Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

العتاب 12/10/2011 Print Email
Saturday, 10 December 2011 00:00
Share

 

العتاب

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 12/10/2011

في آذار 1952 بعد انهاء دراستي في باريس عدت الى دمشق حيث مركز كنيستنا وفيما كنت أزور أحد أصدقائي سألني أتريد سماع أغنية "عتاب" لفيروز فسمعتها وفهمت انها معاتبة لفقدان حب. كنت أفهمها على انها تعني لوم الآخر لأنه أنقص ما يفرض عليه واجبا نحوي. أنا اذًا مركز وما همّني من الناس أنّ عليهم اداء واجب أنا أستحقه مكتوب عليهم بسبب ود مفروض انه يربطنا. الود يتطلّب تعبيرا وان لم يؤدَ فحساباً وأنا المحبوب أحاسب لأني أقضي وانت كنت ناقص الواجب ولست على الحرارة التي كنت أتوقعها منك. انت تحت القضاء وأنا القاضي. كيف يكون المحبوب قاضيا؟ سلوا اللذين ألّفا "عتاب" رحمهما الله. 


الصداقة تنزل على من تنزل وكذلك ما يسمى الحب. هذا سرهما وانت تتقبل ذلك بشكر وانفعال قلب وهذا يغنيك وقد يكون غنى شخصيتك الأول أو الاهم. المحبة تعطي ولا تنتظر ردا. وقد يأتي من قلب شكور. هي تعطي لأنها نعمة من الله المجاني العطاء وتمارس مجانيته في خلقه. المحب فقير الى المحبة التي يبذلها لا الى المحبوبية التي قد تعود اليه وقد لا تعوده.
الضعف الروحي في العتاب انه ينقصه الغفران. من امثال ذلك ان كنت مريضا ولم يعدني صديق أن أقول له لماذا لم أرك في مرضي. ما تطلبه المحبة أن أعذر فقد لا يعرف الصديق بمرضي أو يكون مسافرا ولم يستطع العيادة أو كان شيء يعطّل نفسه. هناك أشياء وأشياء تحول دون تعبيرنا عن المودّة. المودّة ليست دينا. انت تشكر ان تدفقت عليك لأنها منّة من الله على صديقك. خذ القسط الذي يستطيع عطاءه لأنك، اذ ذاك، تكون قمت بشكر لله المعطي في الحقيقة وحده. اشكر له انه لم يدعك في الصحراء في هذا القليل الذي آتاك صديقك. دائما كن في حالة شكر لأنك فقير.
ما وجدت فقيرًا يعاتب اذ يظن ان ليس له حق على آخر. من حسب نفسه لا شيء. لا يفرض على الآخر شيئًا. المصلّي لا يعاتب ربّه لإيمانه بأن الله يوزّع مواهبه على أصحاب الحاجة ولا يبخل.

 

¶¶¶

من يحق له اللوم وحده هو الله لأن هذا الغني عنك هو في حقيقته الفقير اليك. الرب جائع اليك أو عطشان لأنه عند خلقك تاق اليك وانت لا تعلم الا اذا تربّيت على معرفة انه يحبّك ولعلّ كل تدبير الخلاص كما نسميه في المسيحية أعني صليب المسيح هو ان يدبّرك على معرفة محبته أو هذا هو الاستنتاج من التعبير. لومه انك لا تميت خطيئتك ليس فقط لأنها جرح لجلالته ولكن لأنها تؤذيك وكل ما يريده من حنانه ان تعرف محبوبيته عندك.
اللائم وحده هو الله لأن كل شيء له، لأنك له. واذا طلبك فليرحمك أو يجبلك من جديد اذ يرى انك خدشت خلقه. يلومك من أجل نفسك، اكراما لنفسك حين انت لا تعاتب الآخر من أجل ذاته ولكن من أجل ذاتك. الخالق الذي هو المركز جعلك مركزا ليخلقك كل يوم خلقا جديدا وانت تظن انه لا يعرفك مركزا له وحيدا.
كشف الله نفسه لك بالوحي لتعرف حاجتك اليه وتاليا ان تسلم بحقه عليك ومنه حقه بلومك. كل مشكلتك انك لا تفهم حتى تتوب اذ التوبة تشفيك من العمى الروحي حتى ترى فيبطل لومك الله وتدخل معه في تلك المؤانسة التي ترفع العتب والمؤانسة هي تلك المجاورة التي تجعلكما كأنكما واحد.
فقط اذا وصلت الى محو اللوم الإلهي عنك تقبل عتاب صديقك بتواضع وتدعو له حتى يراك ولا يرى انك لم تفتقده. واذا بقي على عتاب تغفر فيرى وجه الله مرتسما عليك فتؤتيه الهدى.
كل موضوع الفضائل ان تخرج من نفسك والا تطلبها لها الا نعمة الله. واذا قبلت ما يعطيك الانسان فلاعتبار عطائه منّة له من أجلك. لا حسن في الإنسان الا منزلا عليه. كل جلال وحق وطهر فينا ان هو الا إطلالات من فوق حتى يرتفع. كل الناسوت فيك قائم ليتقبل نفحات الله. لذلك ليس لك شيء من هذه الدنيا. كل ما فيها ملك الله ودعوتك ان تكون على هذا الملك أمينا.

¶¶¶

ان ترفع العتاب عنك لا تؤتاه الا اذا أبيت الطمع بالناس ليس الطمع فقط بالمال. أشرس الطمع استغلال البشر بالشراهة العاطفية وهي شبق ان تكون محبوبا. ليس شيء في كتبنا يقول اطلب ان يحبك الناس. الوحي يقول أن أحبب. يقول الله لإبراهيم ان اخرج من أرضك ومن بيت أبيك وكأنه كان يقول له ان اخرج من نفسك واذهب الى كل نفس لتخدمها فهذه كلها لي أو تصير لي ان تحررت من انقباضها. الرسول هو الذي يذهب بالكلمة التي تسلّم له ليقولها وحدها اذ ليس في الانسان الحق الا ما استودعه الله فيه.
تقول صلاة السحر صباح الأحد في العبادة البيزنطية: "لنخرج ايها المؤمنون الى القيامة". اذا توسعنا في المعنى هذه لها ان تعني لنخرج بعد ان ننال قيامتنا من الانطواء أو الانغلاق لنكون خداما للآخرين ولا نسعى الى ان نلفتهم الينا لأننا نحن في رعاية الله كاملة وتكفينا حياة. واذا رعانا الآخرون فنزداد حبا لهم ونفهم، انهم رسل الحب الينا وانهم طريقنا الى القيامة.

Last Updated on Saturday, 10 December 2011 11:22
 
Banner