Article Listing

FacebookTwitterYoutube
Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2011 رهبة الموت 03/19/2011
رهبة الموت 03/19/2011 Print Email
Saturday, 19 March 2011 00:00
Share

رهبة الموت      

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 03/19/2011

ما من رهبة تقارَن برهبة الموت لأنه العدو وان كان من عداوات اخرى فهي مهيئة له. ولعل شيئا من الخصومة بيننا وبينه ناتجة من كوننا لا نستطيع ان ننتظره اذ لا نعرف اليوم ولا اللحظة اللذين يحل فيهما. يأتيك مرض رهيب وتبقى في الوجود ولا يأتيك مثل هذا وتخفى. أنسباء من مات وأصدقاؤه يحسون هذا الرحيل وكأنه قصاص ينسبونه الى الله. هذا يعبرون عنه بقولهم ان "الله يميت ويحيي" اذ لا بد ان يحل حدث كهذا بأمر من كان سببا لكل شيء. أليست وظيفة الخالق ان يكون مصدرا لكل شيء والشيء يعني الوجود كما يعني العدم. غير ان هذا الاعتقاد يعني ان لله خطة في إلغاء الحياة كما له خطة في استمرارها. هذا يعني بصورة أبسط ان ربك منذ الأزل يمسك بدفتر سجل عليه اسمك وكتب عليه السؤال هو لماذا يهتم لك حتى تبلغ المئة أو أكثر أو لماذا يتخلى عنك كما تقول العامة. أليس الاقرار بالتخلي الالهي إقرارا بتحيز الرب في هذا الأمر أو ذاك.
في الحقيقة لسنا نعرف المقاصد الإلهية اذ تركنا في السر الكامل أمام حدث لا مهرب منه. أعترف ان هذا مخيف لكن كثافة الخوف تزداد عندنا اذا اعترفنا ان الرب سبب انخطافنا عن هذا الوجود وتتغير مواقفنا كليا اذا آمنا ان الله يحب استمرارنا في الوجود وليس له موقف اعتباطي ولا يملك دفترا يفتش فيه عن اسمك وزمان رحيلك لأنه ليس بمزاجي ويبقى على صعيد العاطفة البشرية الموت محجوبا سره عنا وقد ينكشف السر في اليوم الآخر.

•••

في سورة الزمر، الآية 48: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" تمييز بين فراق النفس عن الجسد والتوفي الذي يقوم به الله. هذا القسم من الآية يبدي اننا أمام امرين: الأمر الاول: موت النفوس وتوفي الله النفوس التي فارقت. يستعيد الله من النفس وديعته. هذا هو عمله. اما بأي سبب تعود اليه من اصطفافها في الطبيعة فهذا سؤال لا يبدو ان ثمة جوابا عنه.
انا لا دخل لي في حديث القضاء والقدر. أتمسك بقراءة مستقلة تبين لي الفارق بين الوفاة وما يسميه الكتاب "موت الأنفس" لأقول ان النفوس تذهب الى الله كما تذهب ويتقبلها الله برحمته وكل شيء عند المؤمن هو هذا التقبل.
ولا يتعزى المؤمن اذا شرحت له السبب البيولوجي للحدث. انه على فهم نسيبه أو صديقه ذلك، الحزن حزن وفي الحقيقة ان المعرفة البيولوجية للفراق ترجيح والترجيح العلمي لا يعزي لأن حبيبك قد ذهب وما كنت تريده ان يذهب.
القصة كلها انك لا تحب الغياب. الألم ان من كان في عينيك أمسى خارجا عن النظر وكل شيء هو اللقاء الدائم في العيون وفي باقي الحواس. الوجود هو في اللصوق. لا أحد يصالح الغياب ويبقى الانفجار على مقدار الحب ولا يقوم الكون على قاعدة الفهم العقلي والبكاء تسجيل لعدم الفهم.
اذا جعلت ميتك في حالة انحسار عن ناظريك وذاكرتك يكون هذا بدء تحررك من صورة له قابضة عليك ولا ينفع ان تنقله من بصرك الى بصيرتك اذ يبقى هذا انكماشا لك فيه ويختزن عناصر موات فيك. انت عليك ان تتحرر من الأموات لأن حياتك فقط في الله. اذا جعلت المائتين في رعاية الرب أي في حقيقة محبته تكون قد رفعتهم الى الحق. لقد سمعنا كثيرا في مآسي الحرب: هذا الشهيد أو ذاك فينا. اذا كان هذا القتيل أو ذاك حيا فيك فأنت عبده. انت مدعو الى الحرية من كل الأموات واللقاء بينكم هو فقط في الصلاة أي في حركة دفعك اياه الى ربك اذ لا يحتاج هو اليك ولكن الى انعطاف الله عليه.
ما يسميه المسيحيون شركة القديسين لا علاقة له بتذكر الأحياء للذين ذهبوا. هي المشاركة في القداسة فقط. الكنائس التي تؤمن بالاستشفاع ليس فيها ارتكاز على الانفعال العاطفي. انه الارتكاز على الروح القدس الذي يطهر الأرواح كلها ويؤلف منها كنيسة واحدة.
الجهد الذي لا بد من بذله تأسيسا على ما قيل هو ان نرى الميت الذي نعز متكئا على صدر المعلّم فإن العشاء السري مستمر وفي انسلاخنا عن هذا العالم نستمع الى قلب السيد ويبدأ الفهم ويصعدنا الى الآب الذي في حضرته نتكئ على الرحمة التي هي مجالنا عنده. في الملكوت نذوق القيامة شيئا فشيئا. القيامة ليست زمنا. هي حنان واذا كنا نرجو هنا الغفران فإنه ينزل علينا مذ ارتحال النفس عن الجسد اذ لا يمكن عند الافتراق ان نكون أمام العدم. منذ اللحظة الأولى نحن في الرؤية تأكلنا القيامة بحيث نبدأ الدخول الى الفصح.
فصحيتنا ليست مرجأة لكن الفصح الواحد المشترك يعلن في القيامة الأخيرة ليسطع حب الله علينا وحبنا له.
من هذا المنظار المجد ليس مجزأ. انه سعة متسعة. من قدر ان يعيش هذا بقناعة تامة لا يموت.

Last Updated on Tuesday, 22 March 2011 16:37
 
Banner