Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Publications Books حفل توقيع كتاب "نجاوى" - كلمة الدكتور ناصيف قزّي
حفل توقيع كتاب "نجاوى" - كلمة الدكتور ناصيف قزّي Print Email
Saturday, 19 June 2010 00:00
Share

كلمة الدكتور ناصيف قزّي
حين تملأُ حبَّةُ الحِنْطة المكان...!
يَصْعُبُ على المرءِ أن يتلمَّسَ في نَصِّهِ المسبوكِ كلَّ الإشاراتِ... أو حتى أن يلتَمِس بعضًا منها... وإن بدا هذا النصُّ في ظاهره، وعلى تباعد أقسامه زمانيًا، بسيطًا في تركيبِه، يألفُهُ المؤمنون، كلُّ المؤمنين، في طقوس عباداتهم، وفي شبْحِهِم المعهود الى فوق... والفوقُ، عنده، وجهٌ علاماتُه في كلِّ الوجوه...!؟
أن تَدْنوَ من عاشقٍ لله، يرشَحُ حبًا وفرحًا ونورًا ورجاءً، يعني أن تدخلَ في حميميَّتِهِ، في حميميَّتِكَ... أي أن تحيا بكُلِّكَ بَوْحَهُ الثاقِب، وتلبَسَ وجهَهُ البهيّ، وتسكنَ قلبَه المنير...
"نجـاواهُ"، وَمْضٌ روحانيٌّ كثيف، بل حوارٌ كينونيٌّ يُسَيِّرُ قوافلَ المعاني والدلالات، كما نُجَيْماتُ اليمِّ البيض تتلاحق في الريح... حوارٌ، يَشْقُلُكَ الى حيث أنت في صفائِك وسلامِك...
إشراقاتُهُ... فيْضٌ لاهوتيٌّ لا يكفيه "عالمُ العبور" ها هنا... فيرقى بنا الى حيث تبرأ الحقيقةُ من ثِقل الجسد.
قولهُ... يَنْغَرِسُ في الأعماق... وحبَّةُ الحِنْطة تملأ المكان...!؟

سيِّدي،
أنت ذاتَك... الروح يعشِّشُ في ثنايا طُهرِكَ... من مسرى الطفولةِ، و"الأزقَّةِ"، و"جرحِ الفقراء"، و"جمالِ الإنسان الآخر"، الى نجاوى، وصُحبةِ الناصري، و"ينابيعِ الضوء"، و"الإلهِ الجديد"، و"لغةِ الدموع"، وما بينهما من مطارحِ سجودٍ، ومواقِفِ أحَدٍ، ورجاء... ناهيك عما اجتَرَحْتَهُ من حلولٍ وتوصياتٍ في "لبنانيَّاتِكَ" الموسومةِ "بمسيحيَّةٍ جديدةٍ"، والتي لم تخلُ من "حزنٍ في النفْس" من "العتَمات والجهالات" التي لا توصف، يوم كادت المسيحيَّةُ أن تغتالَ نفسَها.
أنتَ أنتَ... في دعوتِك البشرَ أن يكونوا "قِياميِّين"... أن يرفعوا رايةَ المسيح... الإلهِ الحيّ، المنتصرِ على الموت. أنت تَعْتَصِرُ، فتحقِّقَ كلمتَه، حين تذوبُ عشقًا في ذاك الذي، في البَدء كان...!؟
*
فيا أيها المحتفى به أسقفًا بعد أربعين،
أيها الإخوة والأخوات،
كنت أتحضَّرُ لأقفَ الى جانبه، يوم نُعْلِنُ انتهاءَ "زمنِ العودةِ الى الجبل"... الى لبنان الذي كان... لكن، وما حيلتُنا في بلدٍ بهتَتْ فيه صورةُ الإنسان، بل وجهُهُ السماوي، فتسَطَّحَ الفكرُ ، تساقطت القيم، واستشرى الفساد...
"من تُراه سيقودُ حمْلةَ التوبة"، يا سيدي، التي دعوتَنا إليها يومًا؟ "وكيف نصبحُ لا عائدينَ، بل حجَّاجًا؟" [لبنانيات، ص. 189].
كما إني، وإن كنت أعي عذاباتِ المسيحيَّةِ المضطَهَدَة من بلاد ما بين النهرين الى إفريقيا السمراء، مرورًا ببيت المقدس، أتَرَقَّب أن نُعيدَ الحياة، من جديد، الى الوجدان المسيحي في هذا المشرق، لنقفَ معًا "من أجل فلسطين"، "فلسطين المِحك"... "محكِّ النصرانيَّة" و"أيقونة المسيح"... "والقضيَّةُ الأعظم من تفسها"، على ما قال صاحب السيادة قبل أربعين سنة [مواقف أحد، ص. 12 – 13]...
فلنقف معًا من أجل القدس... ومن أجل غزة "المستقرَّة في البطولة... مدينةِ الرفض الكبير". وقد قال فيها مرَّة: "فضلُكِ علينا يا غزَّة [يا مريمَ الجديدة] أنَّك ومْضَةُ الفرحِ في كآبةِ العرب وإطلالةُ رجاءٍ إذا هم رزحوا تحت كُفْرِ التسويات" [المرجع نفسه، ص. 17، أول حزيران 1971]... وما أشبه اليوم بالأمس.
غير أنّي، رغم ذلك، مغْتَبطٌ وأنا أعْبُرُ معكَ في نجاوى الى ضياءِ الإنسان الذي كُنتَهُ، سيدي، دائمًا، والذي تريدُنا أن نكونَهُ جميعُنا... ذاك الذي "أتَتْكَ الحماسةُ الدينيَّةُ بحقٍ من اكتشاف وجهِهِ المحب"... والذي "كان بولس منطلقَكَ اليه" [لو حكيت... ص. 12 – 13]... ذاك الذي تفتَّحْتَ على "جماله الذي هو وحدَه، في النهاية، الكنيسة" [المرجع نفسه، ص. 15].
*
أما عن كتابِكَ نجاوى، فكثيرة هي العناوين التي يتزيَّنُ بها على أنغام ريشةٍ معتَّقَةٍ صافيةٍ، كما الأيقونةُ في ضيائِها... ريشةٍ، حاكَت النجاوى إبداعًا، فحقَّقَتها صورًا وتلاوينَ... ليطْلُعَ من خلفِها صوتُكَ الرخيم مُنشدًا الفرحَ في الأنام...
نجاوى...!؟ هي صلواتٌ وابتهالاتٌ ودعاءات... وإنْ مغايِرة...!؟
هي أسئلةٌ وتساؤلات... لا حاجةَ بها الى أي إجابات...
هي قولٌ يتجاوز المحدوديَّةَ والقيود والأثقال، ليتناثرَ عُشقًا وسْعَ الروح... والوجهُ واحدٌ من الألف الى الياء... من "يسوعَ الناصري" الى "الأطفال"... مرورا "بمريم" والأصفياء... إيليا النبي والذهبي الفم... والحركة والكنيسة وصولا الى "الإله الجديد"... و"لغة الدموع"...
نجاوى...!؟ هي ضوء في ديجور عالم أرهقته الأنا المتعجرفة والنتوءات...
هو يسوع الناصري، "مطرحُ الحبِّ وقَوْلَتُهُ الى الأبد"... الوجه الذي "يؤثِرُ الناسُ الإقامةَ فيه على الإقامةِ في خطاياهُم"... يسوع الذي "لم يكتُبْهُ أحد" وقد " كتبَ الكونَ بدمِه"... والذي هو "سرُّ جمالِنا... وإذا بلَغْناهُ لا ننتهي" [نجاوى، ص. 10 – 12]. هو يسوعُ الناصري محورُ تلك التأملاتِ وغايةُ رجائِنا "حتى يزولَ البكاءُ عن وجه الأرض ويكونَ الفرحُ مثلَ قيامة" [المرجع نفسه، ص. 23].
وفي "دعاء ميلاد"، لا يتوانى صاحبُ نجاوى من الجَهرِ بأنَّه "لا يكفينا أن نبني المدينة معًا. لن ترتفعَ النفوسُ مع الحجارة. تؤسَّس النفوس في عملِ التلاقي" [المرجع نفسه، ص.26]. ليطلبَ الذهابَ "الى الناس لا الى ما يقولون... البشرُ ليست أسطرًا تتراصّ. الإنسان وجه" [المرجع نفسه، ص. 27]. وقد "نقرأ الله في عيون الأطفال"... الى حدِّ اعتبارِه "أنَّ الحرية قبول الآخر قبل كلِّ شيء" [المرجع نفسه، ص. 33]. كما جعل "المستضعفين أولياءَ عند الله" [المرجع نفسه ، ص. 36].
أما في المدى الأرحب، حيث تنسكب الحقيقة كما الأنوار، ترى عنده أن "المحبة الكبرى تُنقِذُ من الموت" [المرجع نفسه، ص. 39].
وأما مريم، مريم أمُّنا، "حواءُ الجديدة"، فتختَصِرُ جدليَّة الحنين: "حنينُ الكون الى الألوهة وحنينُ الألوهة الى الكون" [المرجع نفسه، ص. 60].
وفي رحلة حنين الى تاريخ الآباء، يتطلَّع صاحب نجاوى الى يوحنا فم الذهب "إمامِ الصلاةِ للساجدين في الشرق"، كما الى كلِّ "الوجوه الأيقونات"[المرجع نفسه، ص. 72]... سالكًا طريقَ الحركة ليبلغَ "الكنيسة العروس" والجذور: "فنحن، يقول، برابرةُ النصارى... الذين إذا بَخُلَ الغيْث نرتحل" [المرجع نفسه، ص. 103]... ليُكملَ موضحًا: "أنا لا أطلُع من الأرض. جذريَ الكلمة يصيرُ جسدًا فتموجُ الألوهيَّة في عُرس لحمِها والدم" [المرجع نفسه، ص. 108]. و"نحن مساكين الأرض الجياعِ الى البِرِّ أُمَّة مقدَّسة ببريقِ عينيه" [المرجع نفسه، ص. 108].
من "حارة النصارى" حيث "البيوتُ المعبأةُ بالزمان" وحيث "الجنسُ عندنا ليس المبتدأ ولا هو الخبر"[المرجع نفسه، ص. 120]، حمل جورج خضر البساطةَ والنقاء "وآدم الجديد وحواء الجديدة"[المرجع نفسه، ص. 121]، بحيث كان جسرًا "يَعْبُرُ عليه الناس ليَصِلوا الى الضفة التي يقصدون"(المرجع نفسه، ص. 115)... حَمَلَ المشرقَ وطنًا للروح حيث النخيلُ "ووجهُ الله ونشوةُ الأبد"[المرجع نفسه، ص. 147].
وفيما رأى "أن قتلَ الكُفَّار مثلُ قتلِ المؤمنين"[المرجع نفسه، ص. 110]، ذهبَ الى الإعتقادِ "بأنَّ جهنَّمَ عتيقةٌ مُذْ نَحَرَ قايين أخاه"[المرجع نفسه، ص. 148].
"الإلهُ الجديد"، "الإبنُ الشاطر"، "الأطفال"... عناوينٌ تندرجُ تحت سقفِ قولِه: "إنَّ الوجهَ أنشودةٌ قياميَّة" [المرجع نفسه، ص. 155].
أما عن الآفاتِ والسيئاتِ والعِثار... "فالقلوبُ أوسعُ من النيَّاتِ إذا ساءَتْ" [المرجع نفسه، ص. 163]... و"اللهُ غفّار" [المرجع نفسه، ص. 165].
ولم تغِبْ بيروتُ، "بابلُ الجديدة"، عن وجدانه... وصورةُ لبنان لم تغبْ عن صلواتِهِ: "من أجلِ الذين سقطوا ليحيا الحب في لبنان. من أجل الذين يؤمنونَ بالسماءِ ممدودةً على التراب... أصليّ" [المرجع نفسه، ص. 170].
ومعك، يا سيدي، نحن أيضا نصلّي...!؟
*
فنجاواكَ ليست نشيدَ أناشيدِكَ في حوارِك مع الله فحسب، بل هي تختزنُ التاريخَ بعظمتِه والجراح... هي الماضي المجيد والحسرةُ والبكاءُ وظلالُ النخيل... "كاتدرائياتِ الصحارى"... هي الحبُ والعشقُ الإلهي... وكلُّ الذكريات.
لستَ صوفيًا... ولا أنت على مذاهبِ أهل الشرقِ القديم ولا أهل الغرب... أنتَ مسيحيٌّ مسيحيّ عميقُ الجذور... تسألُ وتسألُ وتسأل... وكأني بك خارج دائرة اليقين... غير أن الإجاباتَ سهلةٌ لديك... متراصَّةً في شبه سمفونيَّةِ حبّ... الحبِ الذى به كل شيء لنا...
أنت فيلسوفٌ رغمًا عنك... يا من اغتَرَبْتَ مرارًا دون أن تَتَغرَّبْ... فمشرقيَّتُكَ ضاربةُ الجذور... وعَصفُ الآباء يزيِّنُ كلَّ ما كتَبْت.
سياقاتُكَ جميلةٌ ومحكَمةٌ... وقد لا يجاريكَ إلا القِلَّةُ القليلةُ من عُلمائِنا في ضَبطِ نصِّكَ وتلوينِهِ... وكتابةِ موسيقاه...
*
أعترف أني أحبَبْتُكَ قبلَ أن أكتشِفَ أنَّ صديقي وأستاذي، صديقُكَ، يواكيم مبارك... القادمُ، مثلَك، من جدارياتِ المدينةِ نفسِها وآياتِها الى مشرقيَّةٍ متألِّقة... كان أحبَّكَ هو الآخر... وقد قال فيكَ، في خماسيَّتيه، ما تستحقُّهُ... وقُلتَ فيه، بدوركّ، ما يستحقُّهُ...
أما أنا فأقول... ستبقى سيدي في ذاكرة الكنيسة، الواحدةِ الجامعةِ المقدَّسةِ الرسوليَّةِ... ستبقى، كما المعمدانيّونَ الكبار، من بولسَ الى سائرِ الأولياء، منارةً من منائرِ مشرقنا العظيم.
دعائي لك بالعمر المديد... والى مزيدٍ من العطاء... ومن أجدرُ منك بذلك، يا من قدِمْتَ من جُرح الفقراء، أولئك الذين "يَكْتُبُهم الدمع... مَن يقرأ الدَمع؟" [نجاوى، ص. 166]، لتعتلي عرشَ المحبة والرجاء، ولتكونَ الشاهدَ للحقِّ والحبِّ والمجانيَّةِ، في عالمٍ أسقطَتْهُ إنسانيَّةٌ موتورةٌ في بربريَّةٍ جاحدة... أين منها شريعة الغاب...!؟
ودعائي معكَ أن تَسقُطَ في ربوعِنا "لغةُ الدموع"... وأن لا يَعودَ "الفجرُ لعنة"... وأن تعودَ بيروت الى بيروت...
أعتزُّ بك سيّدي، أعتزُّ بك، لأنَّكَ تعالَيْتَ على ظُلمِ التاريخ، لتُدرِكَ "أنَّ جمالَ الإنسانِ الآخرِ... إنما يفوقُ كلَّ قباحاتِه" [لو حكيت... ص. 16]... ويا ليتَهم يُدرِكون...!؟
والسلام.

Last Updated on Sunday, 27 June 2010 23:24
 
Banner