Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1993 القديس يوسف الدمشقي 10/16/1993
القديس يوسف الدمشقي 10/16/1993 Print Email
Saturday, 16 October 1993 00:00
Share

القديس يوسف الدمشقي  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 16 تشرين الأول 1993

كان من هواجس السيد البطريرك اغناطيوس الرابع منذ سنوات ان يستعيد الذكرى للقديسين الأنطاكيين الذين أهملتهم الكتب الطقوسية المستعملة عندنا. هؤلاء كنا - عبر قرون - قد استشفعناهم ولا نعرف كيف تلاشى ذكرهم في الكتب التي عربناها عن اليونانية. ربما يعود السبب الى كون القسطنطينية جعلتهم في النسيان بعد ان تفشى نفوذها عندنا ولا سيما بعد السنة الـ 1724 التي شهدت تحول قسم من أبنائنا عنا بتأثير روما. أخذ البطريرك يراجع الـمـصادر القديمة والشهادات التي وردت عن هؤلاء القديسين عند الـمـؤرخين العرب والأجانب وذلك في أدب السيرة.

ثم اشتغل في هذا الحقل الأرشمندريت توما بيطار واضع اول كتاب عربي مطبوع في السيرة عندنا وهو المعروف في الـمـصطلح الكنسي بالسنكسار وقد ظهر منه جزء اول فنبش قديسين من هذه البلاد مغمورين وهو يتابع الآن بحثه في المخطوطات. ولا يخفى ان الـمـسعى ليس مسعى علميا وحسب ولكنه في خط استرجاع الهوية الـمـشرقية والتأكيد لاستمرار القداسة في كنيسة انطاكية. ولعل عنصرا من عناصر هذا البحث ان الأب توما أبان في أدب السيرة الـمـشاركة الكبرى القائمة بيننا وبين الكنيسة الـمـارونية في هذا الـمـضمار.

غير أننا وعينا ايضا ان عندنا طائفة من الأبرار الذين استضأنا بنورهم ونحتاج الى تبيان قداستهم لنحيا بها. ولا نعرف على وجه التدقيق لماذا أغفلنا القيام بواجب إكرامهم في حين ان الكنائس الارثوذكسية الاخرى من يونانية وروسية وصربية وسواها لا تزال بين الحين والآخر تكشف مآثر قديسيها. فنحن نتطلع الى تطويب بعض من ابناء هذا الكرسي بعد ان انكببنا على دراسة هذا وذاك فيما حققناه من التاريخ والأدب الذي تركه لنا من تتبعنا سيرته. وتقديري ان السنوات الـمـقبلة ستشهد كشف بعض من هؤلاء الأعلام.

طريقة الكنيسة الارثوذكسية في هذا الشأن طريقة الكنائس القديمة حيث الشعب يبادر الى التكريم ومن بعد هذا تتكلم الرئاسة الروحية انطلاقا من ان الحدس الديني عند الـمـؤمنين هو الإشارة الاولى على عظمة هؤلاء. والـمـعروف عندنا ان الكنيسة الـمـستقلة (كل من البطريركيات الشرقية والكراسي الاخرى) هي التي تعرف البر الذي سطع فيها. والكنيسة الـمـحـلية هذه - كما تسمى لاهوتيا وقانونيا - لها ملء الـمـعرفة لأن فيها ملء القداسة: لذلك عرفت الـمـسيحية دائما قديسين محليين او اقليميين حى اذا انتشرت اسماؤهم في الكنيسة الجامعة يكرمهم الـمـؤمنون في كل بلد واذا لم تنتشر يظل اكرامهم محصورا في منطقتهم. وكثيرا ما جاء تقديس هؤلاء العالـمــي من ان مجمعا ذكرهم او ان الكتب الطقوسية التي وضعت في العصور الغابرة في احدى الكنائس قد عمت العالم الارثوذكسي وارتفع الـمـقدسون في صلاة العالم.

ولإعلان القداسة معياران. اولهما استقامة الرأي اي الإخلاص للعقيدة. فمن ورد عنده تعليم منحرف لا يسوع اعتماده ليس ان الله لا يعرفه ولكننا نحن لا نعرفه. فمن بعد الانشقاق الذي حدث في الشرق في القرن الخامس وذاك الذي حدث بين الشرق والغرب في القرن الحادي عشر ما أمكن تبني قديس طوبته كنيسة انت معها في حالة الانفصال فاذا زال هذا قد تعتمد انت من قدسته كنيسة اخرى كانت عنك منفصلة.

والـمـعيار الثاني ان تأتي السيرة خالية من الشوائب. لذلك نـمـحص الحياة التي عاشها من يحسبه القوم كبيرا حتى التطويب. وهذا يتطلب استقصاء دقيقا. ولا نشترط قيام الانسان الذي ندرسه بمعجزة. فالكنيسة الاولى نادت بقديسين لم يذكر المؤرخون انهم أتوا بأعجوبة. السيرة الحسنة حتى الامتياز والتعليم القديم كافيان للدلالة على مكرمات من ذهب الأتقياء في تعظيمه مذهبا كبيرا.

***

السؤال الشرعي هو كيف تعرف الكنيسة مكانة انسان مات عند الله والله هو وحده الديان العادل وهو يقول كلمته في اليوم الأخير. نحن لا ندعي ان عندنا كلاما فاصلا، مطلقا ولكن الانسان الذي نراه قائما عند ربه جعله ربه قدوة ونموذجا وبذكره يتروض المؤمن ويسمو. نشاهد المسيح حاضنا له وحاويا. وهو في الحقيقة ليس وسيطا اذا عنينا اننا لا نقدر بلوغ السيد الا به. نحن مع يسوع في حميمية لا تضطرنا الى وسيط او شفيع. اتصالنا بالقديس يكون عبر المسيح وما هو الا شريك لنا في الصلاة كحال الأحياء الذين نطلب منهم ان يسألوا من أجلنا. انها المشاركة الروحية التي اسقطت الجدار القائم بين أهل الأرض واهل الملكوت، المشاركة القائمة بقيامة المخلص. نحن والذين سبقونا نذوقها معا بعد ان أبطل السيد قوة الموت وجعلنا واحدا في جسده. القديس ليس درجة من درجات ارتقائنا. انه واقف معنا في الصلاة الواحدة. الرب محورنا ومحوره ولنا عنده اصدقاء "جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا سعيهم وحفظوا الايمان" ونحن نراهم مكللين بالمجد. الرؤية لا ينالها الأحبار الذين يقومون باسم الجماعة بإعلان القداسة من حيث انهم احبار ولكنهم  ينطقون بالروح الحال على الكنيسة جمعاء. هناك قرار يتخذه المجمع المقدس في هذه الكنيسة او تلك ولكنه ليس ذا طبيعة قانونية. انه مشاهدة روحية تنكشف بالنعمة المجانية ويتلقاها المؤمنون بالنعمة.

ومهما يكن من أمر فالشهداء لا يحتاجون الى شهادة بشرية. دمهم ينطق بأن الروح فيهم. انهم تخطوا بالحب حاجز الجسد الترابي وأمسوا قامات من نور. الله لا يدينهم في اليوم الأخير. لقد عبروا الدينونة الى المجد. لا يحتاجون الى قول بشري يكشف قدرهم. فاذا اعلنا قداستهم نكون فقط في طاعة ذلك الذي صاروا اهلا له. انهم في معية المسيح كما يقول بولس. انهم على رجاء المجد الأسنى في ما يسميه اللاهوت الارثوذكسي الفردوس. غير ان الشهيد وحده عبر السموات كلها واستقر على آرائك المجد  ونحن اليه كما هو الى الله.

***

من هؤلاء الخوري يوسف مهنا الحداد الذي نال نعمة الشهادة بعد ان قدس الله حياته في خدمة كهنوتية كل جانب من جوانبها أتى عظيم التوفيق. فالكهنوت جمال سيرة في لطف ووداعة وطول أناة وهو رعاية في تعليم وافتقاد وكل ذلك بذل موصول حتى آخر لحظة من المطاف الرسالي. عندما يكون هذا الرجل في اواسط القرن الماضي كل النهضة الروحية في كنيسته وذلك بالعصامية التي يهبها الروح وحده لا بد ان نكون اليه قبل المعاد لأن هذا بعض من انتسابنا الى الحق. لا فضل كبيرا في ان يكون المرء واعظا ومعلما اذا أتقن الخطابة والمعرفة ولكن ان يصير كل هذا مصدر لهب للقلوب أمر يأتي من فوق. ان ينشيء الرجل غفرئيل شاتيلا أحد كبار أساقفتنا في العصر الحديث وجراسيموس يارد الذي أضحى من أعظم علماء البيزنطيات في العالم، ان يسهم في ترجمة الكتاب المقدس التي لأحمد فارس الشدياق، ان يحب ويوآسي، ان يفتقد ببساطة وتبتل كل ذلك يدل على ان تعدد المواهب فيه رفعه الى مرتبة الكاملين.

لذا لم يبقَ له موضع يسند اليه رأسه فأحلّ الله عليه رضاه بالشهادة. انه لقد غدا من زمرة العاشقين فهتك له الله الحجب ليقيم في النجوى ويرى ما اعده الله لمختاريه. كل الذين دخلوا في سر التناجي الى اي دين او مذهب انتموا مخطوفون الى الشهداء لأنهم هم الحق. نصيبنا منهم ان نرى القداسة اكثر إغراء مما عداها. القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته ينتصبون امامنا لئلا نخون الحب.

 
Banner