Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

الخبز 12/11/1993 Print Email
Saturday, 11 December 1993 00:00
Share

الخبز  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار لسبت 11 كانون الأول 1993

بيت لحم التي تتجه القلوب اليها فيما يدنو الميلاد كلمة عبرية تعني بيت الخبز وكأن السيد جاء يطلبه من اجل الجائعين وهو مثلهم طريح الفقر. انه لغلو في الروحانية كبير ان نحسب ان المخلص يريد لنا حصرا الطعام الروحي. "خبزنا الجوهري اعطنا اليوم" في الصلاة الربية ليست مجرد سؤال للقوت السماوي. انه صرخة الجائعين في الأرض وهم ربع الانسانية المعاصرة، هذا اذا لم نذكر الفقراء الذين      يستطيعون الا يموتوا. ان معجزة إكثار الخبز تدل على اهتمام يسوع البالغ بالجماهير المعوزة التي كانت تتبعه في الجليل. "أخذته الشفقة عليهم، فشفي مرضاهم. ولما كان المساء، دنا اليه تلاميذه وقالوا له: المكان قفر وقد فات الوقت، فاصرف الجموع ليذهبوا الى القرى فيشتروا لهم طعاما". فقال لهم يسوع: " لاحاجة بهم الى الذهاب. أعطوهم انتم ما يأكلون".

في السياق الإنجيلي تأتي هذه المعجزة رمزا للخبز النازل من السماء ويتضح هذا من كل الروايات. ولكن بلورية الرؤية الأخيرة لا تحول دون واقعية الحادثة والحادثة تعهد للذين خارت قواهم فيما كانوا يتبعون المعلم. ان الرمزية المفرطة في التفسير تعفينا من التقيد بأمر من كان فقيرا بين الفقراء. فالملكوت هنا يتجلى ويبدأ وليس هو مجرد تأمل في وجه الله. انه محبة تبدو وتفعل ولذلك كان اهتمامنا بمعاش الناس اهتماما فرضه الله علينا دليلا على الحب. كان نقولا برديايف يقول: "اذا كان الخبز لي مشكلة مادية فخبز الآخرين مشكلة روحية". مع ذلك يزين لي اني اجعل نفسي في علاقة روحية مع هذا الذي اطلب منه خبزا لأني افتح قلبه للآخرين.

انا لست ضد التسول ان كان المتسول بائسا حقا في حال البطالة الكبرى. فريثما تزول البطالة وينال صاحب الكفاءة حقه فلا بد من ان اعبر عن شدتي وضيقي فقد لا يعلم احد بها وادخل بالتسول في موقف محبوبية لا ينبغي ان يخجل احد من فقره. الفقر يمكن ان يصير حالة ملكوتية اي تأهلا لالتماس الله. ان رواية التطويبات كما وردت عند لوقا تستهل بهذا: "طوبى لكم ايها الفقراء فإن لكم ملكوت الله" وفي ظن المفسرين ان هذا هو الكلام الحرفي الذي صدر عن المعلم اذ يبدو ان متى هو الذي روحن التطويبة بقوله: "طوبى للمساكين بالروح".

عند لوقا الفقراء هاجس المسيح من حيث هم فقراء. ان المسيح عندهم وفيهم. طبعا، البيئة التي كان يسوع ينتمي اليها كانت تتحدث عن الفقراء الى الله الذين توحد فقرهم بتواضعهم وتاقوا الى الكرم الإلهي. مع ذلك كله ليس من شك على ان لوقا اهتم لوضع البشر لا الى معنى يطفو على هذا الوضع اذ يقول في التطويبة اللاحقة: "طوبى لكم ايها الجائعون الآن فسوف تشبعون". هذا ليس بتعظيم لحالة اجتماعية لأن المسيح ليس سجين اي وضع مجتمعي ودعوته حركية ولا يعزل الوضع المجتمعي عن امتداد الانسان الى ما سيكشف له في الأخير.

***

كل هذا صدى للنبؤات القديمة فاذا ما تحدث سفر أشعياء عن عودة المسبيين فبعد ان يتكلم عن وقت الرضى ويوم الخلاص يقول: "لا يجوعون ولا يعطشون... لأن راحمهم يهديهم والى ينابيع المياه يوردهم" (49: 10). يتجاوب هذا الكلام وما قاله نبي آخر عن العائدين من الجلاء: "ويجرون الى طيبات الله/ الى القمح والنبيذ والزيت/ وأولاد الغنم والبقر/ وتكون نفوسهم كجنة ريا" (ارميا 13: 12).

ما يحزن امام هذا ان الجماعات المسيحية ليست جدية في إطعام الجياع في كل العالم. اجل أثبتت التجربة ان لا حل آليا، قانونيا لهذه المشكلة وان الايديولوجية الاشتراكية وما تفرع عنها لم تحل هذه العقدة. انا لا ابخس الكنائس حقها. انها أحبت الفقير كثيرا في كل العصور وخدمته خدمة جليلة وألحت على الأغنياء بأشد ما يكون الإلحاح عليه وهيكلت تعليما عظيما في عصر الآباء عن ضرورة العطاء. وكشفت ان الملك يعني الأمانة بما هو لله بحيث لا يعني الإفادة الفردية الحصرية ولكنه يعني الإفادة الجماعية وان هذا حق وليس منّة.

ان الموقف المسيحي من استعمال الخبز - اذا اتخذنا الكلمة رمزا للمال كله - هو اياه موقفها مما نسميه القرابين المقدسة. هذه تصنع من حبات القمح المختلفة وتصير رغيفا واحدا وهذا اذا رفعناه قربانا يوزع على جميع المؤمنين واذ ذاك يصيرون واحدا. ان ما يلح عليه يوحنا الذهبي الفم ان هذه الهبة التي نرثها في صلاة الجماعة وتنشئنا جماعة تعد النفس لتقيم "سر الآخر" اي سر الفقير. من جهة نحن امام مذبح الرب ومن جهة اخرى نحن امام مذبح المحتاج.

كل ما في الفكر المسيحي يوحي بأن ليس من عبادة معزولة عن سكب روحك خارج حدود الهيكل. المحبة تشمل الكائنات كلها او ذبيحتك باطلة. في تصوري ان الخطأ التاريخي الذي وقعنا فيه هو اننا عشنا الإلهيات على صعيد الإيمان والإنشاد والإشعاع السلوكي البادي ولم نحيَ هذا في دقائق اليوميات. انا واثق ان "المعطي المتهلل" هو اكثر ادراكا للعمق الإلهي من لاهوتي جاف.

لقد تركز تأملي في السنوات الأخيرة على وصف سفر الأعمال للكنيسة الاولى في اورشليم: "وكانوا مواظبين على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات" (نحن هنا في الشيء الروحي البحت) الى ان يقول: "وكان جميع الذين آمنوا جماعة واحدة، يجعلون كل شيء مشتركا بينهم، يبيعون املاكهم واموالهم، ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم"! السياق العام يدل على ان المشاركة الروحية بما فيها سر القرابين (كسر الخبز) يلازم الاشتراك بالأموال.

وبالتالي ليس عندنا هنا اساس مطلق للملكية الفردية. بعبارة اخرى، اذا قدس الدستور والنظام العالمي هذه الملكية الفردية فأنت حر في ان تجعل مالك شائعا او مشتركا.

افهم ان هذا لا ترجمة قانونية له اي لا إكراه. ولكن هذا لا يعني من زاوية روحية انك تتصدق على الآخرين تصدقا. انت قائم بمجرد الواجب. المال الذي تبدده  على المساكين هو لهم شرعا ولكنهم لا يحق لهم ان يأخذوه عنوة لأننا في ملكوت المحبة واللاعنف. فإذا ما وُهبوا (بضم الواو) يستلمون ما كان ادبيا لهم.

***

أسئلة الى من يجيب في كنيسة الله:

1.      الكنيسة هي ما يريده لها يسوع الناصري. هل هي في هذه البلاد كنيسة الفقراء الذين وعدهم المخلص وحدهم بأن يرثوا ملكوت الله؟ هل نسق الكنيسة انها لا تعتمد شيئا من توبيخ يسوع للأغنياء ليتمكنوا من الخلاص؟ هل تقف إزاءهم ام تقف معهم وتتبنى ما أمكنها وسائل عيشهم ومظاهره لكي يفتخر الجميع (بما فيهم الفقراء) بأسلوبها و"مكانتها" و"هيبتها"؟

2.      هل تؤمن الكنيسة بأن عراءها كساؤها وان فاعليتها فى انعدام حضورها السياسي وبأنها في ذلك لا تسعى الى ماهية لها مستعارة، مزيفة؟ هل آمنت بأن يسوع العاري من كل ثوب على الصليب كان أقوى من كل ملوك الأرض وبأن الموت الذي ماته كان ملوكيته والملوكية الوحيدة في تاريخ الناس؟

3.      هل اهتز اصحاب السلطان، اي سلطان من كلمات السيد: "تعلمون ان الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وان أكابرها يتسلطون عليها. فليس الأمر فيكم كذلك. بل من أراد ان يكون فيكم كبيرا، فليكن لكم خادما"؟

4.      هل يؤمن المسيحيون بأن كاهنا يحمل الإنجيل وجماعة تؤمن بما تسمع من هذا الكتاب هما الامتداد الكامل لتاريخ الخلاص؟

5.      هل انتم مجندون لخدمة الفقير والا يكون مهشما فيكم لا كلمة له ولا مشورة. تعطونه طقوسا وتعطون سواه مجدا؟

6.      هل تقدسون الوقف حتى إهماله مدعين انكم تسلمون ما تسلمتم ام تستثمرون كل ما عندكم حتى النهاية ليأكل خبزا ولحما وسمكا من لا يستطيع شراءها له ولأطفاله؟

7.      هل انتم داعمون كل سلطان أرضي ولو كان غافلا عن الفقراء، متفرجا على جوعهم عاجزا عن خدمتهم ومستلذا البقاء وذلك لأن لكم لاهوتا خاطئا في السلطة وبالتالي لكم معها تعامل خاطئ ولكونها معطوبة ومنقودة فهي بحاجة اليكم لتحولوا دون سقوطها والفقير في هذه اللعبة ضحية مثل يسوع الناصري؟

والسلام عليكم.

 
Banner