Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2011 الحب الواحد 10/01/2011
الحب الواحد 10/01/2011 Print Email
Saturday, 01 October 2011 00:00
Share

الحب الواحد

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 10/01/2011

سوريا واحدة ونحن نريدها واحدة. تشرذمها خطر على المنطقة كلها وأولا على لبنان. لقد أنشأ الانتداب الفرنسي ثلاث دول فيها حتى استعادت وحدتها سريعًا لإحساس شعبها بوحدته.
هذه الوحدة يمكن توطيدها بالسلام الذي يفترض ان يبقى الدم في أوردة السوريين وشرايينهم "نجني من الدماء يا الله" (المزمور الـ50).


لا قوة للشرق العربي ولا أمل له في الصمود امام العدو من دون سوريا قوية، متلاحمة أطيافها، حرة من تاريخ تشنجاتها، غير وارثة سوى أمجادها. ان الحكم المدني حلمها فيما صار اخيراً حلم العرب. نرجو أن يبقى هذا الحلم في النفوس ورفضًا للتراث المتجمد وتمييزًا بين اللاهوت والناسوت او بين حكم الله لما نسمّيه خلاص النفوس وحكم البشر الذين لهم ان يستلهموا ربهم في إدارة شؤون الأرض. فالأولى لا تصير آخرة لكنها تتوق اليها وتنتقل وفعلها في الحضن البشري.
في كل العروبة هذا هو الموضوع لأن العروبة تتضمن سؤالاً رئيسًا حول شرعية قيام الانسان في ناسوتيته وهذا ما يبرر التعددية وحمل عبء التعدد في وحدانية الوطن. التعددية ليست بعثرة والاصطفاف الواحد بلا ألوان سياسية مختلفة يقتل الأفراد اي يقتل الحرية. وعليك ان تختار بين الحرية المتفرقة الأفكار بالضرورة والحزب الواحد. لله وحده الحق في أن يعتقد انه كل الحقيقة.
أرجو ان يصل العرب الى الاعتقاد ان اختلافهم غنى لهم وان يعتقدوا بخاصة ان الله لم يفوض الى احد ادارة الدنيا. هذا ما يعنيه الحكم المدني. انه تجمع الناس في بلد من البلدان يجعلون عقولهم معا وانا ما قلت ان عقولهم معزولة عن الله كل كتلة لها ان تظن انه يوحي اليها ما يشاء لكنها لا تستطيع ان تفرض على بقية الناس ما هي تحسبه أساس الحياة المجتمعية. لا يعني لي شيئا ان تقول دولة انها تدين بهذا الدين او ذاك. الدولة هيكلية قانونية اي انها ذات تركيب تجريدي. اما الوطن فأشخاص يتلاقون ويتفاعلون وبينهم وجداناتهم اي أعماقهم الإنسانية ومن هذه الأعماق تطلع مسيرة الدولة. أنت في الوطن أخي وأقيم معك الدولة في مواجهة أفكارنا وقناعاتنا وفي مقابلتها نصل معا الى حكم يوافقك ويوافقني ولا بد ان نختلف لكن ميثاقنا ألا أبسط يدي لأقتلك ولا تبسط يدك لتقتلني. الدولة هي قبل كل شيء مكان السلام.

***

ليس أحد يعلم الى أين الربيع العربي صائر. لا بد ان فيه بذارا ديموقراطية لكنه قد لا يخلو من أصولية. قد لا تكون هذه على الشدة نفسها في كل البلدان ولكن يجب ان نفهم ان ديكتاتورية جماعة قد تكون اسوأ من ديكتاتورية فرد. أمام هذه الضبابية التساؤلات حول الحرية تطرح نفسها بسبب من اختلاف الفلسفات السياسية.
غير ان هاجسي ليس التطور الممكن لكل ربيع عربي لأن العروبة السياسية ذات ألوان او نكهات مختلفة. ما يحدث في مصر لم يكن له مثيل على أيام ملوكها وقد كنت في شبابي متتبعًا لحكم الملك فؤاد والملك فاروق وأتت ببطرس غالي باشا القبطي رئيسًا للحكومة وثورة مصر على الانكليز قام بها مسلمون وأقباط على السواء اي ان قربى المسيحيين من الأجانب ما كان معروفًا. لماذا تغير الموقف بعد ثورة يونيو لست أعلم على التدقيق لأقول في الأمر شيئًا. الانبا شنوده بابا وبطريرك الاسكندرية كان يرفض رفضا قطعيا ان يحلم اي قبطي بذاتية قبطية على الصعيد السياسي. هل يكون احد أسباب التوتر ان الأقباط في الجامعات والمهن الحرة كالطب والصيدلة كانوا متفوقين بصورة منقطعة النظير. ربما التقدم العلمي لا يخدم احدا. الى هذا كلنا يذكر ان الانبا شنوده منع ابناءه من ان يزوروا اسرائيل بعد إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين. واللاهوت القبطي ككل اللاهوت الأرثوذكسي متشدد تجاه اليهودية واليهود. وممنوع على أحد ان يجادل المسلمين فيما لو أصدر احدهم كتابًا او مقالا ضد المسيحية. وما من شك في ان الأجهزة الأمنية المصرية على شيء من التراخي إزاء أحداث طائفية. المشكلة تحتاج الى حل جذري لأننا نريد جميعا ان تبقى مصر العزيزة بلدا عربيا مميزا. ما من واحد من جيلي حركته الثقافة العربية الا اذا جاء عقليا من مصر. ومن يعرف العظمة الروحية عند أقباط مصر وتقواهم وهدوءهم يحزن لاغترابهم.

***

ما يهمنا بنوع خاص هو المثلث سوريا - فلسطين - لبنان - حيث تتقارب الطبائع والتقاليد بين المسيحيين والمسلمين. لست أعرف لماذا لنا هذه الخصوصية في دنيا العرب. ولكن الواضح في ذاكرتنا الجماعية ان الحكم العربي منذ البدء راعى المسيحيين. فقط حكم المماليك كان قاسيا ربما ايضًا على أطياف غير مسيحية. بقيت عقلية القربى سائدة بيننا في العصر العثماني قبل كفاحنا والتتريك في اوائل القرن العشرين. بكل اطمئنان يمكنني القول ان السلاسة في علاقات الطوائف كانت حاكمة ولن تتغير طبائعنا بسهولة او سرعة. لذلك لست أرى سببا لمخاوف بعض المسيحيين. ما جرى في العراق الواقع في حرب طويلة لا يمكن اتخاذه نموذج خطر على المسيحيين فالكل هناك قتل الكل. ونحن تختلف ذهنيتنا عن الذهنية العراقية.
هل ينقص المسيحيين شجاعة ورجاء. لنا ان نمد أيدينا الى أيدي المسلمين كما كنا نفعل دائما. أفهم ان يقال ان ثمة حركات جديدة، متصلبة.
لكننا على كل الصعوبات نحن نحيا بالمسيح القائل انه معنا حتى منتهى الدهر. الخوف اكبر قوة تقتلعنا من مكاننا. هو دائما قتال لمن يسميهم الناس أقليات لأن العدد عندهم هو كل شيء. الى هذا شعوري ان المسلمين المعتدلين الذين يحبوننا ويريدوننا أهم وأقوى من المتشددين. وكل منا يعرف بينهم الصديق المحب.
آن للمسلمين ان يفهموا ان التهمة القديمة القائلة بأننا كنا نتعاون مع الأجنبي لم تبق الآن صحيحة. ألستم تذكرون ان شارل ديغول الشديد في إيمانه الكاثوليكي هو القائل ما مفاده ان فرنسا تتعامل مع الطوائف اللبنانية على السواء؟ يبقى الأميركيون الذين يدركون ان الدولة ليس لها صاحب الى الأبد. وهم لم يظهروا يوما انهم أصدقاء المسيحيين. ماذا نستطيع نحن ان نعطيهم ولهم مداخلهم ومخارجهم مع بلدان عربية ليس فيها مسيحي واحد. ونفط المسلمين جذاب.
في السنة الـ 636 كان العرب يحاصرون دمشق. فهم واليها منصور بن سرجون جد القديس يوحنا الدمشقي انه يجب ان يفتح أبواب المدينة لئلا يدخل العرب عنوة وقد يتعرض المسيحيون لخطر. ولكن لما احتل العرب دوائر الدولة وجدوا ان المسيحيين ماسكون بكل الدواوين. استبقى المسلمون المسيحيين في الدوائر لكونهم اصحاب المعرفة. معنى ذلك ان المسيحيين فهموا ان العرب دخلوا بلاد الشام ليظلوا فيها حكاما وفهم المسيحيون انه لا بد من التعاون.
الشيء الآخر الذي لا بد من قوله ان اهل السنة هم 85% من مسلمي العالم وان كل فكرة حلف الأقليات باطلة وغير نافعة. هذا لا يعني اننا نترك صداقتنا مع الشيعة. انهم اولا رافضون كل صدام مع السنة ولهم جميعا ومتحدين قيل: "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر". نحن مغتبطون جدا لنهضة الشيعة كما نحب شعراءهم القدامى والمعاصرين. وفي الإلهيات نحب انفتاحهم وقد ظهر عظيم من عظمائهم الامام موسى الصدر انه يحبنا في صدق كامل ورددنا محبتهم في صدقنا. غير انه لا بد ان نفهم اننا عايشنا السنة في المدن معايشة صدق ايضا فيها كبر عندهم واظن اننا كنا على كياسة تجاههم ومحبة ربطت افرادا وعائلات الى هذا اليوم. نحن لسنا فئويين في معاشرتنا المسلمين وهم امة واحدة. قلبنا مفتوح لهم جميعا اذ ليس في قلوبنا ان كنا للمسيح سوى المحبة.
غير اننا، مسيحيين ومسلمين، في حاجة الى التوبة والتطهر الدائم لنعانق الآخر. ووحدتنا الوطنية عناق حتى لا يمسها الرياء.
هذا وطن العطاء القائم على الرجاء وديمومة التنقية. المسلمون فيهم «جرح عيسى» اي جرح الحب كما سمّاه ابن عربي ولا يريدون ان يشفوا منه لأن له الولاية. ونحن معهم في هذا الحب. هكذا يُبنى الوطن.

Last Updated on Saturday, 01 October 2011 11:33
 
Banner