Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home Raiati Bulletin Raiati Archives Raiati 2024 رعيتي العدد ١٠: معيّة الراعي ورعيّته وثمارها
رعيتي العدد ١٠: معيّة الراعي ورعيّته وثمارها Print Email
Written by Administrator   
Sunday, 10 March 2024 00:00
Share

رعيتي العدد ١٠: معيّة الراعي ورعيّته وثمارها
الأحد ١٠ آذار ٢٠٢٤ العدد ١٠  

أحد الدينونة (مرفع اللحم)

اللحن ٧ - الإيوثينا ٧

 

كلمة الراعي

معيّة الراعي ورعيّته وثمارها

رعيتي العدد ١٠: معيّة الراعي ورعيّته وثمارها مجّد يسوع أباه على الصليب، قبل أن يصعد بمجد إلى السماوات ويجلس عن يمين أبيه، على رجاء أن يعود بمجد ليدين الأحياء والأموات، ويمجّد الذين خدموه بأمانة في ملكوت أبيه. 

في يوم الدينونة، تجتمع الرعيّة حول راعيها، فتظهر ساعتها ثمار وحدتها به على أساس إيمانها به ورجائها الموضوع عليه ومحبّتها له. وتنكشف لنا حقيقة وطبيعة الثمار التي جنيناها من جراء ما زرعناه في حياتنا. 

أحد الدينونة، الذي نطالع فيه مثل الدينونة في مسيرة الكنيسة في استعدادها لبدء الصوم الكبير، تواكبه قراءات إنجيليّة يوميّة خلال الأسبوع الذي يسبقه والذي يليه، كلّها متّصلة بمجرى الأحداث الأيّام الأخيرة قبل آلام المسيح، وتضعنا في المسار الذي سلكه يسوع في تمجيده للآب، مسار محبّته للإنسان، واتّضاعه الأقصى، بغسل أرجل التلاميذ على العشاء وبالموت على الصليب من أجلنا. أحبّ الإنسان وأعطاه كلمته المحيية وحياته وروحه. وأوصانا بأن نعبر الباب الضيّق المؤدّي إلى طريق الحياة. كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟

أوّلًا، بأن نحبّ كما أحبّنا، محبّة تعرف الانتباه إلى الآخر، المعيّة في الطريق، احتمال الأهوان والضعفات، الصلاة والإرشاد والغفران، المشاركة والعناية والشفاء، المؤاساة والتعزية والاستفقاد، التوجيه والإرشاد والتعليم، باتّضاع ووداعة.

ثانيًا، بأن نعطي مجّانًا ما أُعطيناه مجّانًا. وبهذا امتدادنا إلى سوانا، امتداد لا منّة فيه أو فضل لنا، لا تضجّر أو تذمّر منّا، لا انتظار مكافأة أو شكر، لا مقايضة أو محاباة وجوه. مجّانيّة كهذه تضعنا في مسار المحبّة التي طلب إلينا الربّ أن نجسدّها في حياتنا، وتعكس الفرح في العطاء والبذل والتضحية والخدمة.

ثالثًا، بأن نحمل نير المسيح الهيّن والخفيف، أي حمل الصليب وحمل بعضنا أثقال بعض. بهذا امتدادنا نحو الآخرين، وتعاطينا مع واقع حال بعيد كلّ البعد عن الكمال، فيه معاناة متعدّدة الوجوه والأشكال، تتطلّب منّا مواجهتها بطول أناة وحكمة وصبر، من دون إصدار حكم على الآخرين أو إدانتهم في وهنهم، أو الاستقالة من حمل نير المسيح بداعي كثرة الحاجات.

رابعًا، بأن نحمل بشرى الإنجيل، والتي نترجمها أفعالًا في حياتنا، تعكس وتجسّد الأوجه الثلاثة الآنفة الذكر، بحيث ننطلق من فرح عيشنا لإيماننا، ونتقاسم مع أترابنا أعباء الظروف الراهنة ونواجهها بالمحبّة ونعالجها بحكمة بتآزر وتعاطف وتعاضد، باهتمام وتكامل وتعاون، بانفتاح وانطلاق ومبادرة، بمثابرة وثبات ورجاء، بحيث يتحقّق قصد الله من هذه البشرى في شهادتنا لها.

خامسًا، بأن نتعلّم تواضع المسيح ووداعته. هذا يضعنا في طريق ننحدر فيه معه إلى أسفل، ونتعلّم أنّه لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدُم، وأنّنا خدّامه في شخص مَن أحبّهم وأعطى نفسه فداء عنهم، فتأتي خدمتنا لأترابنا امتدادًا طبيعيًّا لـمَن وضعنا أنفسنا في خدمته، وحملنا اسمه بين الأمم، وشهدنا له، ونرجو أن يتمجّد بينهم وفيهم. 

سادسًا، بأن نغسل أرجل سوانا. إنّه طريق تجسيد ما سبق الإشارة إليه وتطبيقه في حيّز الحياة، بشكل طبيعيّ، لكون انحناء يسوع نحونا بالشكل والقصد اللَذين حصلا وَضَعَنا بدورنا في وضعيّة انحناء طبيعيّة تجاه أترابنا، فلا نجد ضيرًا أو خجلًا في ذلك، بل نعيشه بشكل طبيعيّ وإن كان بدا في عالمنا الساقط أمرًا معاكسًا لناموسه.

باكتمال هذه العناصر، يمكننا أن ننتظر اجتماع الرعيّة براعيها في مجده، وأن نستغرب مع الخراف كيف خدموا يسوع، أو مع الجداء كيف لم يخدموه، وأن ننتبه إلى نتيجة ما قمنا أو لم نقمْ به وثماره في حياتنا وحياة سوانا، بحيث نكتسب الحكمة التي شاء الربّ أن يعلنها في هذا المثل، لكونه وحّد نفسه بإخوته الصغار، وبات كلّ ما نفعله أو لا نفعله لهم إنّما يجد صداه في عمق علاقته بهم وبنا، ويضفي عليها مسحة تمجيد أو يحجبها في الاتّجاهَين: تمجيدنا لله بما قمنا به تجاه إخوته، وتمجيده إيّانا للسبب عينه. 

ألا أعطِنا يا ربّ أن نحبّ، ونعطي مجّانًا، ونحمل نيرك وبشراك، ونتّضع أمام إترابنا ونغسل أرجلهم، فيكون لنا نصيب في الفرح البادي على وجوهم، والتعزية التي تنشأ في قلوبهم، والكلمة التي تحيي نفوسهم، والمحبّة التي تسكبها عبرنا فيهم، والرجاء الذي يكبر في معيّتنا ومشاركتنا لهم، فتكون أنت ممجّدًا فيهم. وإن كنّا بهذا لا نفي ديننا، إلّا أنّنا نفرح بأنّك حاضر في وسطنا لنعطي كما أعطيتنا وما أعطيتنا، ليكون فرحك كاملًا فيهم.

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ٨: ٨-١٣، ٩: ١-٢

يا إخوة إنّ الطعام لا يُقرّبنا إلى الله، لأنَّا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص. ولكن انظروا ألّا يكون سلطانكم هذا معثرة للضعفاء، لأنّه إن رآك أحدٌ، يا من له العلْم، متّكئًا في بيت الأوثان، أفلا يتقوّى ضميرُه وهو ضعيفٌ على أكل ذبائح الأوثان، فيَهلكَ بسبب علْمك الأخُ الضعيف الذي مات المسيحُ لأجله. وهكذا إذ تُخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضمائرهم وهي ضعيفة إنّما تُخطئون إلى المسيح. فلذلك إن كان الطعام يُشكّكُ أخي فلا آكل لحمًا إلى الأبد لئلّا أُشكّك أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حرًّا؟ أما رأيتُ يسوع المسيح ربّنا؟ ألستم أنتم عملي في الربّ؟ وإن لم أكن رسولًا إلى آخرين فإنّي رسول إليكم، لأنّ خاتم رسالتي هو أنتم في الربّ.

الإنجيل: متّى ٢٥: ٣١-٤٦

قال الربّ: متى جاء ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكة القدّيسين معه، فحينئذ يجلس على عرش مجده، وتُجمع إليه كلّ الأمم، فيُميّز بعضَهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء، ويُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. حينئذ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي رثوا المُلْك المُعدّ لكم منذ إنشاء العالم لأنّي جعتُ فأطعمتموني وعطشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآويتموني وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعُدتموني ومحبوسًا فأَتيتم إليّ. حينئذ يُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربّ متى رأيناك جائعًا فأطعمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناك غريبًا فآويناك أو عريانًا فكسوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيب الملك ويقول لهم: الحقّ أقول لكم بما أنّكم فعلتم ذلـك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه. حينئذ يقول أيضًا للذين عن يساره: اذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النار الأبديّة الـمُعدّة لإبليس وملائكته، لأنّي جعتُ فلم تُطعموني وعطشتُ فلم تسقوني وكنتُ غريبًا فلم تأووني، وعريانًا فلم تكسوني ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذ يُجيبونه هم أيضًا قائلين: يا ربّ متى رأيناك جائعًا أو عطشانَ أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدمك؟ حينئذ يجيبهم قائلًا: الحقّ أقول لكم بما أنّكم لم تفعلوا ذلك بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه. فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبديّ، والصدّيقون إلى الحياة الأبديّة.

 

الدينونة

شعبيًّا الدينونة الميزان الذي يعبّر عن الحكم الإلهيّ. فميزان المصريّين القدامى ورثه مخائيل رئيس الأجناد الملائكيّة. والتوازن الروحيّ للراقد يشكّل بوّابته إلى العالم الآخر. جدرانيّة مايكل انجلو في كنيسة السيستين تُظهر بتناقض تركيباتها اضطراب القوى الأرضيّة العاجزة أمام الديّان. المسيح مركزيّ ومحاط بالأبرار يكشف جراحه للناس. كلّ شيء يدور حوله. أهمّيّة الجدرانيّة بأنّـها تجمع الحضارات القديمة إلى المسيحيّة. اللافت بأنّ القدّيسين يُظهرون للمسيح صفاتهم غير متأكّدين من خلاصهم ويطلبون إليه إدانة مَن لم يخدم قضيّته، وهذا لا اتّفق معه شخصيًّا. بطرس يقدّم مفاتيح السماء إلى الديّان، لأنّ لا حاجة إليها بعد الآن. ما يرعبك هو مشهد الملعونين. مطهر دانتي لا يغيب عن المشهديّة، إلّا أنّ الأرثوذكسيّة لا تعترف بالمطهر. يبدو الملائكة كما في سفر الرؤيا على السحاب، وسبعة أبواق تنفخ. تظهر الكتب مفتوحة وفيها تسجل الأسماء. هناك كما في أيقونة الدينونة الشياطين تسحب الناس إلى الأسفل والملائكة ترفعهم إلى فوق.

في موازاة ذلك أتذكّر أوريجنس الذي اعتبر بأنّ الخلاص للجميع. وما بينه وبين تعاليم الكنيسة مسافة. الخلاص عندنا ليس بالأعمال بل بالمحبّة. يتكلّم ألكسندر شميمان (١٩٧٤) عن المحبّة كمعيار للدينونة. فهي «ليست مجرّد اهتمام إنسانيّ بالعدالة المجرّدة والفقراء المجهولين، بل محبّة ملموسة وشخصيّة للشخص البشريّ الذي يجعلني الله ألتقي به في حياتي». فالحبّ المسيحيّ ليس مرتبطًا بالعرق والعائلة والاهتمامات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. بل إنّه يلفّ أيّ بشريّ. لذا، «الكنيسة مدعوّة لفهم الاختلاف والحفاظ عليه، كيلا تصبح رسالتها الفريدة وكالة اجتماعيّة». عنده «الحبّ المسيحيّ استحالة محتملة لرؤية المسيح في أي رجل قرّر اللهُ في خطّته الأبديّة والغامضة، إدخاله في حياتك... كبداية لرفقة أبديّة مع الله نفسه». حبّ يتجاوز المظهر، والرتبة، والأصل والقدرات الفكريّة ليصل إلى الكنز الفريد الذي لا يقدَّر بثمن (الروح). «فالحبّ مشاركة في المعرفة الإلهيّة وعطيّتها». بالنسبة إليه كلّ «حبّ شخصيّ» لأنّه اكتشاف «للشخص» في «الإنسان»، وللشخصيّ والفريد في المشترك والعامّ. إنّه اكتشاف كلّ إنسان لما هو «محبوب» فيه، لما هو من الله.

يميّز شميمان الحبّ المسيحيّ عن «النشاط الاجتماعيّ». فالناشط الاجتماعيّ يضع المصلحة العامّة فوق الشخصيّة. والمسيحيّ يرتكب خطيئة حين تتخلّى عن اهتمامه بالشخص. النشاط الاجتماعيّ يركّز على الرفاه العامّ المستقبليّ أمّا المسيحيّ فيركّز على الحاضر كوقت حاسم ووحيد للحبّ. للمسيحيّين مسؤوليّات تجاه العالم، لكنّ محبّتهم أبعد من العالم. محبّة تشكّل شعاعًا وظهور لملكوت الله الذي يتجاوز ويتغلّب على قيود العالم. فدوافعها وأهدافها واكتمالها في الله. المسيحيّ يعتبر أنّ الانتصارات الوحيدة الدائمة والمغيّرة في هذا العالم الكامن في الشرّ هي انتصارات المحبّة. أمّا رسالة الكنيسة الحقيقيّة فتذكير الإنسان بالحبّ الشخصيّ وبملء العالم الخاطئ بالحبّ.

المتروبوليت أنطوني بلوم (١٩٧٢) يعتبر الخوف من الدينونة دافعًا إلى الغفران. «فكلّنا مسؤول عن بعضنا البعض». والمطلوب «أن نكون عظماء على مثال الله». «الدينونة ليست مجرّد لحظة نواجه فيها خطر الإدانة. ففي فكرتها شيء عظيم وملهم». «أحكامها ليست وفق معايير السلوك الإنسانيّ واللياقة، بل وفق معايير المحبّة التي هي ميزان الله». الحبّ عند بلوم ليس الحب العاطفيّ، بل الـمُعاش والمنجَز. «المهمّ مدى الحبّ في الأعمال». ويعتبر أنّنا نواجه الدينونة إذا ما أدركنا مدى إنسانيّتنا الفعليّة ومدى تعبير حياتنا عن الحبّ الجميل والمدرَك والمبدِع والسخيّ والمضحّي.

فنحن نُدان بحسب أ. كونياريس لعدم محبّتنا للملك المتنكِّر في ثياب فقير ومحتاج ومُعدم. فيكون استقبالنا له ليس لصلاحه بل لخوفنا ورهبتنا منه. إنّه يسألنا عن أشياء بسيطة كقطعة خبز، كوب ماء، كلمة، زيارة، ابتسامة. ما يطلبه ألّا نكون مُعدَمين لدرجة العجز عن المحبّة وتقديم أيّ شيء. وهذا ما يجعلنا مبارَكين أو ملاعين فعلًا بميزان الحبّ.

جدّتي كانت تستضيف الغرباء وتطعمهم لأنّها كانت ترى فيهم الملك. لم يمنعْها فقرها من تقديم أشياء بسيطة لهم. عالم اليوم يتحوّل إلى فقير بسبب إعدام الحبّ الحقيقيّ الذي بانتفائه يحلّ الموت. مدعوّون نحن إلى مملكة الحبّ. مدعوّون إلى المحبّة والشفافيّة والكرم. مدعوّون إلى العظمة بعد أن صار صغيرًا. ففي انتفاء هذا موتٌ ودينونةٌ.

 

تاريخ نشأة أبرشية جبيل والبترون (٢)

بعد العام ٣١٣ (تاريخ إصدار الأمبراطور قسطنطين الكبير وثيقة ميلان التي تعلن حرّيّة الدِّين المسيحيّ)، اهتدى إلى المسيحيّة الكثير من سكّان لبنان فنبذوا الديانات الوثنيّة ودمّروا هياكلها. وازدهرت تاليًا كلّ الأسقفيّات الفينيقيّة حول لبنان وازداد عددها إلى أن بلغ أربع عشرة أُسقفيّة تابعة لمطرانيّة صور، لكونها أوّل مدينة فينيقيّة قامت فيها جالية مسيحيّة.

إلّا أنّه بعد فترة ليست بطويلة من سعي المسيحيّين لتنصير كلّ الوثنيّين في لبنان، اعتلى يوليانوس الجاحد عرش الأمبراطوريّة البيزنطيّة (٣٦١-٣٦٣) التي شملت لبنان في حكمها.

وإذ اضطُهد المسيحيّون في أيّامه، عادت الوثنيّة إلى استئناف أباطيلها. فإنّ يوليانوس عندما مرّ في لبنان قبل محاربته للفرس أمر بترميم هيكل أفقا وأراد أن يقوم كهنة أدونيس وعشتروت برتبتهم السابقة وحضر معهم موسم موت أدونيس وقيامته عند النهر المنسوب إليه (نهر إبراهيم) وقدّم الضحايا في بعض الهياكل. إلّا أنّ مُلك يوليانوس كان كسحابة صيف انكشفت بعد قليل حين قُتل في حربه ضدّ الفرس، ومعه اضمحلّت الوثنيّة، فقام بعده يوفيانوس (٣٦٣م) ثمّ ثيودوسيوس الكبير (٣٧٩م) وضربا الوثنيّة ضربة قاضية لم يبقَ منها إلّا عدد قليل التجأ إلى أعالي لبنان ووديانه العميقة واختبأ هناك.

ومن الذين ساعدوا على استئصال الوثنيّة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ الذي، إذ عَلِم بوجود أقلّيّة وثنيّة في لبنان، أرسل إليهم مَن يرشدهم، وبالفعل فقد ترك هؤلاء عبادة الآلهة واتّجهوا نحو عبادة الإله الحقيقيّ.

في هذا الوقت استمرّت الأُسقفيّات في فينيقية الساحليّة (من عكّا جنوبًا حتّى طرطوس شمالًا مرورًا ببيروت وجبيل والبترون)، والبالغ عددها أربع عشرة أُسقفيّة، تابعة لسلطة متروبوليت صور حتّى أواسط القرن الخامس، إذ في هذه الفترة نشأ خلاف بين مطران صور فوتيوس وأُسقف بيروت أفسطاثيوس.

فمقاطعة فينيقية الساحليّة (أو الأولى) كان يوجد فيها متروبوليت واحد هو متروبوليت صور. ولكن أفسطاثيوس أُسقف بيروت أراد أن يجعل أُسقفيّته أبرشيّة (متروبوليتيّة)، فعرض الأمر على المجمع القسطنطينيّ المنعقد برئاسة بطريركها أناطوليوس، ووافق المجمع على الطلب ووقّعه (بالإضافة إلى البطريرك أناطوليوس) مكسيموس بطريرك أنطاكية الذي صدف وجوده عندئذٍ في القسطنطينيّة.

وصدر في الوقت عينه مرسوم ملكيّ يتضمّن رفع أُسقفيّة بيروت إلى متروبوليتيّة، وأن تتبع لها أسقفيّات عدّة من بينها أُسقفيّتا جبيل والبترون اللتان انتُزعتا من التبعيّة لمتروبوليت صور. وهكذا وُجدت متروبوليتيّتان في مقاطعة واحدة. ولكنّ فوتيوس احتجّ غير قابل لهذا القرار واستمرّ بممارسة سلطته على كلّ الأُسقفيّات الواقعة في مقاطعة فينيقية الساحليّة.

وفي العام ٤٥١م، عُقد المجمع المسكونيّ الرابع في خلقيدونيا بحضور فوتيوس متروبوليت صور، إفسطاثيوس أُسقف بيروت، روفينوس أُسقف جبيل، وبورفيريوس أُسقف البترون وأساقفة آخرين. وفي الجلسة الرابعة رَفع فوتيوس (صور) اعتراضَه إلى المجمع فبُحث أمر الخلاف بينه وبين أُسقف بيروت وأجمع الحاضرون على إعطاء الحقّ لمتروبوليت صور. ولكن، رغم استرجاع صور للأسقفيّات المنتزَعة منها، وافق المجمع على اعتبار أُسقف بيروت متروبوليتًا فخريًّا...

Last Updated on Friday, 08 March 2024 23:32
 
Banner