعمال التي انطوت، فالوجوه التي تواجهنا اليوم قد تكون على كثير من النور، وقد تصبح طيبات القلوب عند من اعتبرناهم خصوما طعاما لنا. أجل يجب ان نقرأ التاريخ عسانا به نتّعظ، ولست أدعو الى أن ننساه ولكن ألا نصير أسراه. واذا كانت جودة المسجّلين أخصاما كثيرة فنخلع عنّا الخصومة لنحسّ اننا متحاورون في الحق وطالبون اياه وسائرون على صراطه.

• • •

انا لا أنكر على أهل البحث صدقهم وسعيهم الى أن يعرفوا عند الآخر كل شيء، ولا أنكر عليهم نقدا او تحفّظًا فالحقيقة لا تلوي لاسترضاء الآخر. ولست أطلب من العلماء توحيد الأديان فهذا يناقض ايّة معرفة جدية صارمة. فالانسانيّة متعدّدة المشرب والقناعة. والأشياء هي اياها كما تراها. لكن الحوار يفرض نفسه جلاء للحقيقة ودفعا للهوى وطلبا للقربى وليس في ذلك سجال ولكن في هذا ايضاح واستيضاح حتى تعرف موقع فكرنا وموقع الفكر عند الآخر.
غير اني اعتقد ان بيننا قربى في مطارح كثيرة من العقل وان ثمّة خلافاً بين المفسّرين لسوء التدقيق في النصوص او ان نهجاً تفسيرياً عندي لا يوافق نهجا عندك. هنا تكمن صعوبة الحوار، ولكن لا تكمن هنا استحالة له.
الا ان همّي في هذه العجالة ليس الحوار بل لقاء الحب الممكن في هذا النص او ذاك. فاتخذ التماسا للحب نهج النحلة التي لا تذهب الى هذه الزهرة او تلك ومعروفة مصادر العسل عند النحالين. ولك انت دون ان تتنكر لمصادرك ان تختار فيها ما يدفع الى المحبة وليس ما يدفع الى الجدل. وهذا لأني لا أنكر على أحد حقه في التمسك بكل ما في كتبه، لكني ألتمس منه في فقري ان يسعى في مصادره الى كل ما يقرّبه مني وما يقرّبني منه.
لا أعرض عليكم ديناً جديداً لكني أرجو اليكم قراءة جديدة لأنكم قررتم ان تحبوني وقررت أن أحبكم. استخرجوا من تراثكم ما يدعم هذا الحب.
الوحدة من ايمانك وايماني. هي وحدة الانسان والانسان في ما نزل على كل منهما من الرحمة. الله الناطق سلوكا في هذا يخاطب نفسه فيَّ . ممكن ان نكون ماكثين معاً في خطاب الله. لست أحصر هذا في الوطن ولكن أهل وطني أقرب الى المعروف فأبني بلدي على لغة المتألهين وتعاطيهم. والتأله بمعنى التخلّق بأخلاق الله والدنو من الطاقات التي يمدّني بها وارد في المسيحية والإسلام.
تتكوّن، اذذاك، جماعة هي في نسيجها الحقيقي واحدة.

• • •

أنا بذا لا أنكر السعي السياسي، ولكنّ هذا بلا حضور للأبرار الصادقين الأطهار ليس بشيء. لأن الحكام يسوسون المجتمع الخيّر ولا يسوسون مجتمعاً طالحاً لأن هذا الذي لا يخضع لله لا يخضع للقانون أو للحكم أو للمؤسسات. هذا حد أدنى من الصلاح المجتمعي تقوم عليه دولة. انها لا تقوم على عناصر فقدت فهمها الإنساني وإحساسها الانساني. والمجتمع لا ينتظم فقط بعلم الاجتماع ولا ينتظم بقوة العسكر. هذا يدفع الشر الذي يقع تحت قانون العقوبات لكنه لا يدفع الى الخير القائم على طاعة الله بالحب.
انا أفهم جيدا الساعين الى دولة القانون الرافضة في طبيعتها دولة القبائل. وأدرك أهميّة المؤسسات التي ينتظم فيها المواطن الصالح. لكن المواطن الصالح ليس فقط ذلك الذي يخشى العقاب ولكن ذاك من شأن التعايش الحر واللائق. لولا الشر لما كان القانون ولما كانت الدولة. أعرف أن هناك ضرورة للقمع على ان يكون بلا استعداء للمخالفين أنفسهم.
أما اذا اعتبر اللبنانيون أنهم اذا أصدروا قانوناً وسهروا على تنفيذه فهذا يكفي للعيش الهنيء الصالح فهم مخطئون. نحن لا نرتقي الى العلى بمواطنين صلاحهم انهم لا يذهبون الى السجون. نحن نصعد الى العلى بأناس وضعوا السماء في قلوبهم وهم يسعون الى تحويل صحارى القلوب الى جنات.
هنا دور دين الحب اين توجهت ركائبه. عندنا اذاً سعيان: سعي سياسي عصري فيه كل التمدّن، وسعي إلهي فيه الخلق الكريم والتماس وجه الله ووجه الآخر. ان نتروّض ان نرى الله في الآخر ونحب وجهه هذا ما يجعلنا نفهم ان الله نور السماوات والأرض وان ملكوته يبدأ فينا وفي الأرض.

 
Banner