Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1992 الطائفية والانتماء 12/05/1992
الطائفية والانتماء 12/05/1992 Print Email
Saturday, 05 December 1992 00:00
Share

الطائفية والانتماء  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 5 كانون الأول 1992

هذه العجالة اتمناها إسهامًا في حوار لا دخول سجال بيننا. فالمهم الإناسة وبسط مساحات الفكر الذي ندرك فيه التجلي والتجلي من المباسطة في الصدق وان يسعى كل منا الى الرؤية التي تنكشف للآخر. وهذا من الإيمان. والقانون وفاق ما قدرنا على ذلك. وهكذا يقول اهل الطائف والنازلون فيه ومنيتهم بعد ان حققوا الامن او بعد ان حقق لهم ان نرسي قواعد السلام الأهلي.

نحن مع القائل "ان كل الطائفيات جريمة وكل الطائفيات فتن وحروب أهلية". ولكن هل مَنْ قال هذا القول يعتقد حتمًا ان إجراء التمثيل النيابي على اساس وطني لا طائفي من شأنه ان يضعف الفتنة والا يثير حربًا اهلية؟ أيريدوننا على هذه السذاجة؟ يشبه هذا الظن اذا ظنوه اعتقاد مَن قال ان قانون العقوبات يردع الجريمة. الدول التي الغت عقوبة الإعدام كان مسوغها في هذا الإلغاء ان النص لم يردع احدًا. لم يستأذن مسيحيو اوربا ضمن كل بلد ليقوموا بما سُمي عندهم "حروبًا دينية" ولم ترجع اسبانيا الكاثوليكية الى نص لتذبح المسلمين وهتلر في اوج الحضارة الآرية نحر اليهود والعثمانيون ما كان في شرائعهم ما يخولهم إبادة الأرمن والكروات في علمانية نظامهم قتلوا الصرب منذ خمسين سنة وناس ولدوا على أبهى تراث مسيحي شرقي لا يرحمون امرأة اوشيخًا او طفلاً في البوسنة والهرسك.

ليس الإنتساب الديني جريمة ولكنه لباس تتخذه الجريمة الكامنة في النفس. الخطيئة تسعى دائمًا الى ذريعة لتفلسف نفسها، لتتزكى بسبب من هذا الصدام الداخلي بين الأمر الإلهي فيها ومعصيته. انت لا تختبئ وراء نص هربًا من مشكلة. المشكلة قائمة في الدين كما نتقبله او في المذهب كما نفسره اي انها متصلة بعمق دينك او سطحيته فيك. مبتداء، الإنسان الآخر على خطأ ولذلك يجب ان يخضع لي. "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" وتخطو خطوة قصيرة لتجعله في النار هنا، لتعذبه في دنياه. تخترع له شرعيًا مقامًا دونيًا لأنك قررت ان العالم لك وانك حال في النور وانه حال في الظلمة ولكونك عشير النور "تهديه" او يباد. وأصلاً يجب ان يباد. وهذا من القديس توما الاكويني يا صاحبي. ولكن الاكويني يشفق عليك ليقول إن في هذا أذى كبيرا مجتمعيًا ويتسامح ببقائك (لا يؤسسه).

***

وإذا عدنا الى لبنان فيقول لنا المؤرخون ان الفتن الاولى اضرمها عندنا المصريون ليشقوا الصف المسيحي والصف الدرزي وان مذبحة السنة الستين كان وراءها الانكليز والعثمانيون. فجاءت القائمقاميتان تهدئة وجاء التنظيم الإداري وبروتوكول 1864 تطمينًا للنفوس. النص ظنوه يساعد على إراحتها والتشريع تضعه علّه يساعد وإذا ما الغيته تبقى النفوس على غيها.

ثم اثبت السفير عادل اسماعيل في "الوثائق الديبلوماسية" المنشورة بالفرنسية ان حادثة واحدة ما وقعت خلال ثلاثمئة سنة الا وكانت اصابع الاجنبي وراءها وقيل اننا خضنا في ال 1975 "حروب الآخرين". اتخذت الطائفية ذريعة وتؤكد الوقائع ان الذين اتجهوا الى إسرائيل إنما فعلوا ذلك بعد اندلاع الحوادث وان الذين اوكلوا امورهم الى الفلسطينيين فعلوا ذلك بعد تفجر المأساة. إن اللبنانيين ما كانوا مسلحين بمقدار يسمح لهم بحرب. إنهم ما فكروا بها إنطلاقًا من انفسهم. إذ ذاك، لا تكون طائفيتنا على هذه الجسامة من الإجرام الذي يندلع به البلد. والسارق عندنا يسرق الى اي ديانة انتسب والمرتشي يرتشي ويستزلم الازلام لأنك تستضعف الناس ويستقوون بك في غياب الدولة.

مع ذلك كانت الطائفية بمعناها النفسي شرا كلها وشر ما فيها انه لا بد منها اذا خرجت من دماء وارادت ان تعالج الظالم والمظلوم معًا من غبن او خوف. وأخشى ما اخشاه ان نقع في جدلية السيد والعبد فمن احس ان ذوي الامتيازات او الضمانات كما يؤثر البعض ان يقولوا قهروه فهل يتحول الى نعجة علمانية تثب الى المواطنة ولا تنتقم؟ أليست كل القضية في هذا ان نؤمن بالمواطنة اولاً تهذيبًا للنفس وترويضًا؟

وقد يتطلب هذا من المسيحي ان يؤمن بأن نفس المسلم قادرة على العطاء الكبير وقد بلغت الصفوة عند المسلمين في الرقي مبلغًا كبيرًا. ولكن "ليطمئن قلبي" كما يقول القرآن ينبغي على المسيحيين ان يصدقوا ان جماهير المسلمين امست على هذا الهدوء الداخلي الذي يجعلها تطلب في الانسان الكفاءة. وينبغي على المسلمين ان يقتنعوا ايضًا ان أولي الامر في لبنان يمكن ان يؤخذوا من الصف المسيحي فلا يلعب احد لعبة حسابية شيطانية بحيث تحسم الديموغرافيا المشكلة حسم طغيان فيأتي استبداد الجمهوراكثر ايلامًا منه في الطاغية الفرد.

وقد يتطلب هذا من المسلم ان يؤمن بأن النفس العيسوية قادرة ان تكون على سماحة عيسى وانها ليست بالضرورة هاربة الى العدو او متوكئة على الاجنبي وانه لن يطول زمان تعصبها اذا رأت ان المسؤول المسلم لا يحشر محسوبيه في الدوائر وان الإلتحام القائم بين المسلمين -وهو شعور صالح اصلاً- لا يترجم بنفي الآخرين الى المقهورية فالهجرة. إذ ذاك يطرح السؤال نفسه: هل يكون هذا في صالح المسلمين ام يصير توطئة لزوال لبنان وطن تعايش كريم. ففي آخر المطاف يبقى السؤال الممكنة واقعيته: إذا ضعف هذا التكامل الإسلامي المسيحي او هذا التناضج هل له هوية تميزه عن الجوار؟ قال لي صديق مسلم كبير في التقوى وكبير في الثقافة: انا ما كنت على هذا الهندام ولا على معرفة اللغات التي أتقن لولا هذا الإلحاح المسيحي علي. عند هذا الرجل المسيحية حافز وعندي ان المنفتحين من المسيحيين لم يتحرروا من التعصب لو عاشوا بلا اختلاط. كل شعوب العالم الثالث بسبب من فقرها العقلي وتعسها الحضاري مثقلة بالتعصب الديني. مشكلتنا ليست مع الإيمان في موضوعيته ولكن مع هذا الذي يخالطه من اسطورية وجبرية وانعدام بصيرة بسبب من الفاقة وبسبب من الجهل.

***

قرأت الطائف مجددًا وعدت الى الدستور. "إلغاء الطائفية السياسية هدف" والمجلس الحالي يتخذ "الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية" (الإصلاحات السياسية، الفقرة ز) وليس في ذلك كله مهلة محددة. وبعد هذا يحتم هذا الفصل إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي الأمر الذي تم في الدستور. فهمي ان ليس في وثيقة الوفاق الوطني ما يوحي بالانتقال من الدستور الى قانون وضعي ولكن المقرر تشكيل هيئة "دراسة واقتراح الطرق". ليس في النص ما يحتم ان المجلس الآتي يجب ان يكون مؤسسًا على المادة 59 الجديدة. المرحلة الإنتقالية يمكن ان تطول وتبقى التساؤلات المتحدية التي طرحتها في هذا المقال. تخوفي عند التطبيق على اساس المحافظات القائمة الا يكون للدروز ممثل ولا للأقليات ممثل.

اللجنة المكلفة لا بد ان تنظر الى المسألة من كل جوانبها اي الى القضية التربوية اولاً وهذا لا يتم بسحر ساحر وان تنظر عمليًا في تجنب الإقصاء الفعلي  لشرائح كبيرة من الشعب. وهنا لا مزايدة في الوطنية وافتراض مجتمع مدني هي متوفرة فيه بكل شروط تكونه ويأتي مخاض تاريخ. المطلوب تحاشي الهوس والتسرع الغبي الذي يستفحل فيه الشعور الطائفي الى حد العداء والعداء المسلح. اذا صح تحليل المحللين لم يكن لبنان ساحة حرب دينية او ما كان الانتساب الديني عنصرًا في الحرب رئيسًا. ليس من بوسنة ممكنة في التريث والدراسة. البوسنة آتية لا محال اذا قررنا الحكم المدني توًا وتاريخ تنفيذ له سريع بلا توعية او بتوعية ناقصة. هذا قرار تاريخي لم يسبقه قرار بهذا الحجم ثم ليس مثله ما يمس الكيان الشخصي والمشاعر العميقة. مَن يدفعنا اليه بضراوة يريد لنا شرخًا اين منه الشروخ السياسية السابقة التي لا تمس النفس في ما تعتبره ذاتية لها متعلقة بالله والكون والمصير. لا ينبغي ان نصل في الجدل القومي ولا في القرار الى نقطة اللارجوع.

 
Banner