Article Listing

FacebookTwitterYoutube
Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2011 مملكة المسيح 05/14/2011
مملكة المسيح 05/14/2011 Print Email
Thursday, 12 May 2011 00:00
Share

مملكة المسيح

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 05/14/2011

الحوار بين السيد وبيلاطس درامي للغاية. بناءً على اتهامات اليهود سأل الوالي يسوع الناصري: أأنت ملك اليهود. لم يكن الحاكم مهتمًا للتهمة لأنها لا تهزّ عرش قيصر. تهمة لا توصل الى إعدام المخلص. الوالي، قاضيا، قال له أخيرا: ماذا فعلت؟ أجاب يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم». مصدرها ليس الأرض. مع ذلك اؤكّد اني ملك. وظيفتي تنحصر في هذا: «انا ما ولدت وأتيت العالم الا لأشهد للحق. فكل من كان من الحق يصغي الى صوتي».

 

في كل أمّة وفي الانسانية جمعاء انسان او بضعة أناس ليست وظيفتهم ان يحكموا اي ان يتعاطوا السياسة ولكن ان يشهدوا للحق. قال الناصري مرة: «من أجلهم (أي التلاميذ) أقدس ذاتي وهي تعني في الأصل اللغوي للكلمة اني مخصص لله او متخصص بشأن الله على صورته يقول المؤمن اي لي لغته لأنه نزل اليّ وساكنني لأني تواضعت امامه واما اذا بنيت لي برجا كما في بابل قديما لأصعد الى الله بقوتي مع بعض المستكبرين فإنه يهدم البرج ويبلبل ألسنتنا ومعناها انه يجعل في كل انسان نعاني تختلف عن المعاني الأخرى وليس لله مكانة في هذه اللغات ولا يملك الله علينا لأنه لم يبقَ هو ملك الألسنة كلها ولا هو الوحيد في القلب البشري فصار لكل انسان قلب اي بات القلب وكرا للأفاعي وتمزقت الأفاعي في القتال فيما بينها وصارت لهم ممالك كلها من الأرض وفي اللبنانية مزارع وبطلت الأنا ان تصير نحن. الأرض لا تنبت لله مملكة. لذلك قال يسوع النازل هو وكلماته من السماء لممثل روما الأرضية «مملكتي ليست من هذا العالم».

أنا والعالم ليس لنا لسان واحد الا اذا رأى هذا العالم انه مدعو ان يكون -على مداه- ملكا للسماء او سماء.

ربما كانت قلّة تعي انها جاءت لتشهد للحق وان لسانها لسان الحق فقط وربما لا تعي ان وسائل التخاطب عندها رسائل الحق بمعنى انها جاءت لتقدس ذاتها حتى اندماج لغتها بلغة الله، الأمر الذي يجعلها قائمة على قداسة الحق.

اعتقد ان كلام المسيح لبيلاطس «مملكتي ليست من هذا العالم» تعني ان الناصري جاء بلغة جديدة، بالكلمة وان عليك انت ان تتبعها وتتبناها لأنك ان لم تفعل لا تكون قد قبلت التغيير الكامل للتكوين البشري وانك تستعير فقط مصطلحات من كلام الناصري وقناعتك لا تأتي من حيزه في الحقيقة وتظن انها منه لأن لك دورا مجتمعيا او مكانة او نفوذا تبيح لك ان تكون مملكتك من هذا العالم ومكونة منه لتكون على حكمة هذا العالم وحذقه وتستمتع بذكائك الذي هو من هذا العالم وتحسب انه لك من الله لكون الله مصدر الذكاء.

وقبل ان يقول يسوع: «مملكتي ليست من هذا العالم» فكر بانتماء تلاميذه الى مملكته «ليسوا من العالم كما اني لست من العالم كرّسهم بالحق». ما هم عنه مسؤولون ان يشهدوا للحق لا ان يعملوا سياسة كما هيرودس والأحبار وبيلاطس. ان يشهدوا للحق هو ان يمتلئوا قداسة اي الا يكون فيهم غير لاهوت الله ولا على لسانهم الا ما جاء من الكلمة الذي كان من البدء اي قبل الكون وقبل سياسته.

«كما ارسلتني الى العالم فكذلك انا ارسلهم الى العالم» اي كما اني لست اقول شيئا من ذاتي اذ أخذت كل شيء منك كذلك لن يقولوا شيئا من ذاتهم ولكن مما أخذوه مني. ليس اهم هوية من ذاتهم. هم انا في اجتهادهم الأعلى وكأنهم من الأزل مثلي كما اني انا وانت قبل الأزل معا.

مع ذلك يقر بولس الرسول ان في هذا العالم حكمة ومنها حكمة الكلام غير انه يوضح ان العالم لم يعرف الله بالحكمة البشرية لأن المسيح «قوة الله وحكمة الله». هل يعني هذا ان ليس بين الحكمتين حوار وان لغة الإنسان الساقط سيبقى الى الأبد تباين بينها وبين لغة الله وان ثمة القديسين مفصولون عن الأثمة؟ السؤال صعب للغاية: ولكن اذا تبينا ان كلام الله هو سلطانه في العالم وان حقيقته هي الحقيقة فما من تسوية ممكنة بين الموقف الإلهي والموقف البشري الساقط في معظم الأحوال.

الإغراء الكبير ان تجعل كلمة الإنسان بديلة عن كلمة الله وهذه هي التسوية او هذا هو النزول من المستوى الفوقي الى ما هو تحت بحيث تستعير المنطق البشري لتغلف به المنطق الإلهي او تخفيه وتقنع نفسك بأنك حكيم وبأنك محب وانك تعمل كل هذا لمصلحة البشر.

ويسير منطق الحاصلين على حكمة الدهر هكذا. هكذا هم البشر وهذا ما يفهمون فلننزل اليهم. وتصير المسيرة في الواقع انك تتبنى حكمة هذا العالم حاسبا نفسك خادمًا للحقيقة. هذا هو الوهم الكبير فبرج بابل قد سقط وتبلبلت الألسنة وصرت انت من أهل الأرض وغطى ترابها القليل من النور الذي كان لا يزال فيك.

أما كيف تستخدم عبارات هذا العالم وأساليبه وزواريبه لتجعل الله ناطقا فيها فهذا عمل النعمة فيك وثمر السهر الدائم على طهارة موقفك. ان تكون بشرًا تائقًا الى الألوهة في كل التزام لك لتقديس اخوتك بالحق غير حاسب لنفسك اجرا وغير مجمل وجهك يجعلك متمكنا من حكمة هذا العالم غير خاضع لها.

كيف يتغيّر عالم الإثم؟ لا يتغير بفرط الذكاء وكثرة الأذكياء الذين حبل بهم بالإثم وولدوا ونشأوا في الخطيئة. يغيره الذين يجلدون أنفسهم بكلمات الحق كل يوم حتى لا تنثني الخطايا في جلودهم. فيكونون شهودًا للحق اي ليس من فاصل بينهم وبين الحق. العالم يخلص بقليل من الذكاء وكثير من الحق، الفقراء دائما الى بهاء القديسين حتى يتجلى الرب في الأكثرين فيدخلون مملكته الى مملكة هذا العالم.

Last Updated on Saturday, 14 May 2011 14:46
 
Banner