Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1992 المقهورية 09/05/1992
المقهورية 09/05/1992 Print Email
Saturday, 05 September 1992 00:00
Share

المقهورية  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار 5 أيلول 1992

المسكوبون محبة انقداح الملكوت، واحة النفس في الجفاف العميم. ولكنهم يدعونك على عطشك لكونهم قلة. تستلم منهم تلك الرقة التي تعينك على الانتقال من مظلومية الى مظلومية وكثيرا ما لا يدري الظالم انه ظلم لأنه غير ذي قلب مفطور. هناك كبرياء تجعلنا لا نحس بان من جاورنا بعض من حياتنا ان لم يكن في كبره كل حياتنا. فقط التواضع يمكنك من المعية لأنه يجعلك سائلا. وعلى مستوى الأعماق الوجودية ينبغي ان تردد هذه القولة المذهلة: "اما السائل فلا تنهر". سائل المال ليس بشيء اذا قيس بمن يسألك ان تصير شعر وجوده، هذا الذي يعترف انه يختنق اذا لم يصبح وجهك الى وجهه.

انا عارف بان ثمة التماسا للعاطفة مَرَضيا مصدرا للقلق والتشفي والاضطهاد. ولكن الآية التي ذكرنا لا تنحصر بركاتها بمن سأل بل همها الاول من سئل. فان فرح العطاء أعظم وهجا من فرح الأخذ. ولهذا كانت الكلمة الكريمة الاخرى: "بدد، اعطى المساكين فيدوم بره الى الأبد". هنا المال ايضا ليس بالشيء العظيم.المهم ان تبذل قلبك لمن احتاج الى حرارة فتوجد بدءا من انسكاب ويكثف وجودك بفرح من صار حضورك اليه دفئا.

والمأساة ان كل هذا الروح منكفىء الى بعض القلوب التي لا تعرف الحساب: منفتحة بلا خوف ويقول الآخرون عنها منفتحةبلا حصانة. فالسكب شجاعة لأنه لا ينتظر المبادلة. كل حب مشروط ليس بشيء. انه تجارة عواطف. لذلك ليس العشق من المحبة. انه باب من أبواب اللذة على أصعدتها. العشق جمالي. قد يلتقي الرؤية الالهية وفرحها. مع ذلك ليس هو بفرح. انه نبضة او رعشة . الذين ارتقوا معارج المحبة كما نصفها مظلومون ابدا لكونهم رفضوا منافع العصابة. فالعصابة ظاهرة التاريخ الكبرى حيث يجتمع الأنا الى أنا آخر ولا يصيران نحن. الأنا في العصابة يعظم ما عظم التواطؤ ويبقى كل واحد في نفسه غير متلاقٍ وغير مبذول.

***

المحب الكبير تحاك حوله باستمرار مؤامرة العزل لانه يهدد النفوس التي تؤثر انغلاقها. خروج هذه النفوس الى الحوار، الى الاقرار بالآخر يقلق حب الايثار فيها. لذلك كانت ضرابة. اعترافها بغيرها يكشف معطوبيتها والمعطوبيةافتضاح. تقرأ عظمتها ويصيبها دوار. هي تسمي جمودها صمودا وتختفي وراء الشريعة. فمن ظلم يظلم دائما باسم الله او ما كان له رديفا: القانون او سلامة الجماعة ووحدتها. انها لقراءة مبنية على عصمة القائم في السلطة ومسعى السلطة التعبيري انها قابضة على زمام الحقيقة والسلطة مفسرة لها وواقع السلطة ان مواقفها من شهوة بقائها ولكن ذكاءها انها لاتستطيع ان تقول ذلك او هي لا تعي ذلك فلا حياة لها الا اذا استندت على الله او بدائله.

وليست هي قادرة كلاميا ان تقنعك انك أبله لأنه من عدم الفطنة ان تدعيها لنفسها حصرا. هي لا تقاومك من ذكاء لها تقوله او من غباوة تتهمك بها لئلا ترشق بالتحيز فقد يكون التماعك ظاهرا. تحتاج لضربك ان تقول انك مثالي وان عندك شطحات وان هذا العالم ليس لأمثالك . تخرجك من إلحاح الزمان وتضع نفسها فيه وبذلك تحاول ان تزين واقعيتها للناس والواقعية في اعترافهم تدبير إلهي اما الخيال فهو من جنّ  الشعر فإذا رصفتك مع الشعراء فلا خطر منك فاستلذذ انت خيالك ما طاب لك. انك تكون قد انكفأت والأزمنة في مرارتها ينبغي ان يظهر من يعالجها.

والسلطوية فيها ما يشبه النسك وما يشبه العفة. هذا ضروري لتدعيمها. ذلك ان من تعاطى غير الاستبداد شهوة لا مصداقية له. واذا كانت الشهوات الأساسية ثلاثا الجنس والمال والسلطة فمن تبدد في الجنس ليست له مهابة من امتلك مالا كثيرا. فالثراء الكبير شهوة مكتفية، آكلة للوجود كله، غاية الوجود، متعة بحد نفسها. كذلك من استغرق في المال استغراقا فعبده عبادة لا يحتاج الى شيء آخر. كفاه المال سلطانا. ولكن المال ليس برّاقا كالسلطة. يجب إنفاقه لتأتي الكبرياء من الإنفاق. ان الغنى ان لم يتحول مجدا كبيرا ليس بشيء. انه لا يملأ الأنا حتى النهم. الأنا سلطة. انها الشهوة بامتياز، خلاصة التشهي. تستعير الفضائل. تلتمس العفة وسيلة. تلتمس الكرم وسيلة. ان حدا أدنى من العفة ومن العطاء شرط من شروط النفوذ. ان ملكية المادة ليست بشيء امام امتلاك الناس. اذا كنت لا تسعى الى صدقهم انطلاقا ما هم بشيء فلا يقدرون ان يزيدوا على قامتك ذراعا واحدة. لا شيء يؤتاه المسيطر من خارج نفسه. الناس مجرد حطب لنيران الأسياد. السيد وحده ولكنه يكابر. انه وحده والحاشية حوله. والحاشية تحديدا من الأغبياء وكل منهم وحده. ولكنهم يوجدون بعطف السيد، بما يفهمونه عطفا. لا فرق عندهم بين ان يكون هذا حقيقة او ان يكون مسرحية هزلية.

انهم يعيشون. حسبهم صعيدهم. في منطق هذا العالم هم أذكى من سيدهم لأنه لا يستطيع ان يغشهم. هو يأمل في انهم موالون له. الحق ان إخلاصهم لجيوبهم ولبقاء لهم "تؤمنه" قوة الزعيم. وفي رداءة الأزمنة يبدو هذا التكاذب   النمط الممكن للعيش ويبقى هذا التراكم البشري التافه.

***

ويبقى المشهد الهائل الى نهاية الزمان ان الناس مقسومون الى ظالمين ومظلومين، الى مشتهي السلطة والعافين عنها ولا سبيل الى رفع القهر والشيطان رئيس هذا العالم. وان أحببت ان ترى فالتائبون قلة. الدنيا مسرح رهيب يدوس فيه المستكبرون المستضعفين ولا ملجأ لهؤلاء سوى انهم يبصرون من بعيد "السماء الجديدة والأرض الجديدة" حين يسكن الله معهم ويمسح كل دمعة عن عيونهم ويلقى القاهرون في الظلمة البرانية وما من مصالحة. ولن يغفر اللـه لهــم.

 
Banner